وماذا بعد حمص!
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
هل نقول تعالوا لنغني لمدينة حمص في يوم تنظيفها من الارهاب .. حتى كتابة هذه السطور نرجو ان يكون الغد عيدا حمصيا تعود فيه النكتة الحمصية الى جمالية ادارتها للفكهنة، خصوصا وأن هذه المحافظة الواسعة الارجاء التي تساوي تقريبا اربع مرات مساحة لبنان، سيكون لها عودة الى عهدها الذي يربط محافظات سوريا بعضها ببعض، بل يبدو ان هذه المحافظة بمدينتها التاريخية حمص، تشكل واسطة العقد السوري الذي يتجمل بوجودها ويتحلى بروعة إقامتها في القلب منه.
سأظل اذكر تلك الأيام التي أمضيتها فيها ابان حرب الـ 33 يوما بين اسرائيل وحزب الله .. كان الوقت صيفا كما نعرف، لكن شمسها لم تكن حارة كما تعودناها في اماكن أخرى .. كان المقهى من اليوميات المعتادة، ففيه التلفزيونات المتعددة وفيه ايضا الحوارات التي كنا نجريها بناء على المعطيات الميدانية آنذاك، وكان الحضور من الصف الاول، من مثقفي سورية المعروفين، بل من المختصين في علوم السياسة ومشتقاتها.
اذكر التصفيق المتكرر اليومي كلما قيل عن صمود حزب الله في تلك الحرب .. لو ان الدولة السورية أعلنت النفير في سوريا لوقفت حمص في الصف الاول ولكان أهاليها أول من يتمنون الذهاب الى حيث كان يقاتل الحزب اللبناني.
حماس منقطع النظير، والأهم من كل ذلك ان الكثير من الفنادق رفعت على أبوابها يافطات تقول إنها تستقبل اللبنانيين مجانا، وهكذا فعل الفندق الذي كنا ننزل فيه، بل انه اضاف الطعام حيث كانت وجبة الظهر والمساء ساخنة ومجانية ايضا.
في تلك المدينة الجميلة المرتبة كان اللبناني مميزا فيها .. ما أن تعرف عن انتمائك هذا حتى تنهال أجمل العبارات عليك، فاذا كنت تشتري قميصا سيؤكد صاحب المحل انه بالمجان، واذا ما اضطررت للدفع فبأمان بخسة .. واذا ما دخلت مطعما لتأكل وعرفك من لهجتك انك لست سوريا، فستنهال الأطايب عليك وعند الدفع لن يسمح لك بمد يدك الى جيبك، سيقولون لك هذا أبسط ما نقدمه لشعب لبنان في حربه ضد العدو.
هكذا هي حمص، بل كل سوريا .. ألم يقل الشاعر سعيد عقل في إحدى أغنيات فيروز ” ظمأ الشرق فيا شام اسكبي” .. وطن ليس غيره من يروي ظمأ الحياة سواء في فهمها المادي أو في أشكالها المعنوية .. أليست من يصنع أحلى الحلو، كأنها ولدت من السُكّر، وجبلت بماء الحياة، وعجنت برحيق الزهور.
يتواضع السوريون كثيرا في الدلالة على بلدهم، لكن من عرفها سيشكر الباري على نعمة خيار العيش فيها ان طاب له ذلك.
سنغني لحمص وننشد، فأجمل الكلمات تخبأ ليوم مشهود، لعله جاء، واما الكلمات المكتوبة بدمع العين، سيكون مطرحها كل مدينة سوريا عادت الى حضن الوطن .. هو وقت نراه قريبا وأن يراه البعض بعيدا .. ليس حلما، انظروا خارطة سوريا تعرفون أين كنا وأين نحن الآن وأين سنكون.
حمص يتم تنظيفها، وعندما تنتصر مدينتها وكل محافظتها، يشعر كل سوري أنه ماض إلى خير الأيام، فليس كتلك المدينة ما تؤدي المعنى الذي تعنيه .. فاليوم سقطت شتى الظنون بتقسيم سوريا او تغيير خارطتها. وغدا نذهب في كل اتجاهات الوطن السوري، فعودة حمص وكل محافظتها له أكثر من معنى وسنرى. وأما السؤال الأكثر الحاحا الآن، فماذ بعد حمص!