هل يتّجه جنبلاط لدعم عون رئيساً؟
إتخذت زيارة رئيس “جبهة النضال الوطني” وليد جنبلاط الأخيرة إلى الرابية حيث إلتقى رئيس “تكتّل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، أهمّية كبرى على المستوى الشعبي، خاصة وأنّها جاءت بعد لقاء جنبلاط الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في ظلّ ما يُحكى عن إستدارة جديدة لرئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي”. وقد عاد الحديث مجدّداً عن الملفّ الرئاسي، وعن إمكان إحداث خرق حاسم فيه، في حال قرّر جنبلاط التصويت لصالح “الجنرال”. فهل فعلاً ستأخذ الأمور هذا المنحى في المستقبل القريب؟
كل المؤشرات والمعطيات تدلّ على أن لا خرق يُذكر في موضوع الإنتخابات الرئاسية حتى اليوم، حيث يُنتظر أن تمرّ الجلسة المقرّرة يوم الثلاثاء المقبل، كما سابقاتها، أي خالية الوفاض، على الرغم من تحرّك أكثر من طرف داخلي وخارجي في محاولة لكسر الجمود السياسي الحالي. والسبب أن لا تغيير في المواقف الأساسيّة للأفرقاء الداخليّين الرئيسيّين، ومنهم رئيس “الإشتراكي” الذي تندرج حركته الأخيرة على عدد من القيادات في إطار تخفيف أجواء الإحتقان ومحاولة إيجاد مخارج لأكثر من ملفّ داخلي عالق، من دون أن يكون الملفّ الرئاسي المحور الرئيس ولا الوحيد للمحادثات. حتى أنّ إجتماعات النائب جنبلاط الأخيرة مع كل من السيد نصرالله والعماد عون، لا تمثّل إعادة تموضع سياسياً، وإن كانت تعكس تحسّناً في علاقاته الداخلية مع قوى “8 آذار” بإطارها الواسع الذي يضمّ القوى المتحالفة معها. وليس سرّاً أنّ رئيس “جبهة النضال” شارك أخيراً باجتماع ضمّ الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيسي الحكومة الحالي تمام سلام، والسابق فؤاد السنيورة، والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبالتالي إنّ إنفتاحه المُستجدّ على “الحزب” و”التيّار” ليس على حساب قطع علاقاته مع الآخرين. وكل ما يتردّد عن إعادة تموضع جديدة لرئيس “الإشتراكي”، وعن إتجاه جنبلاطي تدريجي للقبول بالعماد عون رئيساً، ليس أكثر من تعبئة للفراغ الذي أحدثه سحب الحديث الذي كان مُتداولاً على مدى أشهر بشأن إمكان قبول رئيس “تيّار المستقبل” النائب سعد الحريري بالجنرال رئيساً في إطار صفقة ثنائية.
أكثر من ذلك، إنّ تبنّي النائب جنبلاط لخيار دعم “الجنرال” للرئاسة من دون المرور بتيّار المستقبل أوّلاً، لا يفيده بشيء، باعتبار أنّ كتلة “لبنان أوّلاً” قادرة مع بعض الحلفاء على تعطيل نصاب أيّ جلسة إنتخاب رئيس، إذا كانت مسألة الإنتخاب ستأخذ طابع المواجهة والتحدّي. وبالتالي، إنّ الدور المحوري الذي لعبه النائب جنبلاط في إيصال النائب نجيب ميقاتي إلى منصب رئاسة الحكومة مطلع العام 2011، في الوقت الذي وقف فيه “تيّار المستقبل” عاجزاً من الناحية القانونية أمام قرار إخراج سعد الحريري من الحكم، لا يمكن أن يُكرّره على مستوى منصب الرئاسة، لأنّ قدرة العرقلة موجودة لدى كل الأفرقاء الأساسيّين. أكثر من ذلك، ليس جنبلاط بوارد تبنّي خيارات حاسمة في مصير لبنان، عشيّة بت ملفّ الإنتخابات النيابية التي لم يتمّ حسم مسألة إرجائها حتى الساعة، وإن كان هذا الخيار هو المرجّح، باعتبار أنّ خسارة مقعد بيروت والإستغناء عن أصوات 75 % من سُنّة إقليم الخروب صوّتوا لصالح لائحته في إنتخابات العام 2009، لكسب أقلّ من 50 % من أصوات مسيحيّي الشوف صوّتوا للائحة “التيّار”، ليس بالصفقة الجيّدة، علماً أنّ “التيّار الوطني الحرّ” كان بنى كل حملاته الإنتخابية الماضية في الشوف على إتهام التيّار الجنبلاطي بالهيمنة على القرار المسيحي الحرّ في الجبل، وتعديل هذا الخلل لا يمكن أن يتمّ من دون إنتزاع المقاعد المسيحيّة من يد جنبلاط.
وباختصار، لا خروقات مرتقبة قريباً في الملفّ الرئاسي، خاصة وأنّ التطورات المتسارعة في المنطقة ككل تأخذ طابعاً خطيراً، يحمل ملامح تغيير وجه الشرق الأوسط والكثير من الدول العربية فيه، لجهة كلّ من الحدود والتوزيع الديمغرافي للطوائف والمذاهب والأعراق… وأمام هذه التحوّلات يُصبح ما يُؤرق أفكار بعض الطامحين اللبنانيين ليل نهار، مُجرّد تفصيل صغير وثانوي جداً، بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميّين والدوليّين من ضمن واضعي خطط تغيير خرائط وديمغرافية الدول!
ناجي س. البستاني – موقع النشرة الإخباري