أجوبة على تساؤلات: لمــاذا لا يــرتــدي الــرجــال الــحــجــاب؟
موقع إنباء الإخباري ـ
بتول زين الدين:
“لمــاذا لا يــرتــدي الــرجــال الــحــجــاب؟” سؤال لم أطرحه بغاية سماع إجابة أو الإستنكار. وهو ليس مجرّد تساؤل عاطفي مرّ في أحد الموقع الإلكترونية مرور الكرام، أو ضمن مواقع التواصل الإجتماعي أو الدردشات الفايسبوكية التي لم تحظَ جميعها حتى الآن بقوننة في لبنان، بل هو عبارة عن مقال نشر أمس (منقولاً ومترجماً عن “لو كوريي انترناسيونال”) في صحيفة ليست مرموقة فحسب بل تعدّ من التراث الصحفي اللبناني.
لم أخشَ من خلال الرد الوقوع في فخ الترويج لذاك المقال، فلست في وارد التسويق لأفكار باتت مبتذلة. إنما كان لإحتوائه نسبة مرتفعة من الإلتباسات والمفاهيم الخاطئة حول الحجاب، وخلط الكاتبة ما بين العرف والشرع، العاطفة والمنطق، هما الدافع الأقوى لوجوب الردّ، فإدخال العاطفة بحوار عقلانيّ، تحويل الإستثناء إلى قاعدة والوقوع في التعميم، مغالطات منطقيّة لا يحسن السكوت عليها.
ولعل الأسوأ من ذلك، والخطورة أنها تظلل كلها تحت جناح: “حرية الرأي والتعيير”، نعم تعيير وقدح لطائفة يشكّل الحجاب فيها واجب إلهي، وفي ذلك تخطٍّ فادح لمهنية مهنة الصحافة والإعلام المسؤول. على أن لا يفهم من كلامي هنا أنني بصدد التعاطي مع الدين كـ “تابو” (محرّم)، ولكن للناقد شروط معيّنة ليس أبسطها الإطلاع الوافي والشامل على القضية المستهدفة بالنقد، وأخذها من ينابيعها وليس مما يتم سماعه وتداوله بين الناس وهذه ما لم أتلمّسه في المقال المذكور.
خلط بين العرف والشرع
“إذا كان حجاب المرأة يكبح شهوة الرجال الجنسية، فما العمل لمنع الشهوة لدى النساء؟ “، سؤال منطقي، ولكن حسب علمي أن الشريعة تتحكم بعيون الرجل تزامناً مع ثياب المرأة، فهو مسؤول عن نظره وثيابه التي وضعت لها ضوابط كي لا تؤدي إلى استفزاز المرأة. لكن ألا تتفقين معي أن الفروق البيولوجيّة الفطريّة للذكور تختلف عن تلك التي لدى الإناث؟ خصوصاً مع سنّ البلوغ، حيث يكتمل التركيب العضوي و الهرموني للجنسين. عموماً الاختلافات بين الجنسين من الناحية الفيزيائية أو الجسدية والتناسلية معروفة منذ أن خلق الله تعالى آدم وحواء وأسكنهما وذريتهما الأرض. هذا ماحدث بالضبط، بعدما كبرتِ، رداً على قولك: ” صغرنا، كنا نلعب.. ماذا حصل بعدما كبرنا”.
“لماذا أصبحنا نحن سجينات فيما هم يلعبون في الخارج بكل حرية؟”، لست أدري عزيزتي من سجنك هنا بالضبط: الأعراف أم المجتمع أم الشرع؟ إذا كانت العادات والتقاليد فما ذنب التشريع إذاً؟ من الواضح أنه يتم الخلط عندكم بين العرف والشرع. فكما تعلمين أن للمجتمع الشرقي عادات وتقاليد وأعراف توارثها الأبناء عن الآباء بصرف النظر عن مدى صوابيتها، وقد يستغل البعض الدين ويتلطى به لإضفاء قداسة على هذه العادات والتقاليد، هذا لا يعني أنها تصبح من الدين.
“أمضيت وابنة عمي أوقات فراغنا في مشاهدة المسلسلات المكسيكية مثل النساء اللواتي بلغن الخمسين عاماً”. مؤلم ما تقولينه، خصوصاً أنني وضعت نفسي مكانك، ولكن لديّ سؤال: من طلب منكن ذلك، من فرض عليكن أن تكنّ خمسينيات؟ لست ألومك، بل يبدو لي أن التربية في مجتمعكم أفرزت بعض الظواهر الإجتماعية أو المشاكل النفسيّة (كبتاً أو عقداً دفينة) كانت كفيلة بجعل حقائق الأمور تلتبس عليكِ.
” تعلمّنا ماذا على المرأة أن تخفي. شعرها إغراء. حواجبها إغراء”. حسبما تعلّمت أن حواجب المرأة في الدين الإسلامي ليست إغراء، هذا محض إفتراء، ربما تسمعين هذا الكلام ممن يغالون في فهم الدين بل ويفهمونه فهماً خاطئاً، يا حبذا عزيزتي لو تقتطفين الثمار من أشجارها. فتحميل المرأة مسؤولية الفساد والانحراف هو قراءة ذكورية لبعض الفقه والحقيقة أن الإسلام حمّل الإثنين (الذكر والأنثى) المسؤولية نفسها.
من قال بأن على النساء الحداد؟
“أذكر أنني كنت ممنوعة من اللعب في الحديقة لأنني بلغت سن البلوغ. لكنهم لم يمنعوا أصدقائي الصبية. ” أنا فتاة محجبة تبلغ من العمر 27 ولم يمنعني أحد من اللعب حتى الآن، لست بصدد تحويل حالتي إلى قاعدة، لكن بالمقابل ليس من الإنصاف تحويل الإستثناء إلى قاعدة. فالصحيح أن الإستثناء يثبت بطلان القاعدة. كذلك ليس من الإنصاف تحميل الدين مسؤولية الفهم الخاطئ لدى كثيرين. وهذا ما ينطبق أيضاً على إرتداء السواد الذي لم يفرضه الدين الإسلامي بتاتاً على المرأة. إسمحي لي بمحبة أن أقول لكِ إن البيئة التي تربيتِ فيها لديها إلتباس، ولم تفهم روح وجوهر الإسلام بعد، لا زال الإسلام غريباً في كثير من المجتمعات التي تدّعي إعتناقها أو تطبيقها الإسلام، فشرائعه شيء وما يطبق شيء آخر. والدين الإسلامي بريء من إدعاءات الكثرين.
” البعض يوزّع كتاباً دينياً بعنوان «إغراءات المرأة». شعرها وقدماها. لكن على المرأة ايضًا «أن تخفي عيناً واحدة، لأن العينين تشكّلان إغراء». أقسم أنني قرأت ذلك في أحد الكتب.” نعم، أوافقك الرأي، هناك العديد من الكتب التي تحارب الدين بإسم الدين، هي تمارس هنا ما يسمى بديماغوجية الدين، فبعد أن أفرغت الإسلام من مضامينه الجوهرية بادرت إلى صرف الناس إلى بدع إبتدعتها، تخيف وتنفّر قلوب الناس من الدين من جهة، وتخدّر بها عقول كثيرين لصرفهم عن تحمّل مسؤولياتهم في المجتمع والسياسة من جهة أخرى.
“انا الان في بلد غربي. نساء تمرّ من حولي. إحداهن، ترتدي سروالا، أخرى ترتدي تنورة قصيرة، وغيرها ترتدي «الشورت». غريب. لا أحد ينظر اليهن”. بالفعل، ولكنك لم تتطرقي هنا إلى الحديث عن نسبة اللواط في هذه البلاد، بإمكانك تخيّل نسبة الشذوذ الجنسي والتحرّش بالحيوانات؟ فأن لا تنظر إلى شخص لأنه لا يجذبك أو لا يثيرك شيئ،، وأن لا تنظر إليه لأنه بات عادياً بل زهدت فيه ووجدت البديل عنه شيء آخر. على أن لا نغفل هنا ظاهرة إجتماعية أخرى متقاقمة أيضاً في الغرب: إرتفاع معدلات التحرش الجنسي بالفتيات وصولاً إلى الإغتصاب. وفي هذا السياق نشر في فرنسا مؤخراً تقرير عن التحرش بالفتيات، هذا الرابط إن أحببتِ مشاهدته وتكوين فكرة غير مجتزأة : Harcèlement de rue : une vidéo libère la parole
http://www.liberation.fr/societe/2012/08/01/harcelement-de-rue-une-video-libere-la-parole_837020
ختاماً، لو لم يكن لي هدف من مقالي هذا سوى الرد على التساؤلات الواردة في المقال المنشور في تلك الصحيفة، لكان لي مع الحجاب حديث آخر، حديث الروح الذي قد يعجز عن تذوّقه كثيرين. من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن العديد من الكتابات الصحفيّة باتت تسعى، إلى إبهار الجمهور بالإستنتاج السليم الذي ولو عن غير قصد، يكون مرتكزاًعلى حجّة باطلة. لذا ثمة ضرورة تفرض إعادة النظر بما بنيت عليه الحجج. للحكم على فكرة ينبغي النظر إلى: صدق الوقائع وصحة الحجة أو النتيجة. كما تجدر الإشارة إلى رواج ظاهرة المغالاة والمبالغة أيضاً، والتي باتت أحد مكونات وجبات صحف اليوم.
ملاجظة: بعد إمتناع الصحيفة (التي نشرت المقال الذي قمنا بالتعليق عليه فيما سبق) عن نشر التعليقات التي أرسلناها قامت اليوم بتعديل مقالها وعنوانه، من خلال إستبدال كلمة “الحجاب” بـ”النقاب”. علماً أن الكثير من المعاني ضمن النص لم يصار إلى تعديلها. فالعديد من الملاحظات التي أرسلناها لهم كانت على المعاني لا على الكلمات. كما تجدر الإشارة إلى أن الصورة المرفقة للمقال تظهر وكأن المرأة المحجبة تعاني الأسر والعبودية، وعند تخليها، على مراحل، عن حجابها تبدأ بالتحرر. و يجدر التنويه إلى أنني لم أكتب ما سبق بصفتي متخصصة بالشؤون الدينية، بل هو عبارة عن رد عفوي بصفتي فتاة محجّبة، وبالتالي ينقص المقال العديد من الإضافات التي نرحّب بكتابتها في الخانة المخصصة للتعليقات.