هل تؤدي إعادة انتخاب الأسد الى ضرب الفساد أم الى تجذيره ؟

Gal.syria_.assad_bashar

لا يمكن لمجرّد بشري في طوره ما قبل الإنساني أن يتصوّر هول ما حدث في جبال اللاذقية ويحتمله، فما يرويه الأطفال المحررون اليوم عن الهمجية التي عوملوا بها وما أجبروا على رؤيته من ذبح وتقطيع لأمهاتهم وأخواتهم وأخوتهم لا يمكن تصوّره أو تحمّل سماعه. فأن يجبر طفل بعمر خمس سنوات على أن يفتح عينيه ليرى مشهد إعدام أمه وأخته، أو أن تذبح أمّ وهي تحضن ابنها الذي لم يتجاوز عمره الأربعة عشر شهرًا، أو أن يُجمع أطفال تحت سنّ العاشرة ليشاهدوا كيف تقتل أمهاتهم وأخواتهم أمام أعينهم، فهو ما يحتاج إلى تفكير جدّي وعميق في التعاليم التي جعلت هذه الوحوش البشرية تتصرّف بهذه الطريقة، وفي الثقافة التي أخذتهم إلى هذا التلذّذ في الإجرام.

ولا يقولنّ أحد أن من قاموا بهذا الفعل هم من “جنسيات غير سورية”، كما يكرّر إعلامنا لغايات معروفة. فما يفعله السوريون ويوثّقونه بالصور والفيديوهات عن “بطولاتهم” وجرائمهم بحقّ أبناء شعبهم، من “الكفرة النصيريين” أو “المتعاونين” معهم أو “عبّاد الصليب” و”الرافضة عمومًا”، يدحض كلّ قول عن تلبيس الإرهابيين غير السوريين ما يرتكب من جرائم، بل لعلّ هؤلاء “المهاجرين” قد تعلّموا أساليب جديدة في الإجرام من “الأنصار” السوريين،. ولعلّ بيان المجموعات الإرهابية التي أعلنت عن “معركة أحفاد أم المؤمنين عائشة لتحرير الساحل السوري” والكتائب التي شاركت بها يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أن السوريين هم من قاموا بهذه الجرائم التي ستظلّ وصمة عار على جبين الإنسانية كلها وليس في نفوس السوريين وحسب.

فـ”كتائب أحرار الشام” و”المجلس العسكري بجبل الأكراد” و”أنصار الشام” و”كتائب الهجرة إلى الله” و”جبهة النصرة” و”كتيبة أحرار جبلة”، هي كتائب أسسها ويقودها سوريون وإن كانت مطعّمة بعناصر عربية أو أجنبية، ويكون بالنتيجة من قتل وبقر بطون الحوامل وذبح الأطفال والنساء والمدنيين العزّل وارتكب كل هذه الفظائع هو سوري. فمن هو هذا “السوري” الذي يبيح لنفسه كل هذه الأفعال؟

عام ٢٠٠٨ عرض التلفزيون السوري مجموعة من المقابلات لعدد من الشباب الذين قاموا بتفجير إرهابي جنوب دمشق بالقرب من أحد الأفرع الأمنية، وقد كرر هؤلاء الشباب أنهم كانوا يحضّرون لتنفيذ عملية تفجير محطّات الوقود في دمشق وريفها التي تعود ملكيّتها “للدولة” أو “للنصارى”، كما عبّر يومها أحدهم. الدولة لأنهم يعدّونها دولة لـ”الروافض النصيريين”، أو هي في أحسن أحوالها دولة “علمانية خبيثة” تخالف شرع الله، و”النصارى” لأنهم “مشركون” يوالون هذه الدولة.

وقد أقرّ أغلب من أجري التحقيق معهم أنهم تعلّموا أفكارهم واقتنعوا بها ويقاتلون من أجلها في معهد “الفتح الإسلامي” بدمشق، الذي خرج قرار حكومي بعدها بفصل المعاهد الشرعية عن الجمعيات الخيرية، ليصبح معهد الفتح جامعة تمنح شهادات في الحقوق والاقتصاد والآداب والدراسات الإسلامية، في ما يبدو أنه مكافأة على ما قام المعهد بتخريجه من مجرمين سوريين، يزاملهم آخرون من خمسين دولة، كما هو موجود على موقعه الألكتروني. وليصبح جزءًا من معهد الشام العالي في العام ٢٠١١.

وليس هذا المعهد وحيدًا فريدًا في سوريا، فالمعاهد الشرعية لما قبل المرحلة الجامعية منتشرة في كل المدن والبلدات السورية، وتحوي الألوف المؤلّفة من الطلبة السوريين والأجانب، الذين يشكّل أغلبهم عماد الجيوش والمجموعات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري نيابة عن “إسرائيل”، ويشكّل كثير من أساتذتهم جيشًا من المفتين لهذه المجموعات، مختصًّا بالتعبئة الطائفية. وكانت مجموعة ٢٠٠٨ قد أنهى أغلب أفرادها تعليمهم الأدنى في المعهد الشرعي في معرة النعمان.

وكانت هذه المعاهد قد انتشرت كوباء طائفي منظّم بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، أي بعد العام ١٩٨٢ وتحقيق الانتصار الساحق على عصابة الإخوان المسلمين، التي قاتلت، وعلى مدى سنوات، نيابة عن مشروع كامب ديفيد من جهة، وإيمانًا منها بالمخطط اليهودي الوليد في استبدال العدو الصهيوني بالعدوّ الإيراني “المجوسي” “الصفويّ” الذي انبرى “الرفيق القائد” صدام حسين، وبدعم غربي يتّكئ على الحماس القومي لعرب كامب ديفيد، لحمل رايته في “قادسية صدام”.

ففي حين كانت الدولة السورية قد قضت عسكريًّا على كل أتباع “المشروع العربي” في تدمير سوريا لإلحاقها بركب كامب ديفيد، وبدلاً من السير في طريق تحديث الدولة السورية ونفضها للتخلّص من كل ما له علاقة أو ما يؤدّي إلى تدخّل رجال الدين والدين والطوائف بالسياسة، قامت الدولة السورية بالسير قدمّا في تطبيق سياسة “الاستيعاب الديني”، الذي بدأ بمعاهد “الأسد لتحفيظ القرآن” وانتشار المعاهد الشرعية في حالة سباق غريبة في كل المدن والبلدات لتستوعب الطلبة الفاشلين في التعليم العام، وليغزو الزيّ الديني بعدها الشوارع والأحياء السورية، ابتداء من الأطفال في عمر العاشرة وحتى من بلغوا من العمر عتيًّا. ولم تعد كلية الشريعة في جامعة دمشق هي الخزّان الوحيد الذي يرفد المجتمع السوري بمفتين لا ناظم لهم إلا اجتهادهم ورؤيتهم الشخصية للأمور التي تتقلّب حسب رياح القوّة على الأرض، بل رفدت بخزّانات أخرى لا تعدّ، وهذه الخزّانات هي نفسها التي يقوم طلبتها وأساتذتها اليوم بتنفيذ المشروع الصهيوني الغربي في تدمير سوريا.

وللتذكير فقط، فإن البعثيين الذين دُفعوا للدراسة في كلية الشريعة على أساس اختراق هذا “الغيتو” المغلق وتنويره، ورغم كل المغريات والتسهيلات التي قدّمت لهؤلاء، قد عاد بنتائج عكسية، بحيث تمّت السيطرة كليًّا من قبل هؤلاء على البعث الذي وصل به الأمر إلى أن يصبح قادة فرق في حزب البعث هم أنفسهم قادة خلايا تكفيرية سراً.

اليوم ومع عودة حمص إلى كنف الدولة وخروج الإرهابيين منها كانت أولى خطوات الدولة هي العودة لسياساتها القديمة في الاستيعاب الديني والمجاملات الطائفية، وكأن النظام السياسي ككل تسيطر عليه عقدة طائفية لا يستطيع الخروج منها. هذه العقدة كانت السبب في تفريخ مئات آلاف الإرهابيين التكفيريين من آكلي الأكباد وسالقي الرؤوس ومدرّبي الأطفال على الاستخدامات المتعددة للسواطير والسيوف في جزّ الرقاب وقطع الأيدي.

ولا يستغربنّ أحد، مع كل ما قيل وكُتب عن زيارة رئيس الوزراء السوري إلى حمص وقوله بترميم جامع خالد بن الوليد الذي دمّره الإرهابيون كأولوية تسبق كل الجوانب الأخرى، عودة صور المسؤولين السوريين وهم يلبسون لباس الإحرام، بعضهم يحجّ وبعضهم يعتمر، خصوصًا وأن فنون الفوتوشوب أصبحت متطوّرة بما لا يقاس بالنسبة إلى عصر الثمانينيات الذي لم يبق مسؤول سوري حينها إلا ونشر صورة له وهو يؤدّي مناسك العمرة والحجّ كغطاء لسرقاته ونهبه للبلاد وثرواتها وكذلك لتستّره على شراكاته مع الإخوان المسلمين الذين عادوا بألف لبوس ولبوس، والنتائج ليست بحاجة إلى عبقرية لكشفها أو تعريتها، فقد عبّرت عن نفسها بدم غزير عزيز.

ما يختلف اليوم عن فترة الثمانينيات أن السوريين لم تعد ترهبهم الأساليب القديمة لفاسدي النظام الذين يحسبون أن قضاء الجيش على الإرهاب سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه، كما لم تعد تنفع التبريرات الصدئة وقد دفع السوريون خيرة أبنائهم في هذه الحرب من أجل الحفاظ على سوريا الواحدة القوية المنيعة المقاومة. هذا عدا عن إفلاس الشعارات القديمة التي تلطّى وراءها كثيرون وانكشاف عفنها وصدئها، بل ووساختها التي كانت مغلّفة بسيلوفان الاشتراكية أو الوحدة العربية.

إن الزمن السوري الجديد الذي افتتحته دماء عزيزة وبطولات نادرة لأبناء سوريا الذين يقارعون كل همجيات البشرية، وقد بدأ يلوح فجر الانتصار الساحق على شذّاذ الآفاق وقد تأكّد العالم كله من إشراقته، لن يكون إلا زمن الدولة النموذج في المنطقة. الدولة التي تقدّس المواطنة، ويكون فيها كل سوري هو نموذج المواطن الممتاز، وقد ولّى زمن التمييز البشع إلى غير رجعة.

لكن هذا الزمن الذي يخلقه اليوم أبطال جيش سوريا، يحتاج كذلك إلى أن ينتقل السوريون، أفرادًا وأحزابًا وحركات وتجمعات سياسية واجتماعية، من نكوص الشكوى والتذمّر، إلى الالتفاف الفاعل الإيجابي مع من يعوّلون عليه في نفض الأوساخ القديمة وقتل سوسها، وهو جيشهم العظيم وقيادته الشجاعة. وقد ألمح الرئيس الأسد وبمواجهة رجال الدين السوريين أن زمن الإسلام السياسي وتدخّل رجال الدين في السياسة قد أصبح من الماضي، بل إنه عدّ الإسلام السياسي “آفة” سقطت إلى غير رجعة. وهذا ما يتطلّب من الجميع أن دعم هذا التوجّه وتكريسه، لا أن يمرّ مرورًا عابرًا عند من يدّعون أنهم مع التغيير ولا يرون إلا المثالب والأخطاء والعثرات. وقد تكون البداية في أن يدعم الجميع توجّه الرئيس الأسد هذا في المشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية ودعم مرشّح الإنقاذ الدكتور بشار الأسد. وبهذا لا تترك الساحة للدبّيكة القدماء من فنّاني التخريجات العفنة الذين يريدون الشر لسوريا من خلال تكريس الأساليب القديمة التي لن يكون مؤدّاها إلا في التمييز بين أبناء الوطن الواحد.

إن ظهور قوى حيّة جديدة ناهضة في سوريا تلتفّ حول مشروع الرئيس الأسد التغييري، تدعمه وتدافع عنه، ولا تقف منه موقف المتفرّج والناقد المتذحلق الذي لا يرى سوى السلبيات كما حدث في الماضي، سيكون عاملاً قويًّا من عوامل بلورة هذا المشروع والتفاعل معه وتفعيله، خصوصًا وأن الرئيس الأسد يعطي الإشارة تلو الأخرى في أن لا عودة إلى الماضي. والبداية هي في تحقيق الفوز الكاسح في صناديق الاقتراع لقائد النهضة الجديدة الذي ستُقطع شرايين ثقافة الانحطاط والقتل بالالتفاف الفاعل حوله.

محمد سعيد حمادة – وكالة أنباء آسيا

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.