آل سعود.. الحقد المقدس على لبنان
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
ورق تواليت، هكذا اختار أحد أبواق آل سعود أن يرد على موقف الوزير اللبناني، والإعلامي الشهير جورج قرداحي، من حرب السعودية العدوانية على اليمن، مضيفًا إلى فشل سيده ابن سلمان العسكري السقوط الأخلاقي المروع لكتيبة الأقلام المسمومة، التي لا ترى سوى الريالات ولا تقوم سوى بخدمة أنبوبها الممتد من خزائن المملكة إلى جيوبهم وكروشهم.
في هذه الحرب الجديدة، التي أشعلها آل سعود، ضد شخص واحد، فشلت الأموال، وسقط الإعلام، وخابت التهديدات، وحتى الحشد الخليجي الرسمي عجز عن الحصول على خط رجعة من لبنان الرسمي، يمكن تسويقه على أنه انتصار سياسي للسعودية، لا يزال الوزير اللبناني قرداحي متمسكا بموقعه، في كرامة، ولا تزال أغلب مكونات لبنان ترى في إقالته إهانة وطنية للجميع، وليس للوزارة المؤقتة فقط.
لكن صحيفة “عكاظ” السعودية أطلقت النار فجأة على دولة عربية بكاملها، رفضت أن ترضخ أو تنحني للإرادة السامية لأرباب البترودولار السعودي، بل ووصل التحدي إلى ذروته بحملات التضامن العربي الواسع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ضد الحرب في اليمن، وضد العائلة السعودية، التي لم تضف للتاريخ العربي سوى الخيانة والدماء والموت.
الغريب أن الوصف الذي اختارته الصحيفة السعودية هو أقرب كثيرًا لعائلة آل سعود من لبنان، بل يكاد يكون الأكثر انطباقًا على دولة نشأت ونمت بالرعاية البريطانية، قبل سنوات قليلة من إنشاء الكيان الآخر الموازي لها على أرض فلسطين، لتكونا جزءاً من الخطط البريطانية لمرحلة ما قبل الانسحاب من الشرق الأوسط، وتستكملا أدوارهما المتكاملة في استنزاف العالمين العربي والإسلامي، بالحروب والمؤامرات التي لا تتوقف.
منذ إنشاء مملكة آل سعود، بضم مساحات هائلة من فضاء شبه الجزيرة العربية، اجتهد الملك المفوض من قبل بريطانيا، في توسيع ملكه بضم الحجاز خصوصًا، بثقله الديني والحضار والتاريخي، ليضمن ما يمكن اعتباره صلة بين القبيلة المستجدة والأماكن الإسلامية الأقدس على الإطلاق في مكة والمدينة المنورة، ويثبت ملكه الجديد، والطارئ، في قلوب وعقول مواطنيه.
لم يكن ملكهم المفوض يأتي بجديد حين حرص على تثبيت دعائم ملكه استنادًا إلى حقائق راسخة تعوّض القفز على مسرح الحوادث من المجهول، ذلك أنه، ومنذ العصور القديمة جدًا، حرصت الجماعات البشرية على صناعة تاريخ جماعي لها، وحتى خلق أساطيرها الخاصة جدًا، تستكمل بها رسم حدود قوتها الموجودة، أو المتخيلة، وتضمن وجود الإطار الجمعي الحافظ للجماعة والحافز لها، وتحاول من خلاله ضمان المستقبل القريب، بناء على الزخم الذي حصدته، والأهم تكتب تاريخا جديدا للدولة وتميزها عن غيرها.
كان عبد العزيز يحاول أن يشتري بالبنادق البريطانية صفحات من الماضي يلصقها بعائلته، ولا تزال الأسرة تحاول شراء كل ما يمكنها الحصول عليه من جيرانها، لدولة قامت ضد التاريخ وبمخاصمة الجغرافيا في الجزيرة العربية، فحصد آل سعود جيزان ونجران من اليمن، واستولوا على جزيرتي تيران وصنافير من النظام المصري الأضعف، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
لعبت العائلة السعودية – فعلًا وقولًا – دور ورق التواليت للبريطاني قديمًا، ثم الأميركي عقب الحرب العالمية الثانية، وللصهيوني في كل الأوقات، سعيًا للفوز بالرضا الغربي عن طريق ربط وجودها بالإرادة الصهيونية في البقاء والتوسع، ولطالما مارست دورها الخفي في خدمة الكيان وضد المصالح العربية، حتى في ساحات القتال.
وحتى حين جاءت لحظة الحقيقة، وتوحدت الأمة العربية كلها في لحظة نادرة، في تلك الأيام البعيدة من شهر حزيران/ يونيو 1967، ضد الحشود الصهيونية ضد سوريا، لعبت العائلة السعودية بقيادة فيصل بن عبد العزيز، أقذر أدوارها على الإطلاق في التاريخ العربي الحديث، بالاتفاق والتحريض مع السيد الأميركي والصديق الصهيوني، سعيًا لكسر شوكة حركة القومية العربية الصاعدة، آنذاك.
الاتفاق السعودي مع الصهاينة ظل معروفًا لكن في باب المؤامرة غير المثبتة، حتى جاء الرئيس اليمني الأسبق على عبد الله صالح في 2017، والذي لعب طويلًا على الحبال السعودية، بمفاجأة نشر خطاب رسمي من فيصل إلى ليندون جونسون، رئيس الولايات المتحدة خلال حرب 1967، وفيه من التحريض ما يملأ صفحات كتاب الخيانة لقرون كاملة.
النصوص، وإن كان بعضها قد نشر سابقًا، إلا أن كون رئيس عربي تولى نشرها في ظل تصاعد الضغوط السعودية عليه، ثم الحديث الفارق لولي العهد السعودي الحالي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وتأكيده على أن المملكة قد حاربت السوفيات وجمال عبد الناصر إرضاء للحليف الأميركي لا تترك مجالًا للشك في مصداقيتها.
وكشف الخطاب الذي نشره صالح، قبل أسابيع من مقتله، عن تحريض سعودي هائل، مارس أقصى الضغوط للوصول إلى موقف أميركي يدعم عدوانًا صهيونيًا على مصر، لدفع عبد الناصر لإخراج قواته من اليمن تمهيدًا لتصفية حركة القومية العربية، ونزع التهديد الموجه لكل من المملكة والكيان.
الخطاب ولو كان من الماضي، فإنه أفضل ما يفسر به الواقع الحالي.
وطبقًا لما نشره صالح عبر موقع حزبه “المؤتمر” في 2017: قال فيصل: “من كل ما تقدَّم يا سيادة الرئيس، ومما عرضناه بإيجاز، يتبيَّن لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعًا، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء إعلاميا وعسكريا فلن يأتي عام 1970 كما قال الخبراء وعرشنا ومصالحنا المشتركة في الوجود”.
“وأريد أن تقوم أميركا بدعم هجوم “صهيوني” خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية، بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل وفي البلاد العربية ومن ثم بعدها، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية اقتداء بالقول (ارحموا شرير قوم ذل) وكذلك لاتقاء أصوات إعلامهم المكروهة”.
هكذا كانت العائلة السعودية الحاكمة تتصرف وتتآمر على الدماء العربية والأراضي العربية، وتمارس التأليب والحشد ضد كل من يمكن أن يسبب القلق لاستمرار الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، ثم تسارع لتزيل الأوساخ والدماء عن وجه الحليف الأميركي، كما حاول عبد الله بن عبد العزيز إعادة الكرة على لبنان فور اشتعال عدوان تموز 2006، واتهامه الصريح لحزب الله بالتسبب في الحرب العدوانية من قبل الكيان، والتي كانت مخاضًا لشرق أوسط جديد، وضع قواعده جورج بوش الابن، لكن خاب مسعاه أمام صمود لبنان وحزب الله.