هل بدأت “حرب الحرائق” بعد حرب السفن
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عبد الباري عطوان:
نقيم في بريطانيا منذ أربعين عاماً، وبتنا نفهم بعض جوانب سياستها فيما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن كلّها، بحكم الخبرة والتّجربة، والكتابة في معظم صحفها، والظّهور في محطّات تلفزتها الرئيسية، ولهذا فإنّ اصدار حكومتها تحذيراً للبريطانيين بهذه القوّة والوضوح، من زيارة لبنان إلا في حالة الضّرورة القصوى لا يمكن أن يأتي من فراغ.
ويعني للوهلة الأولى أنّ هناك خطراً أمنياً كبيراً يهَدِّد هذا البلد، أي لبنان، في طور الإعداد، وأنّ الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية، التي تنسّق مع نظيراتها الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية الأخرى، تملك معلومات مؤكدة في هذا الصّدد.
يصعب علينا التكهّن بماهية هذا الخطر، وطبيعته، أو الجهات المحتملة التي تقف خلفه، ولكن معلومات من مصادر وثيقة مقرّبة من المقاومة، في بيروت أكدت لنا أنّ الحرائق التي تلتهم الغابات والأحراش في جنوب لبنان من فعل فاعل، وتقف خلفها أيادٍ إسرائيلية، واعتقلت أجهزة الأمن التّابعة للمقاومة اللبنانية (حزب الله) أحد الأشخاص المتّهمين بإشعال هذه الحرائق، وجاري التّحقيق معه، لكشف الشّبكة المتورّطة، وعناصرها وصلاتهم المباشرة مع “إسرائيل” .
المصادر نفسها، رفضت أن تكشف عن هوية الشّخص المعتقل وجنسيته، واكتفت بالقول إنّه ليس لبنانياً أو فِلسطينياً، وله ارتباطات “أمنية” وثيقة مع أجهزة أمنية إسرائيلية، وقالت إنّ السّبب الحقيقي للاندلاع المتعمّد لهذه الحرائق وجود انطِباع لدى هذه الأجهزة الإسرائيلية بأنّ أحراش الجنوب تخفي تحتها قواعد ومصانع لصواريخ حزب الله الدّقيقة، والهدف من إحراقها مزدوج، أي تفجير هذه القواعد، أو كشفها للعلن حتى يسهّل ضربها في أي حربٍ قادمة.
وربطت هذه المصادر بين حرائق جنوب لبنان، والحريق الذي اشتعل في مرآب للسيارات جنوب تل أبيب قبل ثلاثة أيام أدّى إلى وقوع انفجارٍ كبير، وجرى تداول أشرطة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثّق لحظة وقوع الانفجار وإطلاق صفّارات الإنذار، وهرعان عربات الإطفاء للسّيطرة عليه، ولمّحت إلى أنّه قد يكون مقدّمة لسلسلة حرائق تقف خلفها المقاومة انتقاماً لحرائق الجنوب اللبناني.
حرائق الجنوب التي تستهدف الحاضنة الشعبية لحزب الله، ومراكزه وقواعده وبناه التحتية العسكرية، تأتي في ظل حالة من التوتّر والتّصعيد الأمني غير مسبوقة في لبنان، وبعد محاولات يائسة لإشعال فتيل حرائق الحرب الأهلية، تمثّلت في كمين خلدة، ومجزرة الطيونة، وعندما فشلت هذه الاستِفزازات في تحقيق أهدافها، جرى اللّجوء للخِيار الثاني، وهو الحرائق، كمقدّمة للخِيار الثّالث، أي الهجوم العسكري.
السّلطات الإسرائيلية أجرت في الأيام القليلة الماضية مناورات عسكرية موسّعة شاركت فيها جميع الأسلحة، محاكاةً لهجماتٍ من “حزب الله” على العمق الإسرائيلي، ومدن مِثل حيفا وتل أبيب وأسدود، ومحطّات الكهرباء والماء، والموانئ والمطارات الرئيسية (اللد) في تل أبيب، ورامون في الجنوب.
الجِنرال احتِياط في قوّات الاحتِلال منير الران حذّر في دراسةٍ نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي قبل يومين من أنّ الإصابات المتوقّعة نتيجة أي هجوم صاروخي من قبل “حزب الله” ستكون قاسية وستقلّص قدرة الجيش على تحقيق نصر.
الأمر شِبْه المؤكد أن “حزب الله” لن يكون البادئ بهذه الحرب، وستتحلّى قِيادته بأعلى درجات ضبْط النّفس، تماماً مثلما فعلت تجاه محاولات استفزازية لبنانية لجرّه إلى حربٍ أهلية، ولكن إذا بادرت إسرائيل بالعدوان فإنّ الرّد سيكون مزَلزِلاً وسيفتح أبواب نار جهنّم على الإسرائيليين، وهذا التّوصيف جاء على لسان المصادر اللبنانية التي تحدّثت لـ “رأي اليوم”.
إسرائيل قلقة ومرتبكة، ومثلما خسرت حرب السّفن، ستخسر “حرب الحرائق” والمعلومات المتوفّرة لدينا تقول إنّ “حزب الله” أعلن حالة الطّوارئ في صفوف قوّاته (مئة ألف مقاتل) وبات مستَعِدّاً لحربٍ إقليمية عظمى، وربّما هذا ما يفَسِّر التّحذير البريطاني المذكور آنفاً، وزيارة السيدة ليندا توماس سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة إلى تل أبيب مؤخَّراً، هناك “شيء ما” يطبَخ حالياً للبنان، من قبل واشنطن وتل أبيب بالتّعاون مع قِوى لبنانية محلية وربّما عربية أيضاً.. والله أعلم.