«نيوزويك» تنشر تقريراً ثانياً عن التجسس الإسرائيلي
مرة أخرى وخلال أقل من أسبوع تتهم جهات استخبارية أميركية إسرائيل بالتجسس الفظّ والخطير عليها. وقد نشر موقع مجلة «نيوزويك» الأسبوعية هذه الاتهامات في تقرير ثان يتحدث حتى عن محاولات تجسس إسرائيلي على نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور أثناء زيارته إلى إسرائيل في العام 1998. وترى مصادر إسرائيلية أن هذه اتهامات باطلة مدفوعة بنزعات معادية للسامية وأنها تأتي في وقت مشبوه ولأغراض معينة. وثمة في إسرائيل من يعتقد بأن هناك حربا أو حملات تشن من أوساط معينة داخل أميركا ترمي لتخريب العلاقات مع إسرائيل.
ويشكل تكرار نشر مقالات من هذا النوع في الصحافة الأميركية، برغم الإنكار والغضب الإسرائيلي، نوعا من التأكيد على تراجع مشاعر الخشية من مهاجمة إسرائيل. ومعروف أنّ المقالة السابقة استندت إلى أقوال مسؤولين في الإدارة وفي الكونغرس الأميركي.
وذكرت «نيوزويك» في تحقيق جديد لها، نشر أيضاً الأسبوع الماضي، أن إسرائيل تمارس التجسس ضد أميركا بـ«أشد الأشكال فظاظة» لكن ما يحول دون معاقبتها وجود جهات نافذة في الإدارة الأميركية تغطي على هذه الممارسات وتعامل إسرائيل بقفازات من حرير. وتحدثت المجلة عن أنه في العام 1998 أثناء زيارة لنائب الرئيس الأميركي حينها آل غور إلى القدس المحتلة زرعت إسرائيل عميلا سريا في غرفته «تخفى في أنبوب التهوية». وروى ضابط استخبارات أميركي رافق آل غور في زيارته أنه سمع ضوضاء من الأنبوب، ولاحظ أنه مفكك من الداخل، وحينها رأى شابا يحاول الخروج منه باتجاه الغرفة. وبحسب كلام الضابط الأميركي فإنه لم يشهر سلاحه وإنما تنحنح ما دعا العميل الإسرائيلي للفرار من الجهة الأخرى.
وأشارت «نيوزويك» إلى أن هذه الحادثة تشهد على علاقات «صداقة ـ عداء» وصفتها الصحيفة بـ«frenemies» بين إسرائيل وأميركا ولكنها لا تمثل حادث تجاوز الخطوط الحمراء الأول من جانب إسرائيل لكن الإدارة الأميركية أخفت القصة، حتى لا تثير الإسرائيليين.
وهذه هي القصة الثانية التي تنشرها «نيوزويك» خلال أسبوع حول التجسس الإسرائيلي. وقد أنكرت إسرائيل الاتهامات بأنها تتجسس أمنيا وصناعيا وتكنولوجيا. ولكن «نيوزويك» تنقل عن مصادر أميركية رفيعة المستوى قولها إن عملاء قدامى من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومن مكتب التحقيقات الفدرالية وضباط جيش يؤكدون هذه التقارير. ويرد هؤلاء على اتهامات إسرائيل لمن يشيع هذه التقارير باللاسامية بالقول إنّ «هذه ليست اتهامات لاسامية. المشكلة هي أن الإسرائيليين يعاملون بقفازات من حرير. لو أن اليابان أو الهند تبلغ هذا المستوى من التجسس، لكانت فضيحة».
وتشير المقالة إلى خوف المسؤولين في الاستخبارات الأميركية من اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس وفي الصناعات ما يدفعهم للحذر عند تقديم التوجيهات والتقارير. وتنقل عن ضابط قوله «كنا حذرين جدا بشأن الألفاظ التي نستخدمها عند تحذيرنا لجهات رسمية أميركية. فقد كنا نتلقى دوما مكالمات هاتفية من أعضاء كونغرس غضبوا من تحذيراتنا الأمنية من السفر إلى إسرائيل».
ويؤكد مصدر استخباري أميركي آخر أنه جرى مرارا توبيخ ديبلوماسيين إسرائيليين، لكنهم لم يغيروا أساليبهم: «ليس بالوسع إحراج إسرائيلي. إذا ما ضبطتهم متلبسين، فإنهم يهزون أكتافهم ويقولون: حسنا، وماذا بعد؟».
ويتحدث ضباط استخبارات أميركيون آخرون عن أن إسرائيل تحاول انتزاع معلومات من جهات عسكرية، ومن مسؤولين في الصناعات الفضائية الأميركية أو من علماء بارزين. ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل تعقد مؤتمرات في أميركا وتدعو كبار المسؤولين لزيارة إسرائيل لأغراض التجسس الصناعي. وتنقل «نيوزويك» عن أحد قدامى رجال الاستخبارات الأميركيين قوله إنّ «هدفهم هو دفع رجال هامين في أميركا للوصول إلى إسرائيل، ليسقونهم الخمر، ويطعمونهم، ويرون نقاط ضعفهم. هناك جهات حكومية أميركية وصلت لإسرائيل وعرض عليها مخدرات: هل تريد تدخين ماريجوانا؟ وأمور من هذا القبيل. والإسرائيليون يلقون عليك بكل شيء من النساء اللواتي يصلن إلى غرفتك في الفندق، بغض النظر عن رفعة مستواك».
وقالت «نيوزويك» إنّ هذا التوبيخ تم مرات عدة بعد تعهد إسرائيل إثر فضيحة قضية بولارد في أواسط الثمانينيات بعدم التجسس في أميركا. وأكدت استدعاء الديبلوماسيين الإسرائيليين «عشرات المرات» ومطالبتهم بالكف عن أعمال التجسس ولكن من دون جدوى وبغض النظر عن شدة التوبيخ.
وكتب رون بن يشاي في موقع «يديعوت أحرونوت» أن مقالتي «نيوزويك» عن التجسس الإسرائيلي تثبت لكل من يعرف واشنطن أن «تفسير الأميركيين للوقائع أو للأحداث المتصلة بالأجانب تكون أحيانا مشوهة وخاطئة، وأن لرجال الاستخبارات الأميركيين ميل للحكم على أفعال الآخرين كما لو أنها تتم على أيدي أميركيين ولذلك فإنها مشوبة بالخلل».
وأضاف بن يشاي أنّ «الاستخبارات الأميركية، التي تتنصت على كل قول على وجه الأرض، تميل لأن تنسب لنا القدرة ذاتها، خصوصا عندما يخدم ذلك أهدافها. والبرهان الأفضل هو تحديدا حادث التجسس المزعوم ضد نائب الرئيس آل غور، الذي استهل به جيفري شتاين مقالته (في نيوزويك). وقد اقتبس كلام رجل الاستخبارات الأميركي الذي كان يحرس غرفة آل غور في فندق «الملك داود» وفحص ما إذا كانت قد زرعت فيها أجهزة تنصت». واتهم بن يشاي كاتب المقالة بنشر روايات «هوليودية» عن التجسس الإسرائيلي.
حلمي موسى – صحيفة السفير اللبنانية