واشنطن تقوض خرافاتها
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
القرارات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدحرج كثيرا من المسلمات الخرافية التي أنشاتها الدعاية الأميركية حول صورة الولايات المتحدة ومكانتها العالمية وقد حطم الرئيس الأميركي الجديد وبسرعة قياسية الكثير منها بقرارات وتدابير وتصريحات تقوض ركائز ما حبكه الأميركيون من إيحاءات واكاذيب تسويقية طوال عقود عن طرق العيش في بلادهم ونظامها السياسي الاقتصادي بدافع تدعيم ركائز الهيمنة الأميركية على العالم.
يسقط ترامب خرافة “وطن المهاجرين” ركيزة ما سمي عالميا بالحلم الأميركي وهي خرافة غمست منذ انطلاقها بدماء السكان الأصليين ومن ثم بدموع وعذابات الأفارقة الذين استقدموا عبيدا لصالح المهاجرين البيض القادمين إلى “العالم الجديد” من المتمولين وقطاع الطرق واللصوص والقراصنة والهاربين والمغامرين الذين رسمت لهم صورة بناة الحضارة على المقابر الجماعية للهنود الحمر وحيث ما يزال قائما تمييز عنصري قاس ضد المواطنين من أصول أفريقية وأسبانية وعربية رغم التضحيات الكبيرة والجليلة التي بذلها مناضلو الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
“وطن المهاجرين ” يغلق بواباته في وجه ملايين الوافدين للعمل أو للتعليم أو للجوء بغض النظر عن الجنسية والدين وخلافا لما يوحي به البعض في منطقتنا فإن قرارات ترامب ضد الهجرة القادمة من المكسيك سبقت القيود على القادمين من بعض دول العالم الإسلامي على الرغم من التذرع الأميركي بمخاطر تسرب الإرهاب الذي اعترف الرئيس ترامب أصلا بدور اميركي واسع في استيلاده ودعمه وتقويته خلال حملته الانتخابية خصوصا عندما تحدث عن داعش ودور إدارة اوباما ولن يكتسب الرئيس مصداقية في مقاتلة الإرهاب ما لم يقدم تحقيقا شاملا للعالم ولشعوبه يكشف خفايا التورط الأميركي في استعمال الإرهاب التكفيري وتكوين شبكاته الدولية منذ حرب أفغانستان وهو على الأرجح لن يفعل.
اما تصريحات ترامب الموجهة ضد الصين والعولمة المالية والتجارية وتحت شعارات الحمائية الجمركية وتحصين الحدود فهي تنسف اطروحة العولمة الأميركية لصالح مفهومي الدولة القومية والسوق القومية وتسحق نظريات القرية الكونية وحرية انتقال البضائع والأفراد دون قيود التي فرضتها الولايات المتحدة عبر اتفاقيات اكرهت حكومات ودولا عديدة على توقيعها وعلى القبول بأحكامها على حساب سيادتها واستقلالها.
طبعا سيكون التحدي الاكبر والأشد تعقيدا لترامب وإدارته في هذا الملف الشائك فهو يواجه القوة الاقتصادية الأعظم التي تمثلها الصين وسيكون مجبرا على سلوك طرق التفاوض والمساومة واضعا في حسابه ما تحوزه الصين من اوراق قوة وما تحمله من سندات خزينة اميركية وبالتالي من فرص الردود الرادعة والمؤلمة على أي تدبير يؤذي المصالح الصينية في الولايات المتحدة وهي ضخمة.
اما حول العالم الإسلامي والإرهاب فإن تدابير ترامب خسرت ذريعتها المزعومة منذ صدورها عندما استثنت رعايا الدول التي شارك مواطنون منها في الهجمات الإرهابية كالمملكة السعودية ودولة قطر وهما شريكان للولايات المتحدة في رعاية الإرهاب التكفيري منذ أفغانستان إلى العراق وسورية وليبيا ومصر واليمن ويوغوسلافيا والهند والشيشان ومالي ونيجيريا وغيرها.
تركزت قرارات الحظر والمنع الأميركية على مواطني الدول التي تكفلت شعوبها بمقاومة ضارية للإرهاب الذي تدعمه الولايات المتحدة لإخضاعها وهذا ما ينطبق على سورية والعراق واليمن وليبيا وإيران التي تلعب دورا محوريا في التصدي للإرهاب على مستوى المنطقة والعالم وفي دعم الدول الوطنية والجيوش التي تقاتل الإرهاب التكفيري ويبدو ان الرئيس الأميركي أراد بضم رعايا إيران إلى المشمولين بقيود السفر وتدابير المنع أن يضم ورقة إضافية إلى ملفات التفاوض اللاحقة مع طهران حول مجموع العقوبات الباقية والتي سبق ان علق عليها خلال حملته بسؤال : ما هو المقابل لرفعها؟.
الارتباك والتخبط والتجريب سمات تلازم سلوك الرئيس الأميركي وتدابيره وهي تعبر عن عمق الأزمة الأميركية وعن تناقضات العولمة وانكساراتها كظاهرة تجتاح الغرب بأسره وعلينا توقع الكثير من هذه الظواهر التي تعبر عن مأزق الإمبراطورية الأميركية ونكساتها وليس فحسب عن مزاج الرئيس الجمهوري القادم من خارج المؤسسات التقليدية.