هندسة حروب أميركيّة جديدة لاستنزاف المنافسين وأهداف أبعد
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
استنزاف المنافسين الدوليين له أهدافه الجيو – سياسية والعسكرية والاقتصادية في آن معاً لأن هزيمة المتورطين تعني سقوط سمعة سلاحهم وتعثرهم الاقتصادي وتراجع الدولة المؤيدة لهم سياسياً.
بذلك يتفرّغ الأميركيون لشؤون العالم حاملين معهم القسم الأساسي من اصدقائهم الأوروبيين يجوبون سوياً الارض للسطو الاقتصادي والهيمنة السياسية.
يبدو اذاً ان ادارة بايدن الرئيس الأميركي الجديد اختارت العبث بعدة دول مع توريط اكبر قدر من الدول في إشكالاتها وذلك لمحورة قدر من خسائرها في بناها الاقتصادية ونفوذها السياسي والعسكري.
لا بد أولاً من الاشارة الى ان أميركا تهتم بروسيا والصين وإيران وسورية وفنزويلا وتعمل على توريطها بمسلسل حروب مباشرة او بالواسطة لاستنزافها ونقلها الى الصف الثاني في مواقع الدول في ميادين العالم.
لذلك، فالمشهد شديد الوضوح في افغانستان مثلاً التي غادرتها القوات الأميركية بعد عقدين من الاحتلال.
او في شرق سورية التي ينشر فيها الأميركيون قواتهم من جهة مع بعض مئات من الأوروبيين وقوات داعش وسرايا تركية من جهة أخرى، هذا بالاضافة الى ارهاب من منتحلي صفة معارضات تمولهم السعودية وبلدان خليجية اخرى وآخرين ترعاهم “إسرائيل” التي ترسل ايضاً مدربين الى تلك المنطقة. هذا بالاضافة الى المهاجمين في شرق الفرات الذين يريدون تحريره وهم روسيا وسورية وإيران وحزب الله.
هناك اذاً عشرات الدول والتنظيمات تتقاتل على بقعة أرض سورية لا حق حصرياً فيها الا لدولتها السورية التي تحارب على جبهات شرقية وغربية وحدودية.
يمكن هنا الاستنتاج أن شرق سورية هو محطة أساسية للاستنزاف الروسي – السوري وتوريط للتركي واستفادة من هذا التدخل الأوروبي وإمساك أميركي استخباري بمنظمات الارهاب الداعشية والقاعدة، حتى أن الأميركيين اصبحوا قادرين على توجيه هذه التنظيمات نحو الجهة التي تعنيهم أكثر من غيرهم.
أما المحور الآخر الذي يصرّ الأميركيون على توريط عدد كبير من الدول فهو عنوان حزب الله الذي يقحم “إسرائيل” وبعض البلدان الأوروبية وكامل القوى اللبنانية المرتبطة بهم وببكركي التي يقودها الكاردينال الراعي الذي يحلم بالعودة الى الانتداب الفرنسي 1920 في علاقة جديدة مع الأميركيين بخلفية فرنسية من دون اي اعتراض على ادوار اسرائيلية.
هذه أيضاً تجذب الروس والإيرانيين والسوريين الى ميادينها القتالية في حركة أميركية مكشوفة لاستنزاف كل متدخل مصاب بالحاجة الى الدور العالمي.
فكيف يمكن للخبراء اذاً عدم الانتباه الى الحرب الضخمة التي تتحضر في القارة الأفريقية على مدى واسع في الصراع على سد النهضة الإثيوبي المتجه نحو حرب بين الحبشة من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى مع استعداد لتورط عشرات الدول الأفريقية والشرق أوسطية فيها وسط صمت روسي وأميركي؛ وهذا غير قابل للتصديق.
فهذه الحرب المرتقبة قادرة على جذب تورط روسي أميركي وآخر إسرائيلي تركي أوروبي، هذا من دون ذكر الدول الأفريقية العادية صاحبة المصلحة من نهر النيل.
فكيف يصمت الأميركيون على احتمالات حرب مائية مشابهة ومعظم الأصوات العالية فيها هم من اصدقائها. الا يعني هذا انها تنتظر اندلاع هذه الحرب بشكل او بآخر حتى يمارس الأميركيون أدوارهم ويشددوا من قبضتهم على اعناق حلفائهم في مصر والسودان وإثيوبيا ويستفيدوا مالياً من بيع السلاح والمواد الاقتصادية؟
هذا غيض من فيض أميركي يعكف خبراؤه على بناء سيناريوات لحروب جديدة تستفيد منها أميركا سياسة واقتصاداً ببيع السلاح والاعتدة، اليست أميركا هي ام العالم من دون سؤال او احتجاج؟
وهل ينسى العالم حرب اليمن حين تستغل أميركا الذعر السعودي من يمن قويّ مستقل وتستفيد من حاجة الإمارات الى زعامة خليجية، فتورطهما في حرب لمدة سنوات ولا تنتهي مع يمن جنوبي فقير يحتج حتى للمياه والطعام والملح؟
وها هي حرب اليمن تورط إيران واليمن والسعودية والإمارات وبعض دول أوروبا من دون نسيان التدخل الأميركي السري والدور المصري البحري.
فيبدو الأمر وكأنه استنزاف لإمكانات هذه الدول على ان يبتاعوها في مراحل لاحقة من الأميركيين انفسهم او في أقصى حل من صديقتهم أوروبا، ويبدو ان الأميركيين لا يطمحون الى جبايات مالية مباشرة من اليمن، بقدر ما يريدون امساكاً بهذا البلد للسيطرة على اهم خط اقتصاديّ يشرف على مرور 25 في المئة من الاقتصاد العالمي مسيطراً على جزر سقطرى وباب المندب وإيلات وأخرى نحو قناة السويس.
اليست هذه الحروب لمصلحة الأميركيين، فمتى اذاً تتحرر الإرادة العالمية والهيمنة الأميركية الاقتصادية والسياسية والعسكرية على العالم؟