هل تعتقدون أنكم انتهيتم من العماد عون؟… راجعوا حساباتكم..ماذا عن يومكم التالي؟!
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
جان عزيز:
غريب حتى الجنون منطق فريق الأكثرية الحكومية. قبل يومين احتفلوا بانتصارهم على ميشال عون، في الجولة ما قبل النهائية، بحسب اعتقادهم. أسقطوا شامل روكز، كما توهموا. كمقدمة لإسقاط عون، لا رئاسياً وحسب، بل بكل ما يمثل ومن يمثل. قيل انهم في حلقاتهم السرية احتفلوا. انتشوا بكلمات وكرنفالية انتصار وعناوين وشعارات… معظمها لا يصلح للنشر.
تماماً كما احتفلوا ــ هم أنفسهم، بزيادة حفنة أو نقصانها، بموت أو يقظة ضمير ــ في 13 تشرين 1990. كما احتفلوا هم أنفسهم يوم أنجزوا التحالف الرباعي. أو يوم بدأت غارات اسرائيل تدشن حرب تموز. أو يوم بدأت حروب سوريا. أو عند كل وهم ودم… غريب لامنطق العقل حين يصيرمحكوماً بالغرائز ونزعات الإلغاء ودوافع الحقد لا غير. تماماً على قاعدة أن الحقد غضب الضعيف، كما الندم حجته…
طيب، فلنسلم بمنطق أنهم انتصروا على عون، ونهائياً. هل فكروا ماذا سيفعلون في اليوم التالي؟ فلنستعرض كل الاحتمالات النظرية لهذه الفرضية المستحيلة: احتمال أول أن يؤدي ضرب عون إلى ضرب كامل للدور المسيحي. وأن يتمكنوا من إيصال دمية إلى رئاسة الجمهورية. كيف؟ فلنفترض معهم أنهم بذبح عون، تمكنوا من الفصل بين حزب الله وبين الرئيس بري، وأنهم استثمروا في بعض الهمس عن بعض تذمر هنا أو في بعض تصاريح لنائب هناك حول رأيه الشخصي في الاستحقاق الرئاسي… فلنذهب في «منطق الاستحالة» إلى هذا الحد، ولنتصور أنهم أمنوا ثلثي نواب المجلس وجاؤوا بدمية إلى قصر بعبدا. ماذا سيعني ذلك؟ أنهم حكموا من دون العماد عون.
ولو ببعض انكشارية من المسيحيين… مع ضرورة التأكيد هنا، توضيحاً لحقائق الأمور، على عبثية تلك الافتراضات كلها. فتحالف بري مع عون أقوى مما يتصورون. والأيام المقبلة ستكشف ذلك. فيما قوى 8 آذار الباقية متراصة تماماً حول موقفها ومرشحها… لكن فلنسلم جدلاً، ماذا يحصل عندها؟ تحكمون البلد من دون المسيحيين؟ من دون زعامتهم ومرجعياتهم ووجدانهم؟ جربتموها طيلة 15 عاماً. انتهت باغتيال رفيق الحريري، بعدما ذهب يوماً إلى الكورال بيتش، ليعترف بأن «البلد مش ماشي» لأن المسيحيين محبطون! ثم جربتموها سنة 2005، فوصلتم إلى 5 أيار ومذبحة حلبا.
هل يستحق الأمر تكراره مرة ثالثة؟! أصلاً، لا لزوم لكل هذه المؤامرات للوصول إلى هذه النتيجة. فميشال عون نفسه مستعد ليقول لكم: احكموا من دوني! واذهبوا إلى الحائط المسدود سريعاً. فهو لم يعلن أصلاً صرخته، إلا لأن حربكم المذهبية المستعرة في المنطقة قد بلغت حدود لبنان. وها هي نيرانها تتراقص موتاً وحشياً على نوافذ الوطن. صرخة الرجل منبثقة من إيمانه بأن ما ينقذكم أنتم أولاً، وما ينقذ كل لبنان ثانياً، جسر وسيط متين يسد هوة تلك الحرب، ويجمع ناسها على تآلف بناء دولة. وجسر كهذا لا يؤمنه إلا عنوان لبناني واحد، اسمه التوازن والشراكة. ولا توازن ولا شراكة من دون دور مسيحي فاعل، بقدر أدوار كل الجماعات اللبنانية الأخرى وفاعليتها. لذلك طرح قانون الانتخاب، وطرح آلية اختيار الرئيس، وطرح حواراته من روما إلى بيروت… حولتموها مناورة؟! جعلتم منها إبر تخدير للنفاق وتقطيع الوقت رهاناً على موت دولة أو موت شخص؟! لا لزوم لهذا الانحطاط كله في العمل السياسي. خذوا السلطة الآن، واحكموا من دونه ومن دون شرعيته وشعبيته، وسينتظركم بعد 5 أيار!
ما هو الاحتمال الثاني؟ أن تأتوا بجان قهوجي رئيساً؟ هذا هو الهدف الفعلي من إبقائه في مركزه؟ على قاعدة أن وهم النجوم هو العلاج الوحيد تاريخياً لشفاء الوجدان المسيحي من نكسة الزعيم؟ حسناً، تعرفون أن الأمر مستحيل. مستحيل دستورياً أولاً. إسألوا الرئيس بري، قبل أن توغلوا في التجربة. يخبركم خبر اليقين أن خطيئة ميشال سليمان لن تتكرر. إلا إذا حضرتم لها ــ ومرة أخرى تعود الفكرة الكارثة ــ بـ7 أيار جديد. هل جاهزون أنتم لذلك؟ ومن يضمن إلى أين تأخذون الوطن هذه المرة؟ لا طائف ممكناً ولا دوحة متاحة ولا أي عاصمة مفتوحة لتلاقي اللبنانيين. تفتحون النار على المجهول، سعياً إلى ميشال سليمان آخر؟ إلى «لقاء جمهورية ثان» على قياس رابطة مخاتير أو بحجم بلدية؟!
يبقى أمامكم خيار ثالث طبعاً، أن تطرحوا اسماً ثالثاً. كما دأبتم تكررون منذ عشرين شهراً، من دون أن تجرؤوا، لا أنتم ولا سواكم، على لفظ حرف واحد من أي اسم ثالث محتمل ولو نظرياً. لماذا؟ أليس ذلك عائداً إلى إدراككم الواعي أو الكامن، بأن الأمور بلغت مرحلة من حسم الحقائق ومن ساعة تجليها، بحيث أقفلت الساحة المسيحية فعلياً على قادتها وأقطابها، وأنه بات من مستحيل المستحيلات خرق هذا الواقع، إلا بدبابات فقدتموها يوم انتحر غازي كنعان؟! أليس صحيحاً هذا الكلام؟! تفضلوا، يتحداكم كل المجتمع السياسي اللبناني، أن تسموا اسماً واحداً!ماذا يبقى لكم؟ رهانات خارجية هي أقرب إلى سراب المغامرات وأوهام المقامرات؟ أعيدوا حساباتكم جيداً. أو على الأقل، أنصتوا إلى نهاد المشنوق، فهو يعرف لبنان الكيان والميثاق أكثر من مجموعكم، ويعرف رفيق الحريري أكثر من صورة وتركة. فالبلد للجميع، وإلا فلن يكون لأحد.
[ad_2]