هل يكرر أردوغان خطأ صدام ؟
تسريب التسجيل الصوتي لما دار بين كبار القادة السياسيين والعسكريين والامنيين الاتراك، وهم يبحثون كيفية إختلاق الذرائع لشن هجوم عسكري على سوريا، اعاد للاذهان الظروف التي سادت العلاقات الايرانية العراقية عقب انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وكيف اختلق الدكتاتور، صدام، حججا واهية لشن عدوان شامل على ايران، دام ثماني سنوات احرقت الاخضر واليابس وكلفت البلدين والمنطقة خسائر بشرية ومادية لم ولن تعوض ابدا.
للاسف الشديد يبدو ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مازال يتعامل مع الازمة السورية بذات المنطق الذي ساد المنطقة والعالم قبل ثلاث سنوات، بينما اقرب حلفائه من الامريكيين والغربيين والعرب ابتعدوا كثيرا عن سياساتهم التي كانت تؤطر مواقفهم ازاء الازمة السورية، بل ان الكثير منهم اعاد النظر كليا في هذه السياسات، بعد ان طفت عناصر جديدة على سطح هذه الازمة.
الكثير من المراقبين يعزون تمسك اردوغان بسياسة عفا عنها الزمن ازاء سوريا، الى شخصية رئيس الوزراء اردوغان المتصلبة والبعيدة عن الانعطاف والمرونة، بينما يرى اخرون ان السبب يكمن في محاولة الاخير الهروب الى الوراء من قضايا الفساد التي طالت حتى الحلقة الضيقة المحيطة به، فيما يرى البعض ان اردوغان مضطرا للدخول في حرب مع سوريا تنفيذا لرغبة اسرائيلية.
مها قيل عن اسباب تعنت اردوغان واصراره الى دفع الامور مع جارته الجنوبية الى نقطة اللاعودة، الا ان بوادر التورط التركي قد لاحت مع التدخل العسكري التركي في الهجوم الاخير للمعارضة السورية المسلحة على منطقة كسب الحدودية، انطلاقا من الاراضي التركية، فقد وفرت القوات المسلحة التركية غطاء جويا لقوات المعارضة التي كانت تعبر الحدود الى الاراضي السورية، واسقطت الطائرات الحربية التركية طائرة سورية كانت تلاحق المجموعات المسلحة في الاجواء السورية.
جميع الوقائع داخل تركيا وتلك التي على الارض في سوريا، تشير الى ان اردوغان يرى في الظروف التي تعيشها سوريا بعد ثلاث سنوات من الحرب وانشغال جيشها في اكثر من جبهة، وكذلك وجود جبهة دولية عريضة مناهضة للنظام السوري، بالاضافة الى وجود عناصر مسلحة شرسة على الارض تعارض النظام السوري، هذا اذا اضفنا اليها الاسباب التي ذكرناها عن تعنت اردوغان، كل هذه الظروف شكلت، على ما يبدو، قناعة لدى رئيس الوزراء التركي، ان الظروف اصبحت مؤاتية لاسقاط النظام السوري.
الحقيقة ان حسابات اردوغان هذه، وهي حسابات ليست من ضرب الخيال، بعد تسريب التسجيل الصوتي الذي كشف بما لا يقبل الشك عن اقتناع القيادة التركية بأن الوقت قد حان لاختلاق اية ذريعة للهجوم على سوريا، هذه الحسابات تبدو انها تشبه الى حد بعيد حسابات الدكتاتور صدام حسين، اواخر سبعينيات القرن الماضي، عندما رأى في عداء الغرب وبعض الانظمة العربية للثورة الاسلامية والجمهورية الاسلامية الفتية، وانشغال النظام الاسلامي الجديد في ايران بترتيب البيت من الداخل بعد انهيار النظام الملكي، ومحاولات امريكا والغرب في اشعال فتن مذهبية وقومية داخل ايران، ارضية مؤاتية لشن عدوانه الشامل على ايران، بعد ان حول الغرب والشرق العراق الى ترسانة لاحدث وافتك الاسلحة، وفتحت الدول الخليجية له خزائنها على مصرعيها، وفي لحظة ما ارتكب هذا المعتوه خطأً تاريخياً مازالت المنطقة والعالم يدفع ثمنه حتى اليوم.
ان على العقلاء في الحكومة التركية الحالية، الذين يدعون انهم جزء من نظام ديمقراطي، الاصغاء ولو لمرة واحدة لصوت المعارضة والشارع التركي، قبل ارتكاب اية مغامرة عسكرية، يمكن ان تُدخل تركيا في نفق مظلم قد لا تخرج منه كما دخلت، لاسيما ان الظروف الدولية الحالية، ليست هي ذاتها التي كانت سائدة في سبعينيات القرن المنصرم.
ماجد حاتمي- موقع شفقنا