نذالة النبلاء وجدائل الدم مع السكين .. ماذا بعد السوخوي؟؟
صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948 _
نارام سرجون:
نارام سرجون:
ليس هناك أصعب من أن تضفر النبل مع النذالة .. لأنك يمكن ان تجدل الماء بالنار ويمكنك أن تجدل شعاع الشمس مع ضفائر الليل وأن تجدل الدم النازف مع السكين .. ولكن لايمكنك أن تجدل النذالة مع النبل .. يحيث تتماهى حدود النذالة وتتداخل مع حدود النبل .. ولكن العالم الوحيد الذي يمكن فيه أن تجد فيه ضفائر النذالة والنبل هو عالم السياسة الغربية حيث يمكن أن يجدل اسم الله مع اسم الشيطان باسم الحرية والثورة .. وتصنع من دماء الناس والسكاكين ضفائر تزين بها صناديق الانتخابات في بلادنا .. فبالرغم من بريق كلام الغربيين السياسي واصرار أصحابه على التظاهر بالتزامهم ذروة القمم الأخلاقية فان السياسة الغربية هي احدى الوسائل التي يمارس فيها الغرب شكلا من اشكال نذالة النبلاء ونبل النذالة .. حيث يصبح اللهو الخسيس بجثة العقيد القذافي التي تركت عمدا للمجانين الاسلاميين ثأرا نذلا للنبلاء الغربيين .. ويصير التشفي بمنظر اعدام الرئيس صدام حسين عملا نذلا يقوم به النبلاء الغربيون باسم الشيعة والأكراد .. ويصبح انقاذ الشعب السوري على يد ملك وهابي وأمير جاهل عملا نبيلا يقوم به الأنذال ويصفق له ذات النبلاء .. وهذا الخليط من النذالة والنبل هو أسوأ ماأنتجته أخلاقيات البشر .. وفي هذا الجو من لقاء “نذالة” النبلاء مع “سادية” قيم الديمقراطية الغربية و”مازوشية” الحرية للثوار العرب الاسلاميين كان اجتماع أنطاليا مثالا على سخرية القدر .. حيث اجتمع قادة داعش الحقيقيون مع أعداء داعش الحقيقيين في التقاء الأنذال مع النبلاء ..
كان اجتماع أنطاليا مثيرا للسخرية ولاينقصه الا سخرية الراحل معمر القذافي الشهيرة وتهكمه من قمم الجامعة العربية الكوميدية التي كانت لقاءات وكلاء اسرائيل مع أعداء اسرائيل .. حيث كان الوكلاء يحضرون القمم من أجل شرب القهوة والتوقيع على مقررات يعرفون أنهم لن ينفذوها .. وكانوا بعد المؤتمر وهم في رحلة العودة في الأجواء يتبرؤون مما صدر عنهم وينكثون بالعهود والمواثيق ويخذلون حتى الحبر الذي كتبت فيه قرارات القمم رغم أن بعض العهود كانت لاتسمن ولاتغني ولكنها مليئة بالصوتيات والمفرقعات ..
وفي مؤتمر أنطاليا كان أكثر مايثير السخرية والاستهزاء هو حضور ملك السعودية وسلطان بني عثمان الى مؤتمر لمحاربتهما شخصيا لأنهما هما من يملك مزارع الارهاب .. وسيكون أحدنا ساذجا اذا فكر أن مؤتمرا كهذا بيمس داعش أو النصرة .. وسيكون مغفلا من يظن أن هناك عداوة بين البغدادي وملك الوهابية سلمان أو بينه وبين سلطان بني عثمان .. بل ان الملك والسلطان مدينان للبغدادي بالكثير .. ومافعله لهما سيبقى دينا في عنقيهما .. فماذا يساوي ملك السعودية من غير داعش والقاعدة؟؟ انه كيس مملوء بالمال والزيت فقط .. وماذا يساوي أردوغان في المعادلة الشرق أوسطية من غير داعش وأخواتها القاعدة والنصرة وأحرار الشام وبيت المقدس؟؟ وماثمنه في السوق الدولية اذا سقطت داعش والنصرة؟؟
هناك سؤال خاطئ آخر عن قيمة أبي بكر البغدادي من دون دعم أردوغان .. لأن أردوغان في الحقيقة لايساوي شيئا من دون البغدادي الذي أكسبه أهمية وورقة يفاوض بها .. ان هذه المنظمات الدموية هي أصابعه القذرة التي ينشرها من ليبيا الى العراق ويمسك بها أوراق المقايضة .. ولذلك فان أبا بكر البغدادي كان يقول لأرواح الضحايا في باريس وللضحايا اللاحقين في كل مكان وهم ينتظرون مؤتمر أنطاليا لقمة العشرين:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر العشرون جرّاها “ويختصموا “..
ومن هنا يجب ان نعرف أن الروس الذين حضروا المؤتمر يعرفون أن البغدادي والجولاني يطمئنان كثيرا للمؤتمرات ويحبانها لأنها هي التي تجعلهما تدريجيا بطلين في عيون أتباعهما .. وخاصة البغدادي الذي يرى معجبوه أن عتاولة الغرب والشرق منشغلون بهذا الخليفة القوي الذي يتحداهم ويتمدد .. فيجند بهذه المؤتمرات مزيدا من المحاربين والقتلة .. وهذه المؤتمرات هي التي تمد في عمره وعمر دولته وجرائمها .. ولاتستغربوا أن يكون البغدادي من أسعد الناس بالمؤتمرات التي يحضرها ملك السعودية وسلطان تركيا والارهابي الأكبر أوباما .. فالمؤتمرات عمليا تتم لحمايته عبر اصدار قوانين مهدئة ومخدرات سياسية لأن العالم يعمل على استئصاله ولكنه عاجز .. فهذه المؤتمرات قد تستدرج أعداءه من الروس الى المساومات والتبريد ريثما تتغير الظروف .. ولايخشى البغدادي والجولاني وكل المعارضات المسلحة كل المؤتمرات طالما أنها تتم في مخافر داعش الخلفية في تركيا أو اي عاصمة أوروبية ..
وأهم تعبير يخفي الحرص على البغدادي في لعبة الحذلقة اللفظية والديبلوماسية هي (العداء لداعش مع التمسك برحيل الأسد) .. فباطن هذه العبارة هو (التمسك ببقاء البغدادي) .لأن رحيل الأسد يعني وصول زمن البغدادي … فأصحاب هذا الشعار باسقاط الأسد يتعلقون بمعجزة لن تحدث كشرط حتى يحاربوا داعش .. وهي من ناحية أخرى عبارة تعني أن داعش ليس العدو الأول لهم بل الأسد .. وهي ترجمة خفية لمعادلة (عدو عدوي هو صديقي) .. فعدو الأسد هو البغدادي .. والأسد عدو البغدادي ولكن التمسك (باسقاط الأسد) تعطي ضمنا صفة الصداقة التحالفية مع البغدادي ..
ولكن الروس الذين حضروا الى المؤتمر يعرفون أنه مؤتمر لن يمس البغدادي بسوء بسبب العصابة الغربية التي تحميه والتي لن تتخلى عن هذا الجيش الذي يؤدي لها كل المهام القذرة وأن أفصى ماتفعله هي تقليم أظافره التي تصل الى اوروبا وضربه كلما أخطأ في الحركة .. والروس الذين كانوا في المؤتمر كانوا على الأرض في أعنف هجوم يقصم الظهر الداعشي .. فالمعلومات والتقارير تتحدث عن أن القوى المسلحة من جميع القوى الاسلامية التكفيرية المقاتلة تتعرض عظامها لعملية تحطيم وطحن بطيء .. وصار الجسم العسكري لها لينا بعد أن كان تركيز الروس الشديد على تدمير كل مستودعات الذخائر وتقطيع طرق الامداد .. وحسب عسكري روسي فان آلاف الضربات الجوية المركزة المعتمدة على دقة استطلاع وتجسس وتنصت وتقاطع معلومات استخبارية بين عدة دول قد حولت جسم المعارضة وداعش الى رخويات بعد ان تم تحطيم الجسم التسليحي الصلب والذي كان مثيرا للدهشة من شدة سخاء الدعم الغربي والتركي به ..
وهنا يأتي توقيت زيارة الرئيس بوتين الى ايران .. فالرجل لم يذهب لشراء سجاد ايراني ولايورانيوم .. بل يلاحظ أنه ذهب مباشرة عقب لقائه قادته العسكريين الذين أبلغوه أن القوى المسلحة الارهابية على الأرض تم تليينها عسكريا وتذويب نواتها الصلبة .. وأنه جاء وقت العملية البرية الكبرى للجيش السوري وحلفائه الذي سيكون وجها لوجه مع الأتراك في الشمال السوري .. ولابد من دخول قوات برية حليفة لموازنة التأثير التركي .. ولذلك كان تصريح بوتين بأن بلاء القوى الجوية الروسية كان ممتازا ولكنه ليس كافيا .. أي هناك مرحلة ثانية يجب المباشرة فيها لانجاز المهمة وأغلب الظن وفق تحليلات ودراسات رصينة لزيارة بوتين الى ايران أنها المرحلة البرية التي ستقوم بها قوات برية ضخمة مكونة غالبا من الجيشين السوري والايراني (تحت غطاء جوي روسي هو الأضخم من نوعه) اللذين سيتكفلان بالعمل البري والوصول الى الحدود لأن عملية انتشار المسلحين على امتداد سورية والعراق مع اسناد وامداد ودعم تركي وغربي سيجعل الحاجة أكبر لقوى برية كثيفة لاتكفي لها القوات السورية المنتشرة على مساحة سورية كلها مما يقلل من كثافتها في الهجوم على مواقع تركية متقدمة تتصرف باسم قوى اسلامية .. وهذا هو غالب الظن سبب زيارة بوتين لايران للتحضير لعملية برية سورية ايرانية بغطاء جوي روسي كثيف تم استحضار المزيد من الطائرات له .. والحاق أكبر هزيمة بالقوى المسلحة الموالية للغرب التي تعمل كجيش سري للناتو ..
الآن ربما صار واضحا سبب دخول الروس الذكي بشكل مباشر بسلاحهم وتحت علمهم .. فالقوى الغربية كانت تريد لهذه القوى الاسلامية أن تجتاح المنطقة وأن توجه طاقتها نحو مصالح روسيا والصين في مرحلة لاحقة .. واذا ماقدم الروس السلاح المتطور للجيش السوري ليحارب به سيكون هذا ذريعة للولايات المتحدة بالتدخل بحجة أنه كسر للتوازن مع اسرائيل كما أن تركيا قد تعتبر أن بامكانها التحرش لافساد عمليات الجيش السوري بالسلاح الروسي .. ولكن دخول السلاح الروسي تحت العلم الروسي وبقوى بشرية روسية لايمكن للولايات المتحدة اعتباره كسرا للتوازن مع اسرائيل كون السلاح لايزال في عهدة الروس .. كما أن تركيا ستنكفئ وذيلها بين فخذيها كالكلب الأجرب دون أن تجرؤ على التدخل المباشر ضد أهداف روسية تحمل العلم الروسي .. الا اذا كانت تريد حربا مع روسيا ..
والحقيقة أن هناك سوء تقدير غربيا واضحا للموقف الروسي كما قال لي سياسي بريطاني .. فالبريطانيون مثلا يعولون على ثني الروس عن مشروعهم عبر الضغط عليهم في أكثر من مكان .. فهناك من يرى منهم ان الروس يفعلون مايفعلون في سورية لأنهم يريدون استعادة أوكرانيا لاسورية .. فالروس يضريون حلفاء الغرب في سورية كي يترك الغرب حلفاءه في أوكرانيا للروس اذا ماتمت صفقة .. وهناك من يروج أن المشروع الكردي في الشمال السوري يتم بالاتفاق مع الروس الذين سيسمحون بكيان كردي في الشمال اذا ماتم تقويض الكيان الداعشي والمنظمات الشيشانية المنخرطة في الحرب السورية ..
وكل هذا التشويش والتسريب في الحقيقة لايزال ضمن سياق تغيير وجهة الحرب الاعلامية دون تغيير الهدف النهائي للناتو وهو القبض على سورية بأي ثمن .. فالحرب الاعلامية أمضت خمس سنوات تتكهن كل اسبوع بتراجع الروس ونفض أيديهم من الحكم الوطني السوري وبيع كل تاريخهم وعقاراتهم السياسية في سورية .. واليوم يخترعون معادلة تقسيم سورية أو مقايضة أوكرانيا بسورية .. الا أن الواقع يكذب هذه التفسيرات لأن الروس دخلوا الى المعركة بأنفسهم ولو أنهم كانوا يريدون أوكرانيا مقابل سورية لأبرموا الصفقة دون الدخول الى الحرب بأنفسهم .. كما أن خسارتهم لسورية اليوم بعد دخولهم العسكري وربحهم لأوكرانيا لاتحميهم من خسارة أوكرانيا بعد فترة مع عدو غربي جشع محتال لايملأ بلعومه الا ابتلاع كل شيء .. بل ان دخول روسيا الى سورية هو الطريق لاخراج الغرب من أوكرانيا .. وليس العكس .. لأن اضعاف الغرب في سورية سينعكس عليه ضعفا في أوكرانيا أيضا .. وعلى العكس فان قوته في الملف السوري تقوّيه في أوكرانيا .. أما الرهان على الشمال الكردي على أنه بموافقة روسية فانه استنتاج ضعيف لأن الكيان الكردي اذا كان مستقلا تماما فهو سيكون مواليا للغرب وليس لروسيا وهذا يعني فشل روسيا في ابعاد الوجود الغربي عن المجال الحيوي لها .. وأما مصير المنطقة الكردية فسيترك للصراع بين تركيا والغرب لأن الغرب راغب في وجود كيان كردي الا أن تركيا ستمنع ذلك بكل الوسائل .. وسيجد الأكراد أن أفضل صيغة لهم ستكون بعيدا عن تركيا وأقرب الى سورية لأنه لايوجد تاريخ للعداء السوري الكردي كما هو في الحالة التركية الكردية المعمدة بالدم والخراب الذي صنعه الأتراك بالأكراد .. وهذه الصيغة ليست على الطريقة العراقية البرزانية حيث هناك شبه انفصال واستقلال .. ولكن في سورية فأقصى ماتسمح به حساسية تركيا المفرطة تجاه الأكراد هو حكم اداري تحت الادارة السورية المباشرة كي لايتمدد الانفصال الكردي الى الجسد التركي ..
يبدو التحالف السوري الايراني الروسي قد دخل منعطفا مهما جدا ولن يمكن ايقافه وهو يجرف “الثورة السورية” ويجرف داعشها معها وعصر النذالة الغربية .. وبالرغم من ان حجم القوة التي اظهرتها روسيا ومقدار البأس والرعب في قوتها العسكرية فاجأ الكثيرين فان الأيام القادمة ستكون في نظر البعض (شيئا لايصدق) .. ولايمكن لهذه القوة التي تتحرك أن تكون الا من أجل سحق كل الأصابع الغربية التي أرادت أن تعبث بالعالم ومصالح العالم .. وأخلاق العالم .. واليوم يجب أن يستعيد العالم أخلاقه النبيلة .. ويرمي اخلاق النذالة البيلة التي كرستها الوحشية الغربية التي لايعنيها كم مليونا من الأرواح زهقت بقدر كم تتحول الى رصيد بنكي ونفطي ورصيد قوة شريرة ..
اننا ندخل مرحلة الفصل بين النذالة والنبل .. ومرحلة دحر نذالة النبلاء ونبلاء النذالة .. وقصم ظهورهم .. حيث يسود منطق الفرسان النبلاء الذين سينظفون الشرق من فلسفة الأنذال .. والرجال الأنذال .. والثوار الأنذال ..