«أحرار الشام».. تنظيم «جهادي» صامت
صحيفة السفير اللبنانية ـ
علاء حلبي:
في الجبال والأحراش، وبعيداً عن عدسات الإعلام، اختارت «حركة أحرار الشام الإسلامية» العمل. لا يعرف الكثيرون في سوريا عن «الحركة»، التي تطلق عليها تسمية «حاشا» اختصاراً، سوى أنها «تنظيم إسلامي» يقاتل الجيش السوري، وينشط في المناطق الوسطى والشمالية من سوريا. وقد ساهم بالسيطرة على المطارين العسكريين «تفتناز» في ريف إدلب، و«الجراح» في ريف حلب، من دون أن تسجل نشاطات تذكر داخل المدن السورية التي تسيطر عليها المعارضة، يترافق ذلك مع غموض يلف تفاصيل الحركة، نشأة، وعديداً، وتمويلاً، فمن هي «حاشا»؟
هي « حركة إسلامية» أنشأها المعتقل «الإسلامي» السابق في صيدنايا حسان عبود، والملقب بأبي عبد الله الحموي. وقد عمل فور الإفراج عنه (وهو من حماه) على تشكيل «حركته»، والتي كانت تسمى بداية «كتائب أحرار الشام». توسع نشاطه ببطء في ريف حماه، وريف حمص، وشكل ريف إدلب، بجباله وأحراشه، ملاذاً آمناً له، ليبدأ بتوسيع نشاطات «الحركة»، مستفيداً من زيادة عدد العناصر المنتسبين إليه، سواء من السوريين أو حتى «الجهاديين» الأجانب، الذين توافدوا إلى سوريا، فوصل نفوذه إلى ريف حلب الجنوبي، وحتى الشمالي.
وقد كشف مصدر متابع لنشاط «الجهاديين» في سوريا لـ«السفير» أن عبود، وفور خروجه من السجن، تواصل مع أحد الرجال الـ 11 المقربين من الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ويدعى «أبو أيوب». ووصله الأخير بعدد من رجال الأعمال والمتنفذين الكويتيين، أبرزهم «شافي العجمي»، المعروف بحقده على الطائفة الشيعية، والذي ساهم بالتعاون مع «مجلس الداعمين الكويتيين» بتمويل التنظيم، ومدّه بالسلاح. وذلك قبل أن تنسحب «الحركة» من «المجلس» في شهر أيلول من العام الحالي، في حين تكفل «أبو أيوب» بإرسال المقاتلين (بعضهم من المقاتلين السابقين في طالبان). كما عمل «ابو أيوب» على مساعدة عبود في رسم ملامح التنظيم، ونظامه الداخلي، وآلية عمله. وأقام بعض «الجهاديين» الوافدين من أفغانستان و باكستان معسكرات تدريب، أبرزها في ريف إدلب قرب معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا، والذي تسيطر عليه «الحركة».
«لا تؤمن الحركة بالعمليات الاستشهادية»، يقول المصدر. ويتابع أنه «منذ تأسيسها اختارت نمطاً مختلفاً عن الأساليب المعروفة التي تعتمدها بقية التنظيمات الجهادية، حيث عملت على مزج الأسلوب الذي اعتمدته جماعة الإخوان المسلمين في مرحلة الثمانينات، والمركز على تنفيذ الاغتيالات، والتفجيرات عن بعد، مع أساليب مقاتلي القاعدة في ساحات القتال، والقائمة على الاندفاع، ومواجهة الخصم بشراسة سعياً للشهادة».
ويضيف المصدر أن «الحركة اعتمدت ايضاً الانفتاح على جميع الفصائل المعارضة المقاتلة، ومشاركتها في العمليات العسكرية، بسبب قلة عدد مقاتليها بالنظر إلى المساحة التي تنشط فيها»، موضحاً أن «الاختلاف الايديولوجي بينها وبين بقية التنظيمات الجهادية هو خلاف تكتيكي، متعلق بآلية العمل، وليس خلافاً استراتيجياً، فالحركة تسعى، كبقية التنظيمات، لإقامة إمارة إسلامية، ويلقب متزعمها بالأمير».
ولا تخفي «الحركة» ارتباطها الوثيق بـ«جبهة النصرة»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، حيث يعيد المصدر سبب هذه العلاقة الوطيدة إلى «طيب العلاقة بين أيمن الظواهري وأبي أيوب من جهة، وعلاقة حسان عبود الشخصية القوية بأبي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة»، (تشير إحدى الروايات، في حال صحتها، إلى أن أبا محمد الجولاني كان مسجوناً في صيدنايا قبل بدء الأحداث في سوريا، ما يعني أن العلاقة بين الرجلين تتمتع بطابع تاريخي).
ومؤخراً، أنشأت «الحركة» ما أطلقت عليه اسم «جبهة إسلامية»، قالت إنها تضم 11 فصيلاً منتشراً في مختلف المحافظات السورية، لتنظيم العمل الجهادي، من دون المساس بهيكلية هذه التنظيمات، أو تغيير قيادتها، ما جعل تقدير عدد مقاتلي «حاشا» أمراً صعباً (بعض المصادر الجهادية تقدر عدد مقاتلي حاشا بنحو 20 ألف مقاتل، معظمهم من السوريين، يعملون تحت قيادة جهاديين عرب وأجانب).
ووفقاً للمصدر، فإن تأسيس «الجبهة الإسلامية» جاء كتحضير لـ«معارك مقبلة متوقعة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، خصوصاً مع ارتفاع حدة التهديد الذي بات يفرضه داعش على مجمل الفصائل الأخرى». وبالتالي «تخشى المجموعات الصغيرة أن تلتهمها داعش، فعملت على تشكيل قاعدة مشتركة بينها قد تحميها مستقبلاً».
وبرزت مؤخراً خلافات حادة بين «داعش» و«حاشا»، إثر قيام الأولى بقطع رأس أحد عناصر «حاشا»، في ما اعتبر أنه «خطأ إثر تلفظ مقاتل حاشا بألفاظ شركية (اتهمه بأنه مشرك)»، خلال إسعافه فظنه مقاتلو «داعش» ينتمي إلى فصيل يقاتل إلى جانب النظام فقاموا بقطع رأسه، والتمثيل بجثته.
ولا تعتبر الخلافات بين «داعش» و«حاشا» جديدة، إذ تمتد جذورها إلى يوم إعلان زعيم «الدولة الإسلامية في العراق» أبو بكر البغدادي عن توسيع مناطق نفوذه لتشمل سوريا، إثر رفضه ضم «جبهة النصرة»، والتي ساهم في تأسيسها ودعمها، إليه، ليحمل تنظيمه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». (تناولت «السفير» ملف النصرة وداعش في العدد 12618، الصادر بتاريخ 1/11/2013). وأصدرت «حاشا» وقتها بياناً أعلنت من خلاله الوقوف إلى جانب «جبهة النصرة» في وجه «داعش».
وبحسب المصدر المتابع لنشاط «الجهاديين»، فإن موقف «حاشا» ليس غريباً، خصوصاً مع وجود خلافات عميقة بين طريقة عمل التنظيمين، إضافة إلى وجود خلافات أخرى بين داعمي التنظيمين. ويشرح قائلاً إن «علاقة أبو بكر البغدادي بأيمن الظواهري وبأبي أيوب ليست جيدة، على خلاف علاقتهما بجبهة النصرة، وهو ما ساهم بشكل مباشر بتوتر العلاقة بين التنظيمين»، مضيفاً «كما أن السياسة التي تتبعها الحركة لا تروق كثيراً لأبي بكر البغدادي، الذي يرفض التعاون مع الفصائل الأخرى، كما يرفض بشكل مطلق مبدأ الديموقراطية الذي يعتبره بدعة، ويسعى لتشكيل دولته الإسلامية وفق مبادئ واضحة، على خلاف الحركة التي تسعى أيضاً لإقامة إمارة إسلامية، ولكن عن طريق تسويق الفكرة بأسلوب أكثر ليونة تجاه الغرب، يقوم على قبول الديمقراطية والانتخابات بعد اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع، معتقدة أنه وحتى إن طبقت الانتخابات فإن الفكر الإسلامي سيطغى على الساحة». ويوضح المصدر أن «حاشا أقامت لهذا الهدف مراكز دعوية (مراكز تسعى لنشر الدعوة الإسلامية وفق منظور الحركة للإسلام) في المناطق التي تسيطر عليها، لضمان وجود قاعدة شعبية تساهم بإنجاحها في أي تطورات مستقبلية قد تجبرها على خوض الانتخابات».
وبالرغم من ارتفاع حدة الخلافات بين «داعش» و«حاشا»، إلا أن المصدر ينفي وقوع اشتباكات عنيفة مباشرة بين التنظيمين، في الوقت الحالي، أو المستقبل القريب. ويعلل رأيه بالقول «إن حركة أحرار الشام تتبع أسلوباً مرناً، وهي أذكى من الاصطدام بشكل مباشر بتنظيم يستطيع التهامها بين ليلة وضحاها، كما أن سياسة داعش لا تعتمد الهجوم بشكل مباشر إلا بعد اتخاذ عدة خطوات تكون كفيلة بإضعاف الخصم، لجعله لقمة سائغة». ويروي أن «أحد أمراء داعش، ويدعى أبو جبل، كشف تفاصيل حوار دار بين أبي خالد السوري (وهو الوسيط الذي عينه الظواهري بين داعش والنصرة) ووالي حلب لدى داعش ( أبو الأثير الأنصاري)، حول نظرة داعش لحاشا، ومستقبلها، حيث قال والي حلب: في آخر المطاف ستقسم الأحرار على ثلاثة أقسام، قسم مع الدولة (الإسلامية) وهم الأعم، وقسم مع البرلمانات الكفرية، وقسم يلاعبون صبيانهم».