هل فهم حزب الله العدوان على غزة؟
السؤال الأساس في تل ابيب، اليوم، هو: كيف فهم حزب الله المعركة، وكيف يؤثر هذا الفهم في قرارات قيادته، إن لجهة العمل المبادر اليه ضد اسرائيل، او لجهة هامش المناورة لديه للرد على اعتداءاتها.
اثير هذا السؤال في تل ابيب قبل انتهاء العدوان على غزة. مسؤولون سياسيون وعسكريون وكتبة وخبراء ومحللون، كلهم ادلوا بما لديهم حيال هذه المسألة تحديداً. سؤال كيف فهم حزب الله المعركة كان يبرز في اعقاب كل اخفاق في المعارك، وأيضاً في كل نجاح. يقول احد ضباط الاركان الاسرائيليين إنه يخوض المعركة في غزة وعينه شمالاً على حزب الله. فيما يسأل اخر كيف سينظر الحزب الى انفاق غزة ونجاحاتها، وهل يعمد الى اعتماد هذه العقيدة القتالية، ام انه اعتمدها بالفعل ولم نلحظ ذلك؟ وهو كاد يدعو مشغلي منظومة القبة الحديدية الى التواضع، لأن صواريخ حزب الله تهديد من نوع آخر وأكثر تعقيداً.
بالطبع، الحزب سينظر ويرى ويعاين، بعيون شاخصة، كل شاردة وواردة في المعركة. لا ضرورة إلى ان يتحدث مصدر رفيع في المقاومة عن الاستنتاجات والدروس والعبر. سينظر حزب الله جيداً الى ان الجيش الاسرائيلي لم يشرك اياً من وحدات الاحتياط في المعارك البرية، لأنه لا يثق باستعدادها وجاهزيتها. سينظر الى ان الاستخبارات أخفقت في اداء المهمة، وكان الفشل ذريعاً، وسيقارن بين هذا الفشل وشبه فراغ بنك اهدافها عن المقاومة في غزة، وبين ما تقوله عن بنك اهدافها في ما يتعلق بحزب الله.
سينظر الحزب، ايضا، الى تردد اسرائيل في الدخول البري الى قطاع غزة، وسيعاين جيداً، وجيداً جداً، عرض كبار الضباط امام الوزراء لخطة احتلال قطاع غزة، التي ادت الى وجوم الوزراء وروعهم من الاثمان، ومن ثم تصويتهم بالاجماع على الانسحاب من القطاع. وسيعاين، ايضاً، انفاق غزة وجدواها، برغم انه «ابو الصبي» في هذه النظرية القتالية، وقد لا يكون في حاجة الى معاينة .. سينظر حزب الله، وينظر كثيرا.
لكن اهم ما فهمه الحزب من المعركة ليس ما ورد عن الميدان. اهم ما يجب ان يقلق اسرائيل، ليس نظرة الحزب إلى المعركة واستنتاجاته منها، بل نظرة الاسرائيلي الى نفسه. ليس سهلاً ان تكتشف تل ابيب ان كل ما قالته وشددت عليه في السنوات الماضية، عن استعدادها العسكري وجاهزيتها وتدريباتها وتحسين ادائها، لم يرق الى المطلوب في لحظة الاختبار الفعلي. وهذا كله تجاه قطاع غزة وإمكاناته المتواضعة، فكيف به تجاه حزب الله.
من هنا، ينتظر حزب الله ولبنان حملة دعائية اسرائيلية وقائية واستباقية، ستركز على الوعي تحديداً، وعلى محاولة تغيير صورة الجيش الاسرائيلي كما تبدّت في غزة، وذلك منعاً لانعكاساتها الخطيرة على الحرب المقبلة، والاهم منها، انعكاساتها السلبية على ادارة فترة اللاحرب الدائرة حالياً.
كيف سترمّم اسرائيل صورتها؟ بالتأكيد لن تخوض حرباً كي تؤكد قدراتها. ستشهد الفترة المقبلة تفعيلاً لنظرية التخويف، المليئة بالتصريحات والمواقف المشبعة بالتهديدات ضد لبنان، على ان تحتل الخطط الموضوعة للحرب مع حزب الله و«حتمية الانتصار الساحق» العناوين الرئيسية للاعلام العبري. تهديدات ستكرر نفسها كما تكررت في مناسبات سابقة، لكن هل تنفع؟ اذا كان العدوان على غزة عجز عن ارسال الرسالة، فهل ستنجح الكلمات والتهديدات؟ الحقائق الميدانية التي تجلت في قطاع غزة، لا تسمح لاي خطاب دعائي اسرائيلي مقبل على لبنان بدحضها وبمنع انعكاساتها. نعم حزب الله فهم المعركة، ولكن ليس كما يتمنى الاسرائيليون.
يحيى دبوق – صحيفة الأخبار اللبنانية