هذا هو نهج المستعمرين وتاريخهم .. فهل من متعظ؟
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
تاريخ الدول الاستعمارية قديمها وجديدها في منطقتنا لم يذكر يومًا ما أنها كانت حريصة على مصلحة دول المنطقة أو الأطراف التي تتدخل في شأنها الداخلي أو تستعمرها، وإنما كل حقائق التاريخ الماضية والحاضرة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك في أن دول الاستعمار كانت حريصة كل الحرص على تحقيق مصالحها وتنشيط اقتصادها، وتأمين الكيان الصهيوني وبقائه القوة الأوحد في المنطقة باستخدام قوتها العسكرية التي تتباهى بها وترى أنها القوة التي لا تضام ولا ترام.
وإذا كان الاستعمار القديم يقوم على استخدام القوة الغاشمة وتغيير الثقافات وسلخ الهويات وبذر بذور الفتن والخلافات على قاعدة “فرق تسد”، فإن الاستعمار الجديد لا يختلف عنه إلا بتزويق وجهه القبيح بشعارات تم تعريتها من جميع مضامينها ومبادئها ومعانيها، ومن كثرة ترديد اسطوانتها المشروخة أخذت الآذان تشكو الصمم، فما عاد هناك حيز لسماعها مطلقًا بعد أن أثبتت الوقائع والأحداث زيفها وكذبها، فـ (الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان وحماية المدنيين) لم تكن سوى مطارق يفتت بها تماسك المجتمعات العربية والإسلامية في سبيل تأمين المصالح الاستعمارية وبقاء الكيان الصهيوني.
والمؤلم حقًّا أن دول الاستعمار القديم ـ الجديد كانت على الدوم الأقدر على إيجاد الأدوات من الداخل لتحقيق مآربها، وحين تصل إلى مبتغاها عن طريق أدواتها تعمل على حرقها والتخلص منها، والوقائع والأحداث أيضًا تؤكد ذلك.
ولعل الأزمة السورية وما قبلها من أزمات مرت ولا تزال تفاعلاتها مستمرة في دول عربية حولتها دول الاستعمار القديم ـ الجديد إلى دول فاشلة تثبت بالبراهين والوقائع والشخوص حقيقة ذلك، حيث إن هناك الكثير من الرموز والشخوص أُتِيَ بها من المنافي والأشتات لتكون واجهة في فترة لحظية، دعت إليها ظروف معينة ثم سرعان ما تحولت تلك الشخوص والرموز إلى أوراق محروقة لا قيمة لها، ليبدأ البحث عن أوراق أُخرى لتكمل مشوار تحقيق المصالح وتأمين بقاء الكيان الصهيوني. وطبعًا هنا الحديث ليس عن حالة واحدة ونادرة وإنما المنطقة تعج بهذا النوع من الشخوص والرموز على مدى تاريخ علاقتها بدول الاستعمار القديم ـ الجديد، وما يسمى “الربيع العربي” كشف لنا الكثير عن هذه الأوراق المحروقة، وأن المستعمرين الجدد لديهم القدرة على التكيف وفق الظروف ومسار الأحداث، والقدرة على إيجاد أوراق جديدة، طالما أن الاستعداد ـ للأسف ـ موجود في الداخل والخارج لإعانتهم على التكيف والتأقلم، ولذلك ليس لدى هؤلاء المستعمرين الجدد صديق أو صاحب أو حليف أو تقديم منفعة لمن يستعمرونهم، وإنما حليفهم الأوحد هو الكيان الصهيوني، وهمهم تحقيق مصالحهم.
وتطرح الأزمة السورية ـ بحكم اشتعال أوارها بسبب التدخل المحموم من قبل المستعمرين الجدد ـ مثالًا حيًّا على هذا المنهج الأساسي والمتأصل في سياسة المستعمرين الجدد، حين حرقوا أوراقهم التي راهنوا عليها في لحظة مثَّلت مفاجأة لمن يمثلون تلك الأوراق وحدهم فقط، بعد أن جيء بهم من أشتات أوروبا والولايات المتحدة، ومُلِئت جيوبهم وكروشهم؛ لأن المستعمرين رأوا هؤلاء غير قادرين على تلبية الأهداف العليا (المصالح وأمن الكيان الصهيوني) ليس لأنهم رافضون لذلك، وإنما لأن البساط سحبته من تحت أرجلهم العصابات المسلحة والإجرامية والإرهابية والتكفيرية والظلامية، فأصبح المحرك والمسيِّر لدفة الأحداث في الداخل السوري واللاعب الأول هذه العصابات.
إن المستعمرين الجدد لم ينفكوا عن تقديم الدليل تلو الدليل على حقيقة نهجهم الاستعماري، إلا أن من المؤسف أنه لا يزال ثمة من يصر على الارتماء في عباءتهم، ويرفض الاتعاظ والاستيعاب، ولذلك فالفرصة مواتية في ظل هذا الانكشاف لحقيقة النيات الاستعمارية ضد سوريا، للتخلي عن خيار العنف والقتل بالنسبة لمن ينصبون أنفسهم معارضين ومدافعين عن حقوق الشعب السوري، وتفضيل الخيار السياسي القائم على الحوار والذي يحفظ ماء وجههم أولًا ويحقن دماءهم ودماء أبناء شعبهم وجيشهم العربي السوري واستقرار وطنهم ووحدته إن كانوا حريصين عليه كما يدعون.