وهذا ما تقوله 8 آذار!!
صحيفة الديار اللبنانية ـ
نبيه البرجي:
تركنا الليل لليّل، ولا شك انه كان ليلا طويلا من التأمل والتحليل، وقصدنا صبيحة امس احد كبار منظري قوى 8 اذار لاستيضاحه رأيه في ما اعلنه رئيس الجمهورية ميشال سليمان مساء، مع ان المعلومات، وبكل تفاصيلها، ربما باستثناء الرقم فقط، كانت قد تناهت الى بعض المرجعيات عشية القمة السعودية-الفرنسية في الرياض.
بادىء بدء لا بد من النوايا الحسنة، فالجيش الذي انهكته التجاذبات، والاضطرابات الداخلية، في ظل اوضاع اقتصادية ومالية تتدهور اكثر فأكثر، بحاجة ماسة الى من يمد له يد العون للحصول على اعتدة حديثة ولتطوير امكاناته وقدراته الميدانية في منطقة اظهرت فعلا، وكما قال هيرودوت منذ خمسة وعشرين قرناً، انها على خط الزلازل…
ولا ريب ان مساعدة بقيمة 3 مليارات دولارات، وبأسلحة فرنسية، هي اقرب الى الخيال منها الى الواقع. وهنا يسأل المنظر اياه عن الثمن، فلطالما اعانت او اغاثت المملكة العربية السعودية لبنان في الاوقات الصعبة، وصولا الى المشاركة الكبيرة في اعادة اعمار ما دمرته الحرب الاسرائيلية في صيف عام 2006، ولكن ان يأتي ذلك نتيجة لجهود ومساعي رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فهنا السؤال، خصوصا وانه في المائة يوم الاخيرة التي تسبق بدء المهلة الدستورية لانتخاب الخلف.
يقول المنظّر، وهو قطب ايضا في قوى 8 اذار، انه في ذروة الحقبة الحريرية، وعندما واجه لبنان ازمة مالية واقتصادية، لم يتمكن الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، وبالرغم من مكانته في البلاط الملكي، من الاستحصال على اكثر من وديعة مصرفية بين النصف مليار و المليار دولار…
ما الذي حصل حتى قفزت المساعدة، وللجيش وحده، الى ذلك الرقم (الهائل)؟ وهل حقا انها قناعة السعوديين والفرنسيين بأن الجيش هو ما تبقى من الدولة اللبنانية، وانه هو من يضمن بقاءها. الذي حصل او سيحصل هو شراء بقاء الدولة في لبنان، وهي اختراع فرنسي، بذلك المبلغ؟
ولندع القطب اياه يستطرد، فهو يعتبر ان تفعيل المؤسسة العسكرية في لبنان نظرية فرنسية قديمة، ومنذ عهد الرئيس جاك شيراك.
واذا كان الرئيس نيكولا ساركوزي قد انتهج اسلوب القطيعة مع كل التراث السياسي لسلفه، فإن التقاطع الاستراتيجي( بالاحرى تقاطع المصالح) بين الرياض وباريس اعاد احياء تلك النظرية، ودون اي اعتبار لحساسية البنية السياسية والمذهبية في لبنان…
بطبيعة الحال، الظروف تغيّرت كثيرا، والاهداف ايضا بعدما اندلعت النيران في المسرح السوري بل و اهتز المسرح الشرق اوسطي بأكمله..
والثابت ان المملكة العربية السعودية عاقدة العزم، وبأي ثمن، على تقويض النظام السوري. ولهذا الاتجاه خلفياته وآفاقه الكبيرة والمعقدة في آن، فيما فرنسا المنهكة اقتصاديا، والمنهكة تاريخيا، وحتى المنهكة اخلاقيا، تريد تعويم نفسها وبأي ثمن ايضا. اللحظة السعودية بالنسبة اليها هي لحظة المعجزة، خصوصا عندما تكون في الاليزيه شخصية باهتة، ومرتبكة، الى ذلك الحد.
والذي ساعد على الوصول الى هذا الوضع هو الاستياء السعودي العاصف من التفاهم الايراني- الاميركي ( بالدرجة الاولى)، دون ان يعني هذا، بأي حال، التخلي عن المظلة الاميركية، كواقع استراتيجي بعيد المدى. ولكن على المستوى التكتيكي، او المرحلي، لا بدمن حلفاء اكثر قابلية للمجازفة ان لاسباب اقتصادية ضاغطة جدا او بحثا عن دور عندما يكثر الحديث عن تغيير دراماتيكي في قواعد اللعبة وحتى في اسس النظام العالمي.
في نظر المنظّر ان المبادرة الخاصة بمساعدة الجيش اللبناني لا يمكن ان تكون بمنأى عن ذلك التقاطع، وهي ذات اغراض سياسية على الصعيد اللبناني( وفي اطار السيناريو العام لمفاعيل التقاطع) ان في ما يتعلق بالصيغة الحكومية او في ما يتعلق برئاسة الجمهورية وبعدما بدا السفير الفرنسي شديد الوضوح عندما قال صراحة انه مع التمديد للرئيس ميشال سليمان.
وهو يرى ان التوقيت جاء في ظروف بالغة الحساسية وبالغة التعقيد، اذ كان واضحا من كلمة الرئيس فؤاد السنيورة خلال تشييع الوزير السابق محمد شطح ان ثمة تصعيدا على الارض، ويمكن ان يكون بتغطية وبايعاز من الخارج، وتحديدا ضد « حزب الله»، مع استخدام كل الاوراق بما فيها اوراق المخيمات.
وفي نظر المنظّر ايضا ان الرئيس سليمان، وبعدما تعاطى مع اعلان بعبدا كنص مقدس ,اذا به يقرر، وفي الهزيع الاخير من الولاية، الالتحاق المدوي بأحد محوري الصراع الاقليمي و الدولي والذي يأخذ مداه على الارض السورية.
وهنا يقول ان لهذه الخطوة مفاعيلها الخطيرة، بل و الخطيرة جدا، متوجسا من ان تتكرر المقاربة الهيستيرية للازمة السورية في لبنان. وهنا المدخل الى الكارثة وبما تعنيه الكلمة..
هذا بعد ليل من التأمل والتحليل. لكن كل المؤشرات تؤكد ان ثمة قرارا ما اتخذ في شأن لبنان، فمن تراه يعتبر ان اغتيال الوزير شطح، وفي هذا الوقت بالذات، لا يرتبط بالمسار الذي «يفترض» ان تأخذه التطورات. كم يتمنى المرء لو يكون مخطئا في هذه الرؤية السوداوية، وربما اليائسة، للامور.