#أردوغان قوي.. #تركيا ضعيفة
الميادين – محمد سيف الدين
محاولة الانقلاب الأخيرة ليست “بجعة سوداء”. هي تطور درامي في مسار الصراع على السلطة في البلاد. وهي بالضرورة ستحدث تسارعاً في تغيير السياسة الإقليمية لتركيا، نظراً لتفوق الأولويات الداخلية في سلم أولويات القيادة في أنقرة، والحاجة للتركيز على استعادة السيطرة في الداخل.
تركيا. هذه الدولة الواقعة على تقاطعات الخرائط القديمة، وعلى ملتقى خطوط الجيوستراتيجيا ورسائم الغاز الحديثة. نقطة لقاء القارتين. أورو-آسيا الصغرى منذ غيرت حرفها من العربية إلى اللاتينية، وبعد أن كانت آسيا الصغرى فقط. جسر البوسفور برأسيه ومعنييه. جسر آسيا إلى أوروبا. وجسر أوروبا إلى العالم العربي. الدولة التي تمثل الريبة للعرب. ونوستالجيا الخلافة للإسلاميين. الدولة التي مزج ترابها بدماء الأمم العدوة، وأبناء الأرض المدافعين تارةً، وتارةً أخرى بدماء أبناء الأرض الطامعين بما هو بعدها، ودماء أبناء الأمم المقموعة بسيف السلطان الطامح لما هو أبعد من سلطته.
هذه البلاد التي عرفت سماؤها رماحاً وأسهماً أكثر مما عرفت طيوراً، وزّعت على جيرانها عبر التاريخ معارف وخيرات وموت، وأخذت منهم معارف وخيرات وعز عاشه سلاطينها الذين تحولوا إلى خلفاء المسلمين في العالم.
هذه الدولة تشهد منذ سنتين على الأقل ما يشبه حرباً تحت سماء الوطن نفسه. حربٌ فوق تراب واحدٍ، وضمن شعب واحدٍ بقوميتين، يراد له ويريد له بعض أبنائه أن ينقسم إلى شعبين في دولتين.
أما رئيس هذه الدولة، فهو يحلم منذ خمس سنوات بتسيّد المنطقة كما فعل أسلافه. ولكن سياساته في الشرق الأوسط فشلت، في مواجهة قاسية مع كل جيرانه. و”كل” في هذا السياق لا تفيد معنى المبالغة.
لم تشهد تركيا ليلة الخامس عشر من الجاري حدثاً استثنائياً غريباً عن تاريخها السياسي وطبيعة العلاقات بين الفاعلين فيها. وحدثُ تلك الليلة الذي لم يكتمل، لا يمكن اعتباره “بجعة سوداء” ستشكل مفصلاً في تاريخ البلاد، أو حتى في تموضعها الإقليمي. بل إن الانقلاب الفاشل بتحقيق أهدافه المباشرة هو حدث من داخل السياق الممتد رجوعاً إلى فترةٍ طويلة في تاريخ البلاد.
العسكر والساسة في تركيا.. نزعة جامحة للسلطة
يعود تاريخ الأناضول –تركيا اليوم- إلى ما بين 7000 إلى 5000 سنة قبل الميلاد، وهي واحدة من أقدم المناطق السكنية في العالم. فمنذ طروادة وأسوارها في العصر الحجري الحديث إلى اليوم، داست تراب البلاد أقدام حكام وامبراطوريات وولاة وخيول وجنود كثيرين. وبنيت الأناضول مدينة تلو أخرى، وتراكم تاريخها حدثاً بعد حدث، وتأصل وجودها فكرة فوق فكرة.
ومنذ أن أعلن الرومان بناء المدينة العظيمة “ديسيوس” فوق “بيزنطة” اليونانية سنة 330 ميلادية. وأسموها “روما الجديدة”، والتي أصبحت لاحقاً “القسطنطينية”. تسارعت وتيرة تدفق التاريخ نحونا، حاملاً إلينا تركيا الجديدة، بعطر جبال طوروس، وملح بحر إيجه، ورائحة الدم القادم من الشمال حيث اصتكاك السيوف بين الأتراك والروس في معارك القرم ومنازلات البحر الأسود للسيطرة على طرق السفن وحكم شعوب القوقاز والبلقان. دماء كثير شربتها سيوف الأتراك في الشمال. وأكثر منها شربت من دماء الجيران العرب في الجنوب. حتى وصلت أنظار جنود السلطنة إلى مصر في الشمال الأفريقي، وإيطاليا في جنوب القارة العجوز.
وتوالى بناء تركيا منذ أن أضاف الإمبراطور الروماني جستنيان إلى القسطنطينية جمالها العمراني الذي توّجه بكنيسة “آيا صوفيا”، التي تحولت بعد ألف عام إلى مسجد. ومنذ أول إمارة عثمانية بالقرب من مدينة “بورصة”، تشكّلت مرحلة جديدة في تاريخ هذه البلاد. ففي عام 1453، اكتسب السلطان محمد الثاني لقبه “محمد الفاتح” من دخوله إلى القسطنطينية. أوج عز الدولة العثمانية عسكرياً واقتصادياً وفي السياسية الخارجية كان في ظل حكم السلطان سليمان القانوني (1520-1566 م).
ولطالما كانت القسطنطينية (اسطنبول حالياً) أهم مدن البلاد ومركز الحكم في الدولة. فمنذ اختارها محمد الفاتح عاصمة للسلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية، غدا اسمها “إسلامبول” أي “مدينة الإسلام”.
ولكن اللافت في تاريخ هذه البلاد هو الصراع الدائم على السلطة بين الساسة والعسكر. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في بوخارست في عهد سليم الثالث، أخذت الفرق العسكرية العثمانية المعروفة باسم الإنكشارية تتحول من أداة قوّة الدولة وذراعها العسكرية، إلى فاعلٍ في الحياة السياسية وفي الصراع على الحكم الذي تحول إلى سبب ضعف رئيسٍ لها. فقد خلعت الإنكشارية عدداً من السلاطين، وقتلت العديد من قادة الدولة مثل إبراهيم الأول.
وفي عهد محمود الثاني تغرّبت السلطنة، فأدخلت إلى نظامها أنماطاً أوروبية في الزي والمدارس والتجارة والقانون… وألغيت الإنكشارية واستبدلت بفرقٍ نظامية. ونتيجة لضعف أحوال الدولة، توالت الهزائم وانسلخت أقاليم عنها. كما انخفضت قيمة العملة المحلية وساء الوضع المالي حتى أعلنت الدولة إفلاسها.
أنهت الحرب العالمية الأولى السلطنة العثمانية بالضربة القاضية. وبزغ نجم مصطفى كمال الذي عرف لاحقاً بلقب “أتاتورك” أو “أبو الأتراك”، فخلع محمد السادس آخر السلاطين، وألغى في ظرف سنتين السلطنة (1922) والخلافة (1924). وصعد بالحركة القومية لتسيطر على مفاصل البلاد حتى وفاته. ولكن إرثه العلماني استمر حتى اليوم، مع أن تغيرات أدخلت في العقدين الأخيرين، أوحت لكثير من المراقبين بوجود مشروعٍ منتظم يحاول الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان من خلاله أسلمة النظام، وتحويل صلاحيات دستورية إليه، حتى يتحول إلى نظامٍ رئاسي شيئاً فشيئاً. وبين أتاتورك وأردوغان شهدت البلاد سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في أعوام 1960، و1971، و1980 و1997. ومحاولات فاشلة كان آخرها في عام 2013 والمحاولة الأخيرة في 15 تموز-يوليو 2016.
سنوات الضياع التركية: خمس سنوات من الفشل.. حتى بالإنقلاب
لا يمكن اعتبار محاولة الانقلاب الأخيرة “بجعة سوداء” جاءت من خارج سياق الأحداث السابقة، لتصبح مفصلاً عمّا هو مقبل. فقد سبقتها محاولة قبل ثلاث سنوات، وستتلوها محاولات أخرى إحداها ستنجح كما توقع الكاتب البريطاني روبرت فيسك.
ولكن أحداث ليل السبت-الأحد أثبتت أن ظروفاً موضوعية أوصلت إلى الانقلاب، وظروفاً موضوعية أخرى أدّت إلى فشله.
في أسباب الانقلاب، تحفّز إسلامي-إخواني محموم لبسط سيطرة تامة على الدولة بقيادة أردوغان. ما جعل الخطوات إلى تحقيق ذلك متهورةً كما يرى معارضوه، وكثّف من أخطائه في السلطة. لقد عبّر الرئيس التركي عن رغبته في السيطرة الكاملة على البلاد من خلال مشروعه لتحويل النظام إلى نظامٍ رئاسي. وعلى الرغم من عدم نيله الأصوات الكافية لتحقيق ذلك، إلا أن فوزه في الانتخابات الأخيرة سمح له بالاستمرار بالنزال مع المعارضة لتحقيق هدفه. فإن لم يفز بالضربة الانتخابية القاضية، قد يفوز لاحقاً بالنقاط التي يعمل على جمعها من خلال قضم نفوذ منافسيه في أجهزة الدولة شيئاً فشيئاً.
لقد أدّت السياسة الأردوغانية هذه إلى استفزاز الخصوم في الداخل إلى الحد الذي أدخل البلاد في رمال التوتر السياسي الدائم، مضافاً إلى ما يشبه حرباً أهلية في المناطق الكردية الملاصقة للعراق وسوريا. حوالى سنتين من التوتر العالي في هذه المناطق، وصفها كتّاب غربيون بأنها حرب أهلية، بالرغم من غياب الكاميرات الغربية، وعيون الوكالات العالمية التي تهجس بمخرز أردوغان.
أردوغان القوي..
حلُم رجب طيب أن يكون سليمان القانوني الجديد في تاريخ البلاد، وحاول من خلال دوره في الأزمة السورية أن يكون محمد الفاتح الآخر. ولكن ظروف الداخل والخارج لم تمكّنه من أن يصل سوى إلى مرتبة سليم الثالث ربما. ولكنه من دون شك يعرف كيف ينفض عنه عبء السياسات الخاطئة وأشخاصها. على الأقل أمام ناخبيه.
الرجل الذي انطلق من حزب الرفاه الإسلامي الذي كان يقوده الرئيس السابق نجم الدين أربكان، شكّل مع صديقه عبدالله غول حزب الحرية والعدالة الذي يتزعمه اليوم. وعندما استلم الرجلان السلطة، تبادلا الأدوار حتى زادت الأخطاء. فلعبت بهما لعبة التاريخ القديمة. المنافسة الباردة على التفوق، سخنت مع الوقت إلى أن فاز أردوغان في نزال الضغط والضغط المقابل. تفرّد بتزعم الحزب والدولة، وحمّل غول في الأطر الداخلية مسؤولية ما لم يتحقق من السياسات الموعودة. تأبط ذراع فتح الله غولن مستفيداً من جميعياته الخيرية ورؤيته الاسلامية المنفتحة ونفوذه الواسع داخل المجتمع. ثم افترقا محملاً إياه مسؤولية كل الأخطاء السابقة. وبعد أن سفكت هذه السياسة دموعا” كثيرة في بلادنا حتى تحولت المنطقة الى بحور من الدموع والدم.
كان أردوغان في الوقت نفسه قد دُهش بنظرية “العمق الاستراتيجي” لأحمد داود أوغلو. تلك التي حاكت حلمه باستعادة السيادة على المنطقة العربية. تبناها. وعندما فشلت هذه السياسة فشلاً ذريعاً وأفقدت تركيا كل أصدقاءها، حمّل أردوغان أوغلو نتائجها وأبعده لمصلحة نهج تصالحي مع الجوار، بدأ يعبّر عن نفسه بصورةٍ متصاعدة على لسان رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدريم الذي ينتظر منه إعادة مد الجسور مع الجميع وتجميل السياسة الخارجية لبلاده. وذلك إلى جانب استكمال أردوغان شروط قبضته التامة على الداخل. ولكنه لتحقيق ذلك سيكون بحاجةٍ إلى انكشاريين جدد له هذه المرة. الجيش التركي على الرغم من حملات التطهير لم يصلح للمهمة السابقة التي مثّلتها سياسات داود أوغلو. فوفق ما كشفته صحيفة “فورين بوليسي” قبل يومين من الانقلاب الفاشل، رفض الجيش التركي أوامر أردوغان بالتدخل في شمال سوريا في لحظةٍ ما من السنوات الخمس الماضية. هو إذن بحاجة إلى انكشاريين موالين وليس إلى “كماليين”. الجيش التركي أتاتوركي وهو النواة الصلبة العلمانية وحامي الكمالية بوجه المد الإسلامي. والجيش بالتأكيد لا يصلح للاستفادة منه في الداخل، كونه غير موالٍ للسلطة الحالية. لذلك قام أردوغان خلال السنوات الفائتة بضخ أعدادٍ كبيرة من مناصريه في أجهزة الأمن الداخلي، وعمل على تطوير القوات الخاصة فيها لتكون جيشه الخاص. وهؤلاء تحديداً من اعتمد عليهم ليلة الانقلاب، إلى جانب محازبيه من العدالة والتنمية، ومناصريه.
لقد حاول الجيش الإطاحة بالرئيس واستلام الحكم، كما كانت تفعل الإنكشارية مع السلاطين العثمانيين. ولكن السلطان الجديد كان مدركاً لآليات الدفاع المناسبة. بعضها ظهر خلال الانقلاب، كاستخدام الضخ الإعلامي في سياق حرب نفسيه تحدثت عن فشل الانقلاب قبل فشله الفعلي، والاستفادة من عدم إعلان الإنقلابيين عن أنفسهم. إلى جانب ظهور أردوغان نفسه عبر فيديو بث على مواقع التواصل الإجتماعي التي منعها للمفارقة منذ أشهر عن معارضية.
جملة من الأخطاء ارتكبها الانقلابيون. لكن ما يعنينا هنا هو الأسباب الحقيقية التي ساهمت بإبقاء أردوغان. وأول هذه الأسباب هي أنه ما يزال قوياً على مستويين. الأول شعبياً، وهو يتمثل بوجود قاعدة كبيرة من المناصرين ترى فيه قائدها الناجح الذي يعبر عنها فعلاً، مع مساندة القوى النظامية من الإخوان المسلمين وقوات الأمن الداخلي الموالية للرئيس. والثاني هو قدرته على السيطرة والتحكم في اللحظات الصعبة، والتي ظهرت جليّةً ليلة الانقلاب.
اعتمد الرئيس التركي ليلة الانقلاب أيضاً على قاعدته الشعبية خصوصاً في مدينة اسطنبول. خرج من أزقتها ولداً صغيراً يلعب كرة القدم في أحد أنديتها. وحين أصبح حاكمها، حولها من مدينة تلوثها النفايات، إلى واحدةٍ من مدن أوروبا الجميلة. مع أردوغان عادت المدينة لتكون “إسلامبول”. هو له فضل عليها. وهي صاحبة فضل عليه يوم رفعته في السياسة التركية إلى مرتبة زعيم وطني بسيرة حسنة.
بفضل إدارة أردوغان. بدا الانقلاب لقيطاً، على الرغم من توفر ظروف كثيرة لنجاحه، أهمها ما تكشف لاحقاً عن مواقع القادة الذين شاركوا فيها ونفوذهم. خلاصة تلك الليلة أن أردوغان لا يزال قوياً.
تركيا الضعيفة..
على عكس رئيسها. خرجت تركيا من ليلة الانقلاب أكثر ضعفاً. الدولة ليست بخير. سياستها في الجوار فشلت، وأكلاف هذا الفشل لا تبدو سهلة الاستيعاب. لقد انتهى وهم الزعامة في الشرق الأوسط. الأولوية الآن لاستعادة الاستقرار. لم تعد أنقرة لاعباً في أزمات الشرق الأوسط، بل أصبحت هي إحداها. الانقلاب هدد الدولة بوحدتها، وربما لو نجح لتفككت تركيا. تفسير الموقف الإيراني المساند لأردوغان يعزز هذه الفرضية. أثناء الانقلاب اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران. كبار القادة السياسيين والعسكريين وأكثرهم لمعاناً هذه الأيام لم يناموا تلك الليلة. فتحوا كل الخطوط مع أنقرة. تفكك تركيا يحمل خطر الدومينو على دولة تشابهها بالحجم والنفوذ وقيادة الإسلام السياسي. ليس من مصلحتها تفكك دولة كبرى في المنطقة على حدودها الغربية. السنوات الماضية تؤكد هذا الرابط بين أنظمة المنطقة التي يحكمها الإسلام السياسي، فعندما سقط الإخوان في مصر، اهتزت تركيا، وإذا سقط الإسلاميون في تركيا، فسوف تهتز إيران. والذين اعتقدوا أن لهم مصلحة في سقوط أردوغان هم خصوم طهران في المنطقة. أخبار كثيرة تسمع همساً عن دعم عربي لمنفذي أحداث الليلة الانقلابية الطويلة.
الاستقرار هو أقصى طموحات تركيا اليوم. تركيا لن تنكفئ نهائياً في سياساتها الإقليمية، ولكنها ستغير هذه السياسة وتلعب دوراً أكثر نعومة، وإذا كان لا بد من الخشونة، فسيكون في اتجاه معاكس لما سبق خلال السنوات الأخيرة الفائتة. العودة إلى الحظيرة الأميركية الضيقة، أو إلى مساحة التفاهم الأميركي-الروسي أصبحت ضرورية جداً، وستحصل مثلما يبدو. أميركا أيضاً لا تريد الفوضى في تركيا. لديها هناك عشرات القنابل النووية التكتيكية من طراز B61 موجودة في قاعدة “أنجرليك”. وقوعها في أيدٍ غير مرغوب فيها كارثة.
وما زاد من سوء الوضع الذي أحدثه الانقلاب، ردة فعل أردوغان ونظامه المبالغة في العنف. حملة تطهير حقيقية يمارسها ضد خصومه. يلدريم قال أمام البرلمان إن “الانقلابيين سيحاسبون ولكن في إطار القانون، مؤكداً محاسبة كل من تسبب بإراقة قطرة دم واحدة، معلناً عن إسقاط عضوية 5 من مجالس القضاء الأعلى وإقالة الآلاف من السلك القضائي والمدعين العامين، إضافة إلى وقف عمل أكثر من 8 آلاف شرطي من الداخلية للتحقيق معهم. وكشف يلديريم أنه من أصل 7543 مشتبهاً فيهم موقوفين، هناك 6038 عسكرياً و755 قاضياً و100 شرطي، وأشار إلى سقوط 208 “شهداء” مما يعني أن الحصيلة الإجمالية لضحايا محاولة الانقلاب هي 308 قتلى. مصادر في رئاسة الوزراء تحدثت عن إقالة 257 موظفاً في رئاسة الوزراء. وكالة أنباء الأناضول قالت إن السلطات أقالت نحو تسعة آلاف من موظفي وزارة الداخلية. وأضافت الوكالة نقلاً عن وزارة الداخلية أن ما مجمله 8777 شخصاً من موظفيها بينهم 30 مسؤولاً تمت إقالتهم، كما تم اعتقال مساعد عسكري أساسي لأردوغان جنوب البلاد. ودعت وزارة التعليم العالي في تركيا كذلك إلى استقالة 1577 أكاديميا.ً وألغت كذلك تراخيص 21 ألف معلم في المؤسسات الخاصة. هذه كلها أرقام رسمية. الأرقام غير الرسمية تتحدث عن عشرات الآلاف طردوا من كافة القطاعات.
بردة الفعل هذه، يؤسس أردوغان لدولةٍ موازية من أخصامه من خلال اجتثاث دولةٍ كاملة من قلب الدولة. وهؤلاء المطرودين من جنة أردوغان لن يتبخروا. سيتطرفون ضده أكثر، وسيعودون بحلةٍ جديدة، وبأخطاء أقل. لكن تركيا حينها ستدفع الثمن الأكبر وليس أردوغان. وكما هي العادة في منطقتنا فإن الجنود الذين توقعهم الخطابات في حفرة القبر خلال مراحل التوتر، ينسون لاحقاً وكأنهم لم يكونوا. تستذكرهم أمهاتهم فقط. وإذا كانوا أمواتاً محظوظين، فإن موظفي قسم “تعويضات الشهداء” في مؤسسات النظام سيذكرونهم مرات قليلة، كرقمٍ أو كحالةٍ، أو كواجب عمل يومي ثقيل الوقع على موظفٍ متثائب.