آن الأوان لإنهاء العقوبات الأمريكية على سورية
صحيفة البعث السورية-
سمر سامي السمارة:
سلّط الزلزال المروّع الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 شباط الحالي، الضوء على شناعة العقوبات الاقتصادية واسعة النطاق، التي فرضتها الولايات المتحدة على دول تعتبرها الإدارة الأمريكية “معادية” لسياساتها.
لقد أنفقت الولايات المتحدة، التي سعت جاهدة “لتغيّر الحكم” في سورية وتدمير البلاد مليارات الدولارات لتسليح الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تدّعي الولايات المتحدة وحلفاؤها أنها أتت للقضاء عليها!.
زادت الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات اقتصادية وحشية ضد سورية من معاناة ملايين السوريين الذين كانوا ولازالوا يعانون من حرب بالوكالة منذ أكثر من 12 عاماً، فضلاً عن ذلك، يواصل الجيش الأمريكي وحلفاؤه احتلال مساحات واسعة من الأراضي السورية في الشرق والجنوب ونهب الثروات، مما يحرم السوريين من الوصول إلى موارد النفط والقمح بالغة الأهمية.
هذا ولاتزال العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا بشكل غير قانوني، تواصل احتلال جزء كبير من شمال سورية، فضلاً عن أنها تحمي المنطقة التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، شمال غربي محافظة إدلب.
وبوقاحتها المعهودة، تزعم الولايات المتحدة، أنها فرضت العقوبات لـ”دعم” الشعب السوري، وهو أمر مثير للسخرية، حيث زادت تلك العقوبات من مآسي الملايين في سورية.
لقد بات من الواضح أن سياسة الولايات المتحدة العلنية تهدف إلى منع أي إعادة إعمار في سورية، ما يعني أنه لا علاقة لهذه السياسة بـ”الديمقراطية” التي تدّعيها، بل لأن سورية تعارض وتقاوم الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتقاوم محاولات “إسرائيل” للسيطرة على المنطقة.
كشفت الأحداث الأخيرة عن كذب وادّعاءات الولايات المتحدة، بأن المساعدات الإنسانية إلى سورية كانت معفاة من العقوبات الأمريكية طوال الوقت، فلم تعلن الولايات المتحدة عن رفع العقوبات جزئياً ولمدة محدّدة عن سورية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية العاجلة كالغذاء والدواء إلى البلاد دون الخوف من ردة الفعل الأمريكية، إلا بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد. فقبل ذلك، واجهت الدول والمنظمات الراغبة في تقديم الإغاثة الإنسانية للسوريين، مهمة عسيرة لمحاولة الحصول على تراخيص من وزارة الخارجية الأمريكية، والتي كانت مكلفة وغير مؤكدة وتستغرق وقتاً طويلاً.
وفي هذا السياق، كانت معظم البنوك الدولية ترفض السماح بإجراء معاملات متعلقة بسورية خوفاً من العقوبات الأمريكية، حتى تلك المتعلقة بالأغراض الإنسانية.
وحتى قبل الزلزال، كان للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة أثر شديد على المواطنين السوريين، فوفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، يؤثر انعدام الأمن الغذائي على ما لا يقلّ عن 12 مليون شخص في سورية، حيث يعيش ما يقدّر بنحو 90٪ من السكان الآن حالة فقر شديدة. بالإضافة إلى ذلك، تضرّر نظام الرعاية الصحية العام في سورية، والذي كان في يوم من الأيام مؤمناً بأرخص الأسعار وفي كثير من الحالات مجانياً، وهو الآن في حالة تراجع كبيرة، حيث لا يمكن تأمين معدات التشخيص، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، كما أن أجهزة التصوير المقطعي المحوسب معطلة، أو مفقود منها أجزاء حيوية، كما أنه لا توجد أجهزة تهوية ومعدات طبية. بالإضافة إلى نقص في أجهزة التنظير والقثطرة القلبية والدعامات التاجية، إلى جانب مرافق غسيل الكلى، وكلّ لك بسبب العقوبات المفروضة على سورية.
كما تتأثر المعدات والأدوية الأساسية بالعقوبات من حيث التوريد والتصنيع والاستيراد، حيث ترفض البنوك فتح ائتمان لاستيراد المعدات والأجهزة الطبية، التي يحتاجها القطاع الطبي وسط مخاوف من أن العقوبات قد تؤثر على أعمالها.
أصبحت الآن، الأدوية والعلاجات الحيوية التي كانت مجانية في سورية، غير متوفرة أو أن أسعارها مرتفعة جداً بالنسبة لمعظم الناس، وقد جاء الزلزال الأخير ليهدّد بالقضاء كلياً على نظام طبي كان ضعيفاً بالفعل بسبب سنوات من العقوبات الأمريكية.
إن ادّعاء الولايات المتحدة، بأن معاقبة سورية لها علاقة بالترويج للديمقراطية هو ادعاء زائف بشكل واضح، حيث عمل حلفاء الولايات المتحدة، ومن بينهم تركيا على زعزعة استقرار سورية. وعلى الرغم من أن العقوبات الجائرة على سورية حرمت ملايين السوريين من أبسط مقومات الحياة، إلا أن الولايات المتحدة تواصل فرض عقوبات اقتصادية أحادية الجانب على العديد من الدول الأخرى، مصحوبة بتدخلات عسكرية متكررة مباشرة أو غير مباشرة.
ولطالما كانت العقوبات الاقتصادية هي السياسة الأمريكية المتعثرة في جميع أنحاء العالم، مثل كوبا وإيران وفنزويلا وروسيا، بالإضافة إلى فرض عقوبات على أشخاص أو كيانات في اثنتي عشرة دولة أو أكثر. لكن هذه العقوبات الأمريكية هي الأكثر مكراً، بسبب مركزية الدولار والمؤسّسات المالية الأمريكية في الاقتصاد العالمي، والتي تسمح لواشنطن بتهديد وترهيب دول الأطراف الأخرى في تعاملاتها التجارية مع الدول المستهدفة، حتى لو لم تكن هذه الدول نفسها عرضة للعقوبات.
لقد أظهر التاريخ عدم جدوى وفعالية العقوبات في تعزيز “الديمقراطية” أو محاولة إسقاط الحكومات المنتخبة شرعياً. وبدلاً من ذلك، أصبحت هذه العقوبات شكلاً من أشكال العقاب الجماعي ضد السكان الذين يقيمون في بلدان لا تخضع حكوماتها لمصالح الولايات المتحدة.
ومن المؤكد، أن الدول التي خضعت للعقوبات الأمريكية، ومنها كوبا على سبيل المثال، لا تزال صامدة وقوية، حتى بعد 60 عاماً من العقوبات الأمريكية، كما تحافظ الحكومة الفنزويلية على شرعيتها… إلخ.
لقد تجلّت ساديّة العقوبات الاقتصادية الأمريكية بشكل واضح، عندما فرضت حصاراً شبه كامل على العراق بعد حرب الخليج الأولى في تسعينيات القرن الماضي، حيث ردّت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في إدارة كلينتون ببساطة ووحشية، على إحصاءات الأمم المتحدة التي أظهرت أن 500 ألف طفل عراقي قد لقوا حتفهم نتيجة العقوبات الأمريكية، بأن “الأمر يستحق ذلك”!.
لا تنجح العقوبات، كما هو مخطّط لها، إلا إذا كانت بمثابة تحذير للأشخاص في البلدان التي من المحتمل أن تستهدفها الولايات المتحدة في المستقبل. وخلاف ذلك ما هي إلا مجرد وسيلة ضغط بصبغة سياسية، فحتى لو كانت العقوبات تستهدف ظاهرياً الجهات الحكومية “السيئة” بحسب زعم الإدارة الأمريكية، فإن الناس الأبرياء في بلدانهم هم الذين يعانون ويموتون جراء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة.
في الحقيقة، إن عدد الملايين الذين سيقعون ضحية هذه العقوبات اللا أخلاقية، هو أمر متروك للضمير الإنساني في جميع أنحاء العالم.