#أردوغان.. صدَّ الإنقلاب داخلياً، وانقلب خارجياً!!
أمين أبوراشد – موقع المنار
يشدُّ الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان الرحال الى طهران الأحد المقبل، بعد فترة وجيزة من القِمَّة التي جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذه التحوّلات في السياسة الخارجية التركية، لم تحصل بعصا سحرية، ولو أن قِمَّة سان بطرسبرغ كان مقرَّراً أن تحصل بين الرئيسين الروسي والتركي خلال أيلول/ سبتمبر، وتمَّ التعجيل بها شهراً بهدف وضع اللمسات الأخيرة لإخراج ما يُعمل عليه منذ أشهر، وجاء الإنقلاب الفاشل في تركيا، لِيُرخي بثقله على أداء أردوغان، وجعله ينقلب على نفسه إقليمياً ودولياً، بعد أن أثبتت السنوات الست الأخيرة إندحار المشروع “الأخواني” من سوريا الى مصر، وبعد أن تبخُّر حلم استعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية والصلاة في الجامع الأموي بدمشق، وبعد أن ثبُتت استحالة إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا لمماحكة النظام السوري من جهة، ومن جهة أخرى، إبعاد كابوس قيام كيان كردي كان من الأسباب الرئيسة لإنتكاس علاقة أردوغان بأميركا التي رَسَمت خرائط هذا الكيان منذ أكثر من خمسة عقود.
لا عصا سحرية تفتح قاعدة همدان الإيرانية أمام القاذفات الروسية، لتوفير 60% من التحليق في غاراتها لضرب الإرهاب في سوريا، وهي سابقة لم تحصل منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، مما يعني أن الحلف الإيراني – الروسي في محاربة الإرهاب، لا يحمل صفة التكتيك الحربي، بل استراتيجية الحماية الإقليمية التي تضمن القضاء على أخطر ظاهرة تكفير وشيطنة وإبادة عرفها التاريخ المُعاصر.
ولا عصا سحرية تقلِب السياسة العدوانية التركية إيجاباً تجاه سوريا، عندما أطلّ رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدريم”، ودَعَا قبل زيارة أردوغان الى سان بطرسبرغ للقاء الرئيس بوتين: “الى عدم الاستغراب إن حصلت تطوّرات مهمة بالنسبة الى الأزمة السورية خلال الأشهر الستة المقبلة”، ولا العصا السحرية قادرة أن تحرِّك ديبلوماسياً رفيعاً كوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لزيارة عاجلة الى أنقرة، والإطلاع على نتائج المحادثات التركية ـ الروسية وبحث فرص التنسيق الثلاثي التركي ـ الروسي ـ الإيراني في إيجاد مخرج عاجل لهذه الأزمة.
وفي تكرارٍ للمواقف التركية الرسمية المُستجِدَّة، قال “يلديريم” في لقاءٍ مع صحيفة “قرار” التركية: “لقد اقتربنا من حلّ الأزمة السورية”، موضحاً أن الحل يشتمل ثلاث خطوات هي: حماية الحدود، وعدم السماح بإقامة دولة يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وعودة اللاجئين المقيمين في دول الجوار إلى بلدهم بعد تحقيق الحل النهائي، ولم يتطرَّق الى موضوع إسقاط النظام السوري ومصير الرئيس الأسد.
وأتت زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لأنقرة، للتوقيع بالأحرف الأولى على التحالف المبدئي مع روسيا وتركيا، ليس فقط لمكافحة الإرهاب، بل لإرساء قواعد تفاهم حول حلٍّ جذري للأزمة السورية، وأكَّد في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود جاوش أغلو في أنقرة، أن الخلاف بين تركيا وإيران حول سوريا، يُمكن أن يُحلّ عبر تكثيف اللقاءات والحوار، وأكّد ترحيب بلاده بالتقارب بين روسيا وتركيا، وأشار إلى أن أنقرة وطهران متفقتان على وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب ، فيما أكَّد جاوش أوغلو من جهته أن بلاده ستتعاون مع إيران في الفترة المقبلة بشأن الأزمة السورية، وأن لدى أنقرة الكثير من القواسم المشتركة مع ايران، ويتوجَّب على الطرفين تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
وإذا كان فتح قاعدة همدان الإيرانية أمام القاذفات الروسية، هو أول الغيث في محاربة جدية حاسمة للإرهاب، فما صرَّح به إيغور موروزوف عضو لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي : بأن تركيا وافقت على استخدام الطيران الروسي لقاعدة إنجرليك التركية لضرب الإرهابيين في حلب يبقى موضع تساؤل، عن كيفية المواءمة بين استخدام الطائرات الأميركية لهذه القاعدة مع استخدامها أيضاً للطائرات الروسية، لكن الأمر يبدو وكأنه توافق أميركي – روسي ضمني في هذا الإطار.
تزامنت هذه التطورات، مع ما كشفته صحيفة “إيزفيستيا” الروسية، عن أن العسكريين والدبلوماسيين الروس، طلبوا خلال مباحثاتهم الأخيرة مع نظرائهم الأتراك، إغلاق الحدود التركية – السورية لوقف تدفق الإرهابيين والأسلحة، ونقلت الصحيفة عن نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي فيكتور فودولاتسكي قوله: “طرحنا بالطبع مسألة متعلّقة بإغلاق الحدود التركية – السورية لوقف تدفق الإرهابيين والأسلحة”، وأشار إلى أن روسيا باستطاعتها أن تقدّم للجانب التركي صوراً من أقمار صناعية، تظهر فيها معابر لتهريب الأسلحة والمسلحين إلى سوريا، وأشارت الصحيفة، إلى أن أنقرة تتجه للقبول بالاقتراح الروسي وأنها بدأت بدراسته، ومما يعزِّز فرضية جدِّية تركيا بالتعاون هذا المجال، هو في الحملة التي قامت بها الشرطة التركية في اسطنبول لتوقيف عناصر مقرَّبة من داعش في اليوم التالي لإنتهاء زيارة أردوغان الى روسيا، ثم تمرير 1000 عنصر مسلَّح من الأراضي التركية الى سوريا وتحديداً نحو إدلب، في ما يبدو أنه محاولة “تنظيف” الداخل التركي من الإرهابيين قبل إقفال الحدود أو ضبطها على أقل تقدير.
هذا الإنقلاب على الذات، الذي أقدم عليه الرئيس التركي مؤخراً، هو إحترامٌ لما يُعرف بـ “ديكتاتورية الجغرافيا” التي تتحكَّم بواقع وموقع بلاده، ومُحاولة قراءة للواقع الجيو – سياسي لتُركيا، والإعتراف بأن سوريا والعراق هما البوابتان البريتان لتركيا على العالم العربي، وأن خط الغاز القطري الذي كان من المُفترض أن يمرَّ بهاتين الدولتين ومنهما الى تركيا ثم الى أوروبا، بات حلماً ممنوعاً على الحُكم الأخواني في قطر والعُثماني النُزعة في تركيا، بعد أن دفع الأبرياء السوريون والعراقيون من دمائهم وأرزاقهم ثمن حرب “تمرير أنبوب غاز” من الخليج الى أوروبا عبر تركيا، بتمويلٍ قطري وتنفيذٍ تركي.
و”ديكتاتورية الجغرافيا” التي أذعن لها أخيراً الرئيس التركي، تعني عدم جدوى 60 إتفاقية دفاعية مع إسرائيل، لأن لا تركيا بصدد محاربة دُوَل في المنطقة ولا إسرائيل قادرة، وتعني أيضاً شطب فكرة الإنضمام الى إتحاد أوروبي يرفع بوجه أردوغان وتركيا يافطة “غير مرغوب بكم” بعد موجة الإرهاب التي ضربت أوروبا، وديكتاتورية الجغرافيا تعني أولاً وأخيراً حُسن جوارٍ مع سوريا والعراق والقوة الإقليمية الأقوى المتمثِّلة بإيران بتحالفٍ راسخ مع روسيا، والإنعتاق من السياسات الأميركية المشبوهة الغادرة، والتي كان آخرها ما صرَّح به المرشح الجمهوري دونالد ترامب منذ أيام، أن وكالة الإستخبارات الأميركية “سي آي إي”، هي التي ساهمت في التخطيط للإنقلاب الفاشل بتركيا وأنه سوف يُسمِّي قريباً ثلاثة عشر ضابطاً من هذه الوكالة كان لهم الدور التنفيذي، وما على الرئيس التركي وكل من يُراهن على أميركا أن يتَّعظ بعد كل هذه التجارب، أن أميركا تتعامل مع الأشخاص كأدوات، وتتعاطى مع الدُوَل وكأنها جمهوريات موز…