هذا المستقبل الآتي وحروبه!
نشرة أفق الإلكترونية ـ
أحمد فرحات:
في 17 أبريل الفائت 2012 أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلاح تقريراً خاصاً حول الإنفاق العسكري في العالم، تبيّن فيه أن الولايات المتّحدة استحوذت على 41% من إجمالي الإنفاق العالمي. كما استحوذت الصين على 8.2% وروسيا على 4.5%.
ووفقاً للمعهد نفسه فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري لأميركا في العام 2011 حوالى 711 مليار دولار والصين 143 مليار دولار وروسيا 71.9 مليار دولار. وتؤكّد تقديرات معهد ستوكهولم أن الإنفاق العسكري سيزداد في كلٍّ من الصين وروسيا، ويراوح مكانه في الولايات المتّحدة نظراً لأزمتها الاقتصادية المفتوحة.
وإذا كان الناتج المحلي للولايات المتّحدة بحسب صندوق النقد الدولي يبلغ 14.87 تريليون دولار، فإن الإنفاق العسكري يشكل حوالى 4.8 من إجماليه. أما الصين، الدولة المرشّحة لأن تتصدّر الاقتصاد العالمي في العام 2020(قوة وأرقاماً)، والتي يبلغ الناتج المحلّي فيها 10.72 تريليون دولار، فإن الإنفاق العسكري لديها يشكل 1.28% من إجماليه. (الأرقام للبنك الدولي).
أما روسيا فقد أعلنت على لسان وزير دفاعها أناتولي سيرديوكوف أنها تخطّط لإنفاق 2.8% من ناتجها المحلّي الإجمالي على الدفاع والبالغ الآن أقلّ من 6 تريليون دولار، خلال السنوات الثماني المقبلة.
غير أن الجديد والأخطر في موضوع سباق التسلّح الروسي- الأميركي، هو ما كان أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (نشرته “نوفوستي” مؤخراً) من “إن الاختراعات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، وتكنولوجيا النانو، والبيوتكنولوجيا والأسلحة الصوتية والليزرية والقنابل الكهرومغناطيسية…إلخ، يمكن أن تؤدّي إلى إحداث تغيير ثوري هائل الخطورة في ميدان إنتاج الأسلحة.”
والحقيقة أن ما ذكره الرئيس بوتين يدخل في إطار ما يسمّيه غالبية الخبراء والمحلّلين العسكريّين في العالم بمستلزمات “حروب المستقبل”.
فلقد فرضت آليات التقدّم العلمي والتطوّر التكنولوجي المعقّد ظهور أنواع جديدة من الأسلحة أكثر فتكاً وتدميراً للإنسان، إذ من شأنها ضرب جهاز المناعة لديه، وشلّه عن القدرة والحركة فتتلف أعصابه وأنسجته الدماغية والقلبية ويموت على الفور.
في كتابها “أسلحة حروب المستقبل..بين الواقع والخيال” (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية) تستعرض الكاتبة صفات أمين سلامة أبرز ما يجري تطويره في المؤسّسات العسكرية والعلمية في الدول المتقدمة، خصوصاً في أميركا، من أسلحة ومعدات متطوّرة للغاية في مجال الروبوتات والنانوتكنولوجي والليزر والفضاء والمعلومات والموجات الكهرومغناطيسية والتقنية الحيوية…إلخ. وبخصوص الروبوت (الإنسان الآلي) ترى المؤلفة أن المخطّطين العسكريّين يعدّون هذه التقنية أول صورة من صور حروب المستقبل، وينظرون إليها باهتمام خاص لاستخدامها في الحفاظ على حياة الجنود والقادة في ميدان الحروب.. ما يعني ذلك “أن نصف وحدات الجيش في حروب المستقبل ستكون من البشر، والنصف الآخر من المعدات الآلية.”
أسلحة موجات الميكرو
ومن أسلحة حروب المستقبل، استخدام قنابل الموجات الكهرومغناطيسية، بحيث كشفت صحيفة صنداي تايمز البريطانية بتاريخ 9/9/2012 عن أن إسرائيل تمتلك مثل هذه القنابل، وربما تلجأ لاستخدامها “لتشلّ إيران وتعيدها إلى العصر الحجري”. وتصف الصحيفة هذا النوع من أسلحة المستقبل “بأنه يهاجم الضحايا من مصدر مجهول يستحيل رصده مثل أسلحة موجات “الميكرو” عالية القدرة، وتستطيع في لحظة واحدة أن تقذف بالحضارة والمدنية الحديثة مائتي عام إلى الوراء.” وتتميز الموجات الكهرومغناطيسية بميزات عدّة عن الأسلحة التقليدية أهمها أنها لا تعتمد على تفاعل كيميائي نتيجة احتراق البارود، كما هو الشأن في الأسلحة النارية، وأن هذه الموجات ستحلّ محلّ الرصاصة والقنبلة. كما تتميّز بميزة أكبر هي أن سرعة الضوء في هذه الموجات تبلغ 300 ألف كلم في الثانية، في حين أن أقصى سرعة عادية للأسلحة هي 30 ألف كلم في الساعة.”
غاز الكيمتريل
يعتبر غاز الكيمتريل من أخطر أسلحة الحروب المستقبلية وأكثرها تدميراً للطبيعة والإنسان، إذ إن مهمّته عندما يطلق من الطائرات في الهواء، هو صنع البروق والرعود والعواصف المزمجرة والأعاصير الجارفة وإحداث حتى الزلازل التي تطيح بالأمكنة ومن عليها رأساً على عقب أو عقباً على رأس… لا فرق.
وبإمكان غاز الكيمتريل من جهة أخرى نشر الجفاف والتصحّر والحؤول دون سقوط الأمطار كلياً بتحويلها إلى أماكن أخرى، الأمر الذي يدمر الأرض وما عليها من كائنات بسبب ارتفاع درجات الحرارة وحدوث الحرائق.
وهذا السلاح كان أول من اكتشفه الاتّحاد السوفييتي السابق، ثم الصين، وعنهما أخذه الأميركيون لاحقاً مطورين إياه ومطلقين عليه صفة “أقوى الأسلحة الزلزالية”. وسيكون بمقدور واشنطن في العام 2025 “التحكّم الكلّي في طقس أيّ منطقة في العالم.” حسبما يقول الجنرال الأميركي تامزي هاوس في محاضرة له نشرت على شبكة معلومات القوات الجوية الأميركية.
سلاح الليزر..وسلاح الفقراء
نقلت وكالات الأنباء العالمية في شهر مارس الفائت 2012 عن مصدر عسكري أميركي (لم تذكر اسمه) ما مؤدّاه أنه بات بالإمكان استخدام تكنولوجيا الليزر في الحروب المستقبلية من طريق أسلحة الليزر اليدوية كمسدس الليزر، وبندقية الليزر، وبندقية الليزر السريعة جداً، بسرعة تقارب سرعة الضوء في المعارك الحربية الأرضية بين الجنود المتقاتلين. وبالإمكان استخدام عصا الليزر كسلاح والتدرب عليها مثل لاعب الكونغ فو.
وتعتبر الأسلحة الكيماوية واحدة من عائلة أسلحة التدمير الشامل، لأن وظيفتها أيضاً القضاء على كلّ ما يواجهها عن، قرب وبعد، من بشر وكائنات حية. وميزة هذا السلاح أنه بمتناول جميع الدول، إذا أرادت، نظراً لسهولة تركيبه والحصول على مواده الأولية، وصنعه، ولذلك يسمونه بـ “سلاح الفقراء”.
ومن أفتك الغازات التي يحتويها السلاح الكيماوي غاز “السيانيد”(استخدم في حلبجة العراقية) وغاز “في إكس” الذي يسبب الموت في دقائق، وغاز “السارين” الذي يدمر الجهاز العصبي ويتسبّب أيضاً بالموت في دقائق وغاز الكورين الذي يأكل العيون والجلد ويدمّر الجهاز التنفسي.
طائرة في حقيبة جندي
راجت مؤخراً الحروب الإلكترونية بتأثيراتها الخطرة جداً على الدول المتقدّمة، ولاسيما الكبرى منها. ففي شهر يونيو 2011 ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قامت بإعداد استراتيجية جديدة” وضعت الهجمات الإلكترونية في مصاف الأعمال الحربية”.. وأنه صار “بإمكان الرئيس الأميركي فرض عقوبات اقتصادية، أو اتخاذ ردّ إلكتروني انتقامي، أو حتى ضربة عسكرية إذا ما تعرضت أنظمة الكومبيوتر الرئيسة مع البلاد إلى هجوم إلكتروني.
وقد جاء هذا الإجراء الرسمي الأميركي بعد الحرب الإلكترونية التي شنّتها الصين على الولايات المتّحدة، بحيث تسللت المواقع الإلكترونية الصينية في العامين 2009 و2010 إلى المواقع الإلكترونية الأميركية في القواعد العسكرية الأميركية الممتدّة، من كوريا الجنوبية إلى اليابان ثم إلى جزيرة غوام في المحيط الهادئ، وصولاً إلى قواعدها في الخليج العربي، الأمر الذي أربك منظومة خط الدفاع الأول عن الأمن القومي الأميركي والمصالح الاقتصادية للولايات المتّحدة في الشرقين الأقصى والأوسط.
وتعتبر الطائرات من دون طيار من أسلحة الحروب المستقبلية أيضاً، خصوصاً مع تطورها التقني وازدياد الحاجة العسكرية إليها.وهذا السلاح الذي تستخدمه الولايات المتّحدة اليوم في غير جبهة حربية عالمية تخوضها، بدأت دول عدّة تتهيأ للحصول عليه. وقد ذكرت دراسة أعدّتها “تيل غروب” المتخصّصة في تحليل صناعة الطائرات من دون طيار، أن حجم الإنفاق على هذه الطائرات سيتضاعف خلال العقد الجاري ليبلغ أكثر من 12 مليار دولار.
وبما أن تكلفة تكنولوجيا الاستطلاع والمراقبة بطائرات من دون طيار، قد انخفضت كثيراً بعدما أصبح بمقدور الحكومات أن تشتري هذه السلعة بشكل مباشر من الشركات المصنّعة، بدلاً من امتلاك برامجها الخاصة، فإن الجيش الأميركي وقّع عقداً مؤخراً مع شركة “آيروفيرونمنت” لتزويده في أقرب وقت بعدد غير محدّد من طائرات صغيرة محمولة بلا طيار، صامتة وقادرة على تدمير هدفٍ بالاصطدام به وتفجير شحنة تحملها. وتبلغ زنة هذه الطائرة ما لا يقلّ عن 2 كلغ، ويمكن حملها في حقيبة جندي.
هكذا إذاً تتطوّر أسلحة الجيوش الحديثة كأدوات قتل وتدمير، بتطوّر العلوم وأنساق التكنولوجيا؛ ومثل هذا التطوّر السلبي يفرض نفسه على كلّ الدول التي تتصارع في ما بينها دفاعاً عن مصالحها… كلّ دولة طبعاً من موقعها وبحسب قدراتها.
وإذا كان فلاسفة هذا العالم وحكماؤه، منذ القدم وحتى اليوم، لم ينجحوا في إيقاف عادة الحروب والقتل والتدمير بين الأمم.. فعلى الأقل ذهب بعضهم إلى الكلام على أن السلم بين البشر، لا يتحقق إلا بتوازن الرعب بين الدول الكبرى، وبخاصة منها تلك التي باتت اليوم تقتني أسلحة ما بعد التدمير الشامل..
و قديماً قيل على لسان يوليوس قيصر: إذا أردت السلام فاستعدّ للحرب.