أحلاف استراتيجية..
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
مع بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، طفت على سطح النظام الدولي، الكثير من التحديات والإشكاليات، فضلاً عن استشعار بعض القوى الإقليمية والدولية، لجملة من الأخطار، جراء التعنّت الأميركي ومحاولة فرض الرؤى، والعبث أيضاً بخرائط النفوذ، الأمر الذي دفع روسيا وإيران الى تعزيز حضورهما، سواء في سورية، أو لجهة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي لم تخرج عن سياق الاستراتيجية الأميركية، الرامية الى حصار جيواستراتيجي، يطال روسيا وحلفاءها.
وحين نتحدث عن سياق المصالح، فمن الطبيعي أن تتعاون روسيا وإيران في ملفات عدة، ولا نبيح سراً إنْ قلنا، بأنّ إيران تقدّم مساعدتها التكنولوجية لروسيا في أوكرانيا، نتيجة دعم غربي لا محدود لنظام كييف، وبالتالي فإنّ طهران وإنْ لم تبح صراحة بمساعدتها العسكرية وتحديداً سلاح المُسيّرات، إلا أنّ الحضور الإيراني القوي والمؤثر، جعل الغرب يفرض المزيد من العقوبات على إيران، لتقديمها طائرات مُسيّرة إلى روسيا خلال حربها مع أوكرانيا.
وبذات التوقيت، فقد أعلنت القوى الغربية، وضع الملف النووي الإيراني على طاولة الإنتظار، وإقصاءه من قائمة الأولويات الغربية، لتتمكّن تلك القوى من ثني إيران عن تأييد الموقف الروسي في الحرب الأوكرانية، لكن النتيجة كانت هي تعميق الحلف الاستراتيجي الروسي الإيراني.
وفي الإطار ذاته، بات واضحاً أنّ التطورات الداخلية في إيران، لا تخرج أبداً عن إطار محاولات ثني إيران عن دعمها لروسيا، ولعلّ تعزيز العقوبات على طهران، يأتي أيضاً في سياق توجيه رسائل لروسيا، مفادها ضرورة الإبتعاد عن إيران، ورغم ذلك، فقد أكدت الكثير من التقارير، بأنّ الحلف الروسي الإيراني يمتدّ ويتوسع، ليشمل مجالات عدة لا تقتصر على الاقتصاد.
من المعروف أنّ أهمّ محددات السياسة الخارجية الإيرانية، ترتكز على التاريخ والأوضاع الداخلية، وعلى رغم أنّ العداء الواضح في الخطاب السياسي الإيراني ترجعه طهران إلى استغلال الموارد الذي ارتبط بالعلاقات مع بريطانيا وروسيا، عبر سلسلة امتيازات وصلاحيات حصلت الدولتان عليها، كان شعار «لا شرقية ولا غربية» الذي أعلنه الإمام الخميني، ناتجاً من عدم الارتباط بأيّ من المعسكرين الشرقي والغربي. وعلى رغم أنّ تاريخ العلاقات بين إيران وروسيا القيصرية يشوبه غياب الثقة الذي يرجع إلى القرن الـ 16 والقرن الـ 17 والقرن الـ 18 وحتى العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، إلا أنّ طهران أدارت علاقتها بموسكو بشكل مختلف عن الغرب. حتى إنه في عام 2016، أعلنت موسكو عن ترتيب سمحت بموجبه طهران سراً للقاذفات الروسية باستخدام قاعدة جوية إيرانية لضرب أهداف في سورية.
يمكن وصف العلاقة بين موسكو وطهران، بأنها علاقة جيو استراتيجية، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية، لتعمّق أواصر هذه العلاقة، ولتتلقى دفعة قوية في شتى المجالات، لتغدو العلاقة الروسية الإيرانية، ضمن أطر الشراكات الدفاعية والاقتصادية، فقد عملت طهران على تزويد موسكو بالطائرات المُسيّرة في الحرب الأوكرانية، وكان هناك عدد من المستشارين الإيرانيين في شبه جزيرة القرم، كما أنّ هناك تقارير تتحدث عن نية روسيا استلام صواريخ باليستية من إيران، وفي المقابل ستحصل إيران على صواريخ «سوخوي 35» الروسية. حتى إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال في بيان «أصبحت إيران الآن أكبر داعم عسكري لروسيا».
التعاون الروسي الإيراني يمتدّ إلى المجال البحري، من خلال شراء السفن الحربية الروسية والمساعدة في تصميم السفن المصنوعة خصيصاً لتلبية الحاجات الإيرانية. ولم تقتصر الشراكة بين الدولتين على الجانب العسكري فقط، بل امتدّت إلى التعاون الاقتصادي، فمحاولات تعزيز التجارة الثنائية بينهما، ترجمته زيارة وفد كبير من رجال أعمال روس الغرفة التجارية الإيرانية. وتحاول كل منهما أن تكون سوقاً للأخرى، فضلاً عن محاولة إيجاد نظام مصرفي بديل للنظام الغربي.
ختاماً، يبدو واضحاً انّ حالة التكامل التي تجسّدها العلاقات الروسية الإيرانية، تكاد تكون نموذجاً لنظام عالمي جديد، فاليوم إيران قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، ولديها تأثير أيضاً في ملفات متعددة، وكذا روسيا، وعلى الرغم من تكالب الغرب عليها، لكنها اليوم وبمساعدة إيران، تحقق منجزات إقليمية ودولية، سترهق الغرب عموماً، وعليه فإنّ الحلف الاستراتيجي الروسي الإيراني، لن تؤثر عليه عقوبات أوروبية أو أميركية، بل على العكس، إذ تؤكد تقارير غربية بأنّ أوروبا تعاني الأمرّين جراء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا وطهران.