أردوغان على خطى الآخرين
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
فيصل جلول:
إنهم مجموعة من “اللصوص والهامشيين والمخربين والرعاع والمتطرفين والفوضويين والإرهابيين . .”، ليست هذه الأوصاف مجتزأة من خطب العقيد الراحل معمر القذافي ضد المتظاهرين الليبيين العام ،2011 وليست هذه نعوت الحكومة المصرية لمتظاهري ميدان التحرير، إنها ببساطة تعابير انفعالية أطلقها رئيس الحكومة التركي الغاضب رجب طيب أردوغان الذي كان قد نصح القذافي ومبارك والأسد بالرحيل، وانحاز إلى متظاهري ما يسمى ب”الربيع العربي”، لكنه امتنع ويمتنع عن الاستجابة لطلبات المتظاهرين الأتراك الذين يطالبونه بالرحيل .
تتشابه ردود أفعال أردوغان ضد المتظاهرين الأتراك مع ردود أفعال الحكام العرب الساقطين، فهو مثلهم لا يريد أن يعترف بشرعية الناس الذين نزلوا بعشرات الآلاف إلى الشوارع مطالبين برحيله وبسقوط حكومته، وهو مثلهم يلجأ إلى تفسير الغضب الشعبي بنظرية “المؤامرة الداخلية والخارجية” بل يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقد بوجوب تدخل المخابرات التركية في الأزمة، وبالتالي إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانت هناك أياد خارجية وراء تحرك المتظاهرين، وهو مثل المستبدين العرب أيضاً، إذ يهدد معارضيه بإنزال الملايين إلى الشارع ممن انتخبوه، وهو مثلهم ينطلق من شرعية يظنها أبدية ودائمة خرجت من صناديق الاقتراع، وأخيراً هو مثلهم ولا يريد أردوغان أن يصدق أيضاً، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجرؤان على انتقاده ونصحه علناً بالاستجابة لمطالب المتظاهرين والامتناع عن استخدام القمع الوحشي ضدهم، وهو الذي ماانفك يصنف نفسه قائداً من قادة التغيير في المنطقة، وبالتالي لا يمكن التعرض لحكومته بالنقد .
لا يختلف أردوغان عن المستبدين العرب وبعض اللاحقين، وبخاصة الحالة المصرية، حيث يواجه الرئيس محمد مرسي في القاهرة ما يواجهه أردوغان في اسطنبول، أي حركة شبابية مهددة بالبطالة وخائفة من خسارة مكاسب أساسية ربحتها بعد نضالات متراكمة . والواضح أن طلب رئيس الوزراء التركي من النساء إنجاب ثلاثة أولاد على الأقل لدعم المعادلة الديموغرافية التركية قد أثار سخطاً واسعاً لدى النساء اللواتي يعتقدن أن أردوغان ينظر إليهن كمنجبات ومربيات للأطفال وليس كمواطنات يتمتعن بحق المواطنة المتساوية مع الرجال .
ما من شك في أن شبح “أسلمة” الدولة التركية والشكوك في نية منسوبة إلى أردوغان بالتحول إلى “صدر أعظم” تركي جديد، قد أثار مخاوف الشارع الذي تحرك بقوة وانتظام من أجل قضية لا تبدو في ظاهرها جوهرية، أعني بذلك تحويل ساحة عامة إلى مركز تجاري، وبالتالي قطع بضع أشجار لهذه الغاية، بيد أن الهواجس المتراكمة عن نوايا أردوغان وحزبه، تفسّر وحدها التظاهر العلني مع قبضات مرفوعة، والحفاظ على الزخم الشبابي في الشارع حتى سقوط رئيس الحكومة الذي لا يكف عن صب الزيت على النار عبر تلويحه بنسبة الخمسين في المئة من الناخبين التي حصل عليها خلال الانتخابات الأخيرة، وكأنه يؤكد إقفال أذنيه عن مطالب المعارضين، وأن أحداً لا يستطيع إسقاطه .
لا نعرف بعد إن كانت تظاهرات الشبان الأتراك ستتكلل بالنجاح، وهي إن لم تستطع فإنها تكون قد خلقت فضاء معارضاً، تمهيداً ليوم التوجه إلى صناديق الاقتراع .
الراجح أن يكون مصير أردوغان في تركيا شبيهاً إلى حد كبير بمصير الرئيس المصري محمد مرسي، فكلاهما استجاب لمغريات أيديولوجيا الإسلام السياسي، وكلاهما يصر على اعتماد خطاب متغطرس وتهديدي وترويعي، معطوفاً على استصغار الخصوم، والحديث عن مزاعم نهضوية همايونية لم تفعل بعد غير استفزاز الرأي العام ودفع أقسام واسعة منه إلى الشارع .
يبقى أن أخطر ما في هذه الظاهرة هو تسببها في حمل أقسام كبيرة من المواطنين على المبالغة في تجاوز بعض التعاليم الإسلامية، انطلاقاً من ربط عشوائي بين الإسلام وحكومة الإخوان في مصر ومثيلتها في تركيا، لعجزهما عن إدراك حقيقة بديهية لا يكف القادة الغربيون عن التلويح بها، ومفادها أن الحكم القوي والمستقر هو الذي يتم مع الشعب وبواسطته وليس على الضد منه .