هنا كربلاء… هنا الحسين والعباس
موقع إنباء الإخباري ـ
نغم حسن:
أسدل الليل ستاره … وحده الفندق يعج بالزائرين المتحمسين بين صحافي وشاعر وأستاذ جامعي. وبين التاريخ والقانون اختلفت اللهجات واللكنات. وحدها مواضيع وأخبار الساعة جمعت الأحاديث من كل حدب وصوب .
إطار عام أجمع حوله الكثيرون: مواجهة داعش التي تحاول أن تعيد الزمان إلى الخلف، حيث لا عقارب لساعة بل ربما فقط ساعة رملية أو قمرية…
تجربة حزب الله اللبنانية التي نجحت في لبنان وعند الحدود مع فلسطين المحتلة وحاليا سوريا ـ حسب الكثير من المشاركين ـ استطاعت أن تستقطب حولها الجمهور المتحمس للوقوف بوجه هذه الغدة السرطانية التي تفتك بالبشر والحجر وكل ما يمت للحضارة والإنسانية بصلة.
سؤال حيّر الكثيرين: كيف لـ “حزب صغير” أن يتجاوز كل هذه الصعوبات رغم أن العالم أجمع وقف بوجهه! وبين عقيدة وثبات و إقدام وإيمان وبوصلة محددة استطاع المقاومون أن يثبتوا ويثابروا ويصابروا….
فبين الحسين والمقاومة حكاية عشق لا تنتهي … وشلال عزّ لا ينضب…. كيف لا، وكل ما حول المقاومين هو من بركة كربلاء ومن تعاليم أهل البيت …
لطالما سمع الكثيرون بعاشوراء، إلا أن معانيها تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن طائفة إلى غيرها من الطوائف؛ فالبعض يرى فيها حادثة تاريخية؛ والبعض الاخر ـ كالشيعة ـ يراها محطة انطلاق لرسالة سماوية، تجسدت بدروس وحكم وعبر قدّمها آل البيت، ليستوي الدين الاسلامي الصحيح، حيث خرج الامام الحسين لطلب الإصلاح في أمة محمد (جد الامام الحسين ورسول الاسلام والمسلمين )لتتجسد بتقديمه لأهله ونفسه انموذجاً راقياً في سبيل إعلاء كلمة الحق وعدم اتباع الباطل ولو على حز الرقاب..
ومدى عاشوراء يرتبط بأرض الطف او نينوى أو حتى كربلاء، إذ هي أسماء واحدة لأرض ارتوت دماً وحنيناً وعشقاً أبديا…
ومن يزور علي بن أبي طالب في النجف لا بد أن يلقي السلام على أولاده في كربلاء، حيث استشهدوا هناك… وأن يخضب الجبين ببعض من شذرات هذا العطر الحسيني الكربلائي…
لكن هذه المهمة كانت صعبة في بدايتها… إذ أن تفجيراً خماسياً هزّ مدينة كربلاء، فأغلقت أبوابها تحسباً لأي خطر من أولئك التكفيريين الذين يحاولون العبث بأمن البلاد… قليل من الأخذ والرد … كان الهدف في تلك الظهيرة زيارة نازحي العراق الذين استضافتهم العتبة العلوية من الموصل وغيرها من المناطق التي احتلتها داعش تحت قوة الترهيب والتنكيل وقتل الرجال وأسر النساء وتقديمهن هدايا لأمراء داعش…
درب كربلاء هو الاسم الذي جعل صدورنا تشعر بنبضات قلوبها… سمعت آذاننا تلك الدقات التي تحولت إلى قرع طبول كلما اقتربنا….اتصال غيّر خارطة أفكارنا … سنكمل المهمة إلى قلب كربلاء وليس فقط الدرب… سندخل الى هناك حيث حسيننا… حيث عباسنا…
ارتفعت الصلوات على محمد وآل محمد من حناجر غصت بفرحة عارمة…
كان إيلي يشعر بسعادتنا، يبتسم حيناً ويشعر بأهمية هذا المكان حيناً آخر … هو الشاب ذو الطلة البهية الهادئ الوقور … يجلس في مقعده ويحدث صديقه الذي إلى جانبه ربما كان يسأل عن تفاصيل لا يعلمها … يبحث مدققاً في الأحداث زيادة في المعلومات…
فيما كان شادي الرجل الوقور كعادته هادئاً ربما كان يسبح الله ويحمده على هذه المناسبة التي أتاحت له زيارة النجف وكربلاء في آن… اغرورقت عيناه دون أن ينطق ببنت شفة… وحدها عيونه حدثت عن الكثير مما في أعماقه، كتم أسرار نفسه ليطلقها عند سيد شباب أهل الجنة.
كان الشوق يشدنا إلى تلك الناحية … تتسابق أرواحنا قبل أجسادنا…
مسافة الدرب لم يشعر بها كل من كان في الحافلة، فخفّة دم جاد ومحمود وحسن وهاشم اختصرت كل الوقت، كانوا يتبادلون أطراف الحديث مداورة، يسلّم كل واحد منهم الدور لزميله.. إلى أن وصلنا.
…
هنا كربلاء … لم يعد للطرفة من وجود….هيبة المكان أخذتنا ١٣٧٠ سنة إلى الوراء… القلب يعتصر…الدمعة تتأهب لساحة الحرب…
آااه لقلبك يا زهراء ـ كيف احتملتِ كل المواجع .. كيف احتملتِ كل الآلام ..وأولادك ها هنا في أرض كربلاء …..
ابتدأت الزيارة بأبي الفضل العباس قطيع اليدين وعمّ سكينة التي وعدها بالماء…. تقف مذهولاً أمام هذه العزة.
كافل زينب وألف ألف كفيل لبى …. فالعباس في كربلاء وشباب آخرون يعيدون الكرة ذوداً عن مرقدها … هناك في الشام حيث ترخص الأرواح لأجل زينب، تلك البطلة …
أعادتني الذاكرة إلى الماضي القريب، حيث علي وحيدر وعباس وفادي ومهدي وجواد وجاسور وذو الفقار وغيرهم الكثير والكثير، من دمائهم عطر الشهادة فاح… حيث تحولت الدماء إلى نهر يسقي الارض الظمأى فتنبت ورداً وحرية وشقائق نعمان وانتصارا.
ها هم عشاق زينب والعباس يسيرون واحداً تلو الآخر، يرسمون خارطة الحرية والعشق والشهادة.
عند الامام الحسين، تدخل إليه، تشعر أن قلبك حزين ..كسير ..تحاول أن تخبئ وجهك خجلاً…
تُرى، ما قدمت في حياتي أمام تضحياته … كيف أنظر إلى مرقده وأنا خالي الوفاض، إلا من حب أوهن جسدي المتعب… كيف أنظر إليه وعيناي لم تعد تبصران ما حولي ؟؟؟؟ كيف ألقي بعضاً من شغفي، وقتيل العبرة أمامي؟!؟.
رويداً يا قلب، لا ترحل، ودموع المحبين لا تكفي … أأخضب الوجنتين بقطرات الرجاء أو الحنين!؟!؟
كيف أرفع رأسي وجسده داسته الخيول…
كيف أرفع رأسي ورأسه قبلته السهام…
وحده القفص الفضي يلوح في لحظة انبهار… … كل الأيادي تمتد إليه، تطلب كل الحوائج، تقتلع شوقها من الصدور، ترتفع الصيحات والنداءات… بخشوع وتضرع وحنين
ماذا أقول سيدي وبقلبي كل هذا الأنين
ماذا أخبرك مولاي وقد جئتك معفر الجبين
…
تشعر أنك في وسط تلك الصحراء، حيث الحسين وحيداً فريداً، لا تستطيع الاقتراب. ربما هو الخوف أو الجبن أو ربما هيبة المشهد… لست ادري …!!!؟ لكنك تلمح رايات ترفرف من بعيد، تقول: لن نترك حسيننا… لن نترك إسلامنا… لن نترك قضيتنا الحقة… فالإسلام كله اجتمع هنا، والكفر كله في الناحية الأخرى. كيف لا وشمر هذا العصر يقطع الرؤوس وينكل بالإجساد!!!!
أياااااا حسين مهلاً، لا تتركنا في تلك الأرض الطاهرة، أعطنا بعضاً من اندفاعك وقوتك، هب لنا بعضاً من كرامتك، أضئ لنا طريق الصلاح..
ولتذهب بعدها روحنا إلى الملتقى
(مشاهدات وخلجات من قلبٍ زار كربلاء للمرة الأولى)