واشنطن والحرب بالسلاح النووي
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
شهد عالمنا خلال القرن الماضي حربين عالميتين الأولى بين عامي 1914- 1918 والثانية بين عامي 1939- 1945، وقد أنهتها الولايات المتحدة بشن ضربة بقنبلتين نوويتين على اليابان، وكان الفرق الزمني بين الحربين 19سنة، ثم شهد العالم حرباً باردة بين أكبر كتلتين عالميتين، الاتحاد السوفييتي من جهة والولايات المتحدة ومعها الحلف الأطلسي من الجهة الأخرى، وساد في الحرب الباردة بين الطرفين وحلفاء كل منهما وضعاً يشبه «اللاحرب واللا سلام» واقتصرت الحروب في تلك الفترة على مناطق إقليمية بتدخل كل كتلة منهما فيها عن بعد، ومن دون صدام عسكري مباشر طوال أربعين سنة، إلى أن انهارت كتلة الاتحاد السوفييتي وتحولت أميركا إلى قوة القطب الواحد في الساحة العالمية منذ عام 1991، ودامت هذه الأحادية القطبية 31 عاماً تمكنت في أثنائها كل من روسيا والصين بقوة الإرادة والعزيمة وتطور القدرات العسكرية والاقتصادية من فرض دورهما واستحقاقاته السياسية على الساحة العالمية والإقليمية والاقتصادية، فشكل هذا التطور بداية زلزال هدد بخطورته الامبريالية الأميركية وحلفها الأطلسي، وعرض مصالحها الاستغلالية التاريخية لأخطار إستراتيجية لم تعهدها في العقود الماضية، وفي ظل هذا الوضع بدأت تظهر أسباب متزايدة لاحتمال وقوع صدام عسكري مباشر ضد روسيا في أوكرانيا، وضد الصين في تايوان، نتيجة لتمسك الولايات المتحدة بسياسة الهيمنة والتسلط على العالم ومصادر ثرواته واستعباد شعوبه.
كانت قناة الأخبار الأميركية «سي بي إس نيوز» قد نشرت في 21 تشرين الأول الجاري نبأ من رومانيا كشفت فيه أن «وحدات من الفرقة 101 الأميركية المحمولة جواً، تم نشرها في أوروبا على حدود رومانيا، بعد زيادة التوتر بين واشنطن وروسيا لأول مرة منذ 80 عاماً في منطقة رومانية لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن حدود أوكرانيا، وبهدف مقاتلة الروس في أوكرانيا نفسها»، وتضيف القناة الأميركية إن «هذه الوحدات تعد من مشاة الجيش الأميركي ويطلق عليها اسم «النسور الصفرة» وتختص بسرعة التحرك والانخراط بالمعارك».
وحول هذا الاحتمال يقول البروفيسور الأميركي وعميد كلية سابقاً ومؤسس «شبكة العمل السلمي» في الولايات المتحدة براد وولف في تحليل نشره في مجلة «أنتي وور» الأميركية في 26 تشرين الأول الجاري إن «وجود هذه الوحدات على هذا البعد، يعني أن واشنطن والأطلسي يعدانها للقتال ضد الروس في الأراضي الأوكرانية، إذا ما دخلت إليها، وهذا ما سيعد تصعيداً قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة».
ويضيف وولف: «هذا يعني أننا نعيش الآن في زمن تكتب فيه مقالات الرأي عن نفسها من دون حاجة لصحفيين يكتبون عنها، ويعبر هذا الوضع عن مفارقات وازدواجية وجنون صناع الحرب الأميركيين ويسير هذا الوضع في دربه نحو الحرب العالمية الثالثة، فلا حاجة للكتاب للتحذير من الأسوأ الذي ينتظرنا لأنه بدأ يحدث فليساعدنا اللـه عليه مع أنه من الممكن أن نغير هذا المسار بشكل مختلف».
اللافت في تاريخ الحرب العالمية الثانية أن الولايات المتحدة صممت على إنهائها باستخدام قنبلتين نوويتين ضد اليابان، ولم يكن في ميزان القوى بين الولايات المتحدة والحلفاء وبين اليابان في تلك الحرب بعد هزيمة ألمانيا النازية وإيطاليا في أوروبا، أي سبب يدعو إلى عدم حسم الحرب مع اليابان بالأسلحة التقليدية وانتصار الحلفاء فيها من دون أدنى حاجة لاستخدام السلاح النووي في شهر آب عام 1945 وخاصة بعد أن انتهت الحرب في أوروبا ومعظم الساحة الآسيوية، لكن واشنطن كانت تتطلع من وراء ذلك إلى إرهاب الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، بصفتها أول دولة تمتلك السلاح النووي وتستخدمه أيضاً بوحشية غير مسبوقة في تاريخ البشرية وحروبها لردع الآخرين.
ويبدو أن التاريخ يعيد سجله بطريقة أخرى أميركية أيضاً، فواشنطن والحلف الأطلسي يحاولان الآن بالسير نحو الحرب النووية ليس في نهايتها كما جرى ضد اليابان ولكن في بدايتها لأن روسيا والصين دولتان نوويتان وتعد واشنطن أن حربها في أوكرانيا ضد روسيا قد تصبح أول حروبها العالمية التي ستهزم فيها وتفقد معظم مصالحها الامبريالية إذا فرضت موسكو وبكين نظاماً عالمياً متعدد أقطاب القوى، وإنهاء نظام القطب الواحد الأميركي، وهذا ما يتوقعه الكثيرون حتى في أوروبا والولايات المتحدة نفسها.