واشنطن تُنفّذ انعطافتها: طائف سوري
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
جوني منيّر:
بعد طول تردّد حسمت الولايات المتحدة الأميركية خيارها وأدارت محرّكاتها باتجاه تحقيق التسوية السياسية في سوريا، فيما يشبه ترجيح وجهة نظر الأمنيين على السياسيين والدبلوماسيين الذين كانوا يراهنون على الحسم العسكري. فأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب اجتماعه بنظيره الأميركي، الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا.
لا بل أكثر فإنّ التبدل الأميركي الحاسم كانت بشائره قد وصلت إلى الدول الخليجية، وهو ما دفع قطر الدولة التي شكلت رأس حربة الهجوم على النظام السوري، ومن خلاله على النفوذ الإيراني، إلى طلب موعد لرئيس وزرائها لزيارة طهران.
وقبل ذلك زار الموفد الشخصي للرئيس الروسي إلى المنطقة الدبلوماسي الخبير ميخائيل بوغدانوف لبنان في جولة موسعة شملت جهات سياسية كثيرة، قبل أن تختتم بلقاء مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. وبدا للذين التقوا موفد بوتين أن الزيارة لا تحمل مهمة واضحة سوى استطلاع الآراء وترداد العناوين المعروفة، وهذا ما دفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن الهدف الفعلي ربما كان اللقاء مع السيد نصرالله، إذ كان بوغدانوف معظم الوقت مستمعاً إلى أمين عام حزب الله العائد لتوه من طهران، حول الموقف من الأوضاع اللبنانية والتداخلات مع الأحداث العسكرية في سوريا والتأثيرات الإقليمية وسط المشاريع المطروحة. وتردّد أن الموفد الروسي سمع ما كان يريد أن يسمعه قبل أن يقفل عائداً إلى بلاده.
لكنّ الضربة الجوية الإسرائيلية التي حصلت بعد أيام، بدت للوهلة الأولى وكأنها لحن شاذ في سمفونية التسوية السلمية، ليعود ويظهر لاحقاً أنها تهدف لفصل الخيوط المتشابكة وربما للتمهيد لاقتراح المؤتمر الدولي الذي جرى الإعلان عنه بعد أيام قليلة في لقاء كيري- لافروف في موسكو.
وعلى رغم التكتم الذي ما يزال يحيط بحقيقة الهدف الذي استهدفته إسرائيل في جبل قاسيون، فإنّ المعلومات الشحيحة التي تسربت تحدثت عن استهداف مخزن للصواريخ المتطورة والقادرة على الوصول إلى صحراء النقب وتحقيق إصابات دقيقة. وارتكزت هذه المعلومات على صور الأقمار الصناعية التي تعدّ أدلّة حاسمة.
وصحيح أن جميع الأطراف المعنية بالضربة (سوريا، إيران، إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية) تعمدت عدم الإفصاح عن حقيقة الهدف الذي جرى استهدافه كل لأسبابه الخاصة وتحاشياً للمواجهة الشاملة الممنوعة على الجميع، إلا أن ما لفت كان الكلام الصادر عن الرئيس الأميركي قبل أيام معدودة من الغارة، والذي أعلن فيه التزام واشنطن أمن إسرائيل وعدم السماح لأي طرف كان بتهديده.
ومن المنطقي عندها الاستنتاج بأن توقيت حصول الاعتداء الإسرائيلي قد يكون مناسباً أكثر فيما لو انطلقت مفاوضات التسوية لاحقاً برعاية دولية.
لكن هنالك من يورد هدفاً إضافياً لواشنطن ويتعلق باختبار قدرات الدفاع الجوي السوري والتي جرى تحديثها بمساعدة روسية، إذ كان رئيس هيئة قيادة الأركان الأميركية مارتن ديمبس قد اعتبر أن الدفاع الجوي السوري يشكل عامل إعاقة أساسياً أمام أي تدخل أميركي للسيطرة على الأسلحة الكيميائية السورية، كما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقد تكون مسألة إبقاء السيطرة على هذا السلاح إحدى نقاط “المصالح المشتركة” لواشنطن وموسكو في سوريا كما ورد بعد لقاء كيري – لافروف، إضافة إلى نقاط أخرى تتعلق بعدم إطلاق يد إيران بالكامل في سوريا ومنع التنظيمات الإسلامية المتطرفة من إنشاء مناطق واسعة تحت سيطرتها المطلقة.
وتكشف المعلومات في هذا الإطار أن العاصمة الأميركية أرسلت برقية إلى سفارتها في لبنان تحمل طابع العاجل والسري، وتطلب فيها من فريقها الدبلوماسي القيام بالتحركات اللازمة مع السلطات اللبنانية لضمان عدم تسرّب أي نوع من أنواع الأسلحة الكيميائية إلى الأراضي اللبنانية، إن باتجاه حزب الله أو باتجاه التنظيمات الإسلامية المتطرفة والتي يتزايد حضورها بين شمال لبنان والمخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب. وتركز واشنطن على السبل لضبط الحدود اللبنانية – السورية بشكل يمنع من تسرّب هذه المواد لكن بدون إيجاد حلول جدية.
وما زاد من الخوف الغربي لهذه الناحية المعلومات حول استعمال جبهة النصرة للسلاح الكيميائي في حلب، والذي كان مصدره ليبيا، ما دفع واشنطن إلى الطلب من تركيا مساعدتها الميدانية لاكتشاف القنوات التي استخدمت لتهريب هذا السلاح واحتمال وجود المزيد منه.
كل هذا الوضع المعقد والمأزوم لعب لمصلحة ترجيح وجهة نظر الدوائر الأمنية الغربية على حساب وجهة نظر السياسيين، والقائلة بأن مصالح الغرب باتت مهددة فعلياً مع التطورات التي تشهدها الساحة السورية.
وجاء تهديد القاعدة في المغرب العربي والذي يعدّ أقوى فروع القاعدة مالياً وتنظيمياً للمصالح الفرنسية، ليزيد من الحاجة إلى الدخول في تسوية سياسية حول سوريا تمنع الوضع من الانزلاق أكثر ناحية الفوضى والجنون.
وبدا كلام وزير الخارجية الأميركي واضحاً في هذا المضمار، وهو ما يعني إعادة إحياء اتفاق جنيف وعلى أساس تسوية سياسية تؤدّي إلى “طائف سوري”، ويقوم على حكومة جديدة تضم وجوهاً من المعارضة التي ترتاح لها واشنطن، وعلى قاعدة إبقاء الحقائب الأمنية والعسكرية بيد النظام الحالي، ولكن وفق بروتوكول جديد ينظّم العلاقة بين الدولة والشعب من جهة، وبين الدولة والعواصم الغربية من جهة أخرى.
يبقى أن نشير إلى أن ألمانيا التي خالفت السياسة الفرنسية، كانت قد فتحت قناة اتصال مباشرة مع دمشق خلال الأسابيع الماضية لتكسر بذلك قرار مقاطعة النظام السوري ومحاصرته.