هل ينجح الأميركيّون بطرد إيران من لبنان؟
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
يقتضي توضيح هذه الفكرة ربطاً متماسكاً لمكوّناتها من منطلق اندماجها الكلي بحزب الله أساساً والنفوذ السوري المتدحرج في لبنان والعراق والإقليم والحضور الإيراني ثانياً.
أي أنه يكفي إلغاء دور حزب الله انطلاقاً من لبنان، حتى تتقلص مواقع النفوذ الإيرانية – السورية فيه، أليس حزب الله بوقفاته الشامخة ضد «اسرائيل» هو الذي أتاح لحليفيه السوري والإيراني فرصته تجسيد نفوذ سياسيّ هام على الارض اللبنانية؟
فإذا كان حزب الله استفاد من نظرية الحدود البرية المفتوحة انطلاقاً من إيران، فالعراق ارض السواد وسورية بلاد الصمود، وصولاً الى ضاحية الشجعان ومكاتب حزبهم المنتشرة في ثناياه.
بذلك يستفيد الحزب من الدعم المالي والتدريب ويتلقى السوريون إسنادات مادية وعسكرية مدعومة بأدوار عسكرية فارسيّة مباشرة في شرق الفرات.
فبماذا يستفيد العراق اذاً؟ تنصبّ إفادته على تأييد ثقافي سياسي للحشد الشعبي وتطويق الاحتلال الأميركي له من الجهتين الإيرانية والسورية.
بالمقابل فإن محاولات السيطرة على لبنان تحت مسمّى إعادة تعريبه، كما قال سمير جعجع هو من أكبر العمليات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإقليمية التي يشهدها الإقليم منذ وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في 1970.
لذلك تجتمع في باقة واحدة الضغوط الخليجية السياسية والاقتصادية والأوروبية السياسية والعسكرية الأميركية المشابهة لها بالتسمية والأضخم بالدورين في الحجم والكميّات. هذا كله لا يكفي أمام الدور الإسرائيلي الخطير جداً الذي ينام على استعداد لغزو لبنان بمئات آلاف الجنود الجاهزة والمرابطة على مقربة من حدوده مع فلسطين المحتلة بكل ما أنتجته العدوانية الأميركية من أسلحة.
هناك جانب غير منظور لركاكته وضعفه وهو تحالف جعجع – الكاردينال الراعي اللذين يشكلان جزءاً أساسياً من المشروع الأميركي بطرد إيران من لبنان وإعادة تشكيل لبنان الانتداب 1920 انطلاقاً من ميادين بكركي وكهوف معراب وسراديب بيوت الكتائب والأحرار.
يُضاف الى هذه الكوكبة من التحالفات قوى الخليج العربي التي تعتقد أنها تضفي عروبة حضارية على معركة الأميركيين في لبنان.
فلماذا يتناسون كيف ذهب عبد الناصر إلى اليمن ليحارب السعودية الأميركية والاسرائيلية ونسوا أيضاً ان كل معاركهم مع الراحل عبد الناصر كانت حول عروبة أراد الرئيس الراحل إعادة تصويبها على نحو يمسك بكامل دول العرب في شبه الجزيرة ووادي النيل وبلاد الشام وشمال أفريقيا؟
ولم يقاتله بالسر والتمويل وشراء ذمم إلا الحكم السعودي الذي استمات من خلال الأميركيين ودعم «اسرائيل» وكل الرجعيات العربية للقضاء على ناصر فكراً وسياسة، وكان له ما أراد بالهزيمة المصرية أمام «اسرائيل» 1967 ووفاة الراحل الكبير الذي اورث الحكم لمجموعة من الرؤساء المتتابعين أدوا أدواراً أسوأ من ملوك الدولة السعودية بمئات المراحل الرئاسية.
هناك سؤالان متتابعان: أولاً لماذا هذا الاهتمام الدولي بلبنان وهل تنجح هذه الاستعدادات الأميركية الاوروبية العربية ومجموعات بكركي وجعجع بالسيطرة على لبنان من جديد؟
وهل بإمكان لبنان في مرحلة سياساته الأميركيّة الفرنسية الإسرائيلية أداء أدوار مناهضة لحلف سورية وإيران وحزب الله؟
لجهة السؤال الأول فلبنان بلد طوائفي اجتماعياً وسياسياً، والسيطرة عليه بالكامل مستحيلة، لذلك مهما فعل الأميركيون يبقى متأهباً كل وطني لبناني لأي طائفة انتمى ما يجعل من حزب الله حزباً وطنياً متميّزاً يلتقي مع الأحزاب الوطنية الأخرى ببناء طوائفي وسياسي يتكئ على خلفية سياسية ايديولوجية وثقافية تلتقي معه على عداء «إسرائيل» والسياسات الأميركية السعودية وقد تستند الى القسم الأكبر من العراق. وهذا يعني أن إسقاط كامل لبنان السياسي والطوائفي مسألة مستحيلة، لأن حزب الله يزداد توغلاً في كسب تأييد الطوائف الأخرى له لأنهم يقتنعون يومياً انه يدافع عنهم للحفاظ على لبنان التاريخيّ وليس لنفسه أو تشييعه كما يروّج جعجع وبعض رؤساء الحكومات السابقين والأحزاب الطائفيّة في مذاهب أخرى.
على مستوى السؤال الثاني، فإن كل الاستعدادات الضخمة الأميركية – الأوروبية الخليجية الإسرائيلية لن تسمح لها الصراعات الدولية بالدخول المباشر الى لبنان، بما يؤكد انها لن تتدخل في بلاد الأرز الا عبر بعض التشكيلات السنية الصغيرة مع إعطاء أهمية أكبر لحزب القوات اللبنانية الجعجعي الذي يجب الإقرار انه يحظى ببركات الكاردينال الراعي اعتقاداً منه أنهم يحاربون الشيعة فقهياً انطلاقاً من ضرورة إلحاق هزيمة عسكرية وسياسية بهم.
عند هذه الحدود يتبين للقارئ أن حزب الله متأهب وقادر في وقت واحد على اكتساح مثل هذه التحالفات بالانتصار عليها، أو بتبنيها بأسلوب اثارة خوفها على مستقبلها السياسي فلا تقاتل إلا بالسياسة. فهل تسقط المحاولات الأميركية الفرنسية لإعادة الإمساك بلبنان؟ إنها ذاهبة نحو هذا المصير بقرار روسي لا يقبل بغزو لبنان او سورية تحت اي اعتبار، وهذا يؤدي الى اظهار العامل الروسي الدولي حاسماً والإمكانات العسكرية والسياسية لحزب الله وسورية وإيران أكثر قوة مما يعتقد الأميركيون والفرنسيون ومعهم سيد بكركي وراعيها وجعجع وبعض المصابين بالعمى في الأحزاب المسيحية القديمة والتجمعات السنية التي لا تفكر إلا بمنصب رئيس للوزراء يجري تسجيل اسمه في قوائم التاريخ. ونذكّر الجميع أن التاريخ يكتبه المنتصرون كما يقول المؤرخ الكبير ابن خلدون وسورية جزء دائم من هؤلاء المنتصرين.