أرانب قطر تفترس فهودها !!
صحيفة المجد الأردنية ـ
كاظم فنجان الحمامي:
من شب على شيء شاب عليه، فالطبع يغلب التطبع، وخبايا الصنع تكشف نوايا التصنع، وهذه هي المطبات التي تقع فيها دائما الأنظمة الهجينة، التي تجاوزت حدود المبالغة والغلو في تظاهرها المزيف بالذود عن الديمقراطية، وفي دفاعها المخادع عن الحرية والعدالة، فارتدت أثوابا أطول من قامتها، فكان من الطبيعي أن تتعثر بأذيال سراويلها الفضفاضة، وتنكب على وجهها في دروب الحقيقة، وهكذا كانت بالونات الكذب والنفاق السياسي أخف وزنا من فقاعات زبد الأمواج المتلاطمة على سواحل الدوحة، فتطايرت وذهبت جفاءً. . .
لم يكن بمقدور المزاعم القطرية الصمود طويلا فوق روابي الربيع العربي، فتدحرجت من القمة إلى الحضيض، وتناقضت مع شعاراتها التحريضية في أول قصيدة هجاء صدح بها الفهد العنابي الشريف في ميادين الحرية والتحرر، فاستأسدت أرانبها واستذأبت قططها لتحكم بالسجن المؤبد على قائد كتيبة الفهود، المواطن القطري محمد بن راشد بن الذيب الضاعن العجمي اليامي. .
لم تستطع حكومة قطر الصمود بوجه محتج واحد من كتائب المحتجين والمعتصمين والمعارضين والثائرين، منتقد واحد انتقدها بقصيدة يتيمة، فارتبكت وتلعثمت وفقدت توازنها، وعادت إلى ممارسة طبعها الاستبدادي، وغريزتها التعسفية، فجندت ضباعها الأمنية لمطاردة صاحب القصيدة، فاعتقلته وألقت به في ظلمات سجونها، بتهمة التطاول على رموزها، وبتهمة التحريض على الإطاحة بنظام الحكم في الدوحة لمجرد انه كتب قصيدة واحدة رد فيها على أحد أرانب البلاط الأميري (خليل الشبرمي). .
لم تجد نفعا مرافعات كبار المحامين من أمثال الدكتور عبيد الوسمي، ونجيب النعيمي، ولم تذعن الحكومة المتصنعة لنداءات منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، فالقرار بالسجن المؤبد صدر من شيخ مشايخ الربيع البترولي، الشيخ الذي ما انفك يطالب الشعب العربي كله بالنهوض والتحرر من قيود الأنظمة الظالمة المستبدة، وما انفك يقدم لها الدعم اللوجستي بالمال والسلاح والتغطية الإعلامية المباشرة عبر أبواق قناة الجزيرة، لكنه انقلب ضد نفسه وظهر على حقيقته في أول اختبار من اختبارات الربيع، الذي غرس حقوله بالألغام والمتفجرات، فجاء حكمه الجائر ضد الشاعر (محمد بن الذيب) بعد أن أمضى قرابة عام في السجن، ولقيت قضيته صدى واسعاً في الأوساط الثقافية والأدبية والسياسية الخليجية والعربية. .
(بن الذيب) شاعر شعبي (نبطي) من قطر، تميزت مفرداته بعمق المعاني، واتصف شعره بالقوة والجرأة والجزالة مع غزارة الإنتاج وعذوبة الإلقاء، نال شهرة إعلامية واسعة، وله مكانة كبيرة في نفوس الجماهير، شارك في المنتديات والأمسيات والاحتفالات الشعبية والرسمية، تناول شعره كافة أغراض الشعر، لكنه تألق بقصائده الوطنية الداعية للتحرر من سلطات التوريث المنوي في عموم الأقطار الخليجية. .
بدأ مشواره مبكرا، واشتهر في المجالس الشعبية بقدرته على انتقاء أبهر وأعذب القصائد، عرفه الناس بشجاعته واعتداده بنفسه كشاعر مغوار، لا يهزه الهجاء، ولا يقهره الأنداد، لا يخاف ولا يتردد من المواجهة مهما كان خصمه قويا ومتسلطا. .
له باع طويل في الميادين الشعرية، بيد أن مشكلته تكمن في صراحته وصدقه ووضوحه، فهو صريح إلى أبعد الحدود، وربما سببت له هذه الخصلة الكثير من المشاكل، وجلبت له العداوات. .
(بن الذيب) شاعر تربى على الفطرة في ربوع البادية، فاستمد منها فصاحته الشعرية، وردوده العنيفة على من هم دون مستواه الوطني، تتحدث قصائده دائما عن العزة والكرامة والكبرياء، وتتميز بعزيمة قوية وإرادة صلبة لا تقبل الخنوع ولا الخضوع، يعمر قلبه دائما بحب الله وهدايته، فيمضي حياته مقداما شجاعاً، لا يتراجع ولا يجبن. .
شاعر أصيل أنجبته المضارب النقية، لا يمكن أن ننساه رغم احتجازه خلف قضبان الزنزانات المقفلة، ولا تفارقنا صورته البهية كقامة باسقة حاملاً في قلبه الكبير كل المسرات والأحزان، كان يرسم بقوافيه ملامح الربيع القطري بانتظار انبلاج خيوط الفجر في الدوحة، فاشتكى من قتامة ليلها، وأبدى تذمره من أضراس أرانبها الخبيثة، وعبر عن استنكاره لطغيان النماذج المستنسخة من شيوخ الريموت كونترول، الذين طغوا طغيانا عظيما، وعاثوا في الأرض فسادا. .
ختاما نقول: هذه هي حقيقة النظام الذي تظاهر بدعم مبادئ العدل والحرية، وتظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان، وفجر خارج أرضه وقود ما يسمى بالربيع العربي، لكنه هو نفسه الذي يطارد الشعراء ويضطهد الأدباء، فيضيق صدره من سماع بضعة أبيات من شاعر صادق، كتبها ضد أرنب من الأرانب الضالة. .
فالكلام يفترض أن يجابه بالكلام، والفكر بالفكر، والقصيدة بالقصيدة، وليس بأقبية السجون والمعتقلات والقيود والأغلال، ثم إن الذي يناشد الناس ويدعوهم لرفع راية الحرية والعدالة في طرابلس وتونس والقاهرة ودمشق ينبغي أن لا ينكسها ويدوس عليها خلف أسوار الدوحة.