مُعضلة الكهرباء: رفع التعرفة دون إصلاحات جريمة جديدة
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
يعاني لبنان منذ عقود من أزمة مزمنة في مجال الكهرباء حيث تعتبر المشكلة الأبرز بين كل المشاكل الأخرى في شتى القطاعات. لذلك، يعتبر إصلاح هذا القطاع على سلم أولويات الإصلاحات الموعودة التي يتغنى بها كل من تعاقب على الحكم في لبنان من دون أي تنفيذ يذكر. وكذلك اشترط صندوق النقد الدولي على لبنان أن يبدأ اصلاحاته أولًا من معالجة هذه الأزمة المستعصية بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها كل الحكومات المتعاقبة. بناء على ذلك، ينتظر المواطنون اللبنانيون أن تنعم عليهم حكومتهم في وضع خطة متكاملة للكهرباء قابلة للتنفيذ بشكل فوري لتوفّر عليهم ما يدفعونه من مستحقات باهظة كبدل لاشتراكات مولدات باتت أمرًا واقعًا يفاقم من أزمتهم المعيشية.
اقتراحات وزير الطاقة مبنية على رفع التعرفة من دون اصلاحات
ما خرج من اقتراحات عبر معالي وزير الطاقة اللبناني لا يبشر بالخير. الوزير وليد فياض أرسل اقتراحه الى مؤسسة كهرباء لبنان طالبًا منها زيادة التعرفة على المواطنين بنسبة تتراوح بين 16 ضعفًا و36 ضعفًا، واعدًا اللبنانيين بتغذية كهربائية قد تصل بحدها الأقصى إلى 10 ساعات يوميًا، وذلك بعد القيام بعدة إجراءات تبدأ باستغلال النفط الخام العراقي الذي قد يؤمن 400 ميغاواط وتستكمل باستيراد الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا والذي ينتظر الموافقة الأميركية المسبقة وقد يؤمن بأحسن الأحوال حوالي 600 ميغاواط.
إذًا، قرر الوزير زيادة التعرفة بشكل كبير جدًا من دون أي إصلاحات حقيقية تذكر في هذا القطاع، وهذا يعتبر اجحافًا كبيرًا بحق المواطنين اللبنانيين الذين ينتظرون حقوقهم بالحصول على تغذية كهربائية كاملة من خلال خطة إصلاحية واضحة يبدو أنها لن تبصر النور في بلد يفضل حماية الكارتيلات والمستفدين من انقطاع التيار الكهربائي على حساب مصلحة كل الشعب اللبناني ومصلحة الاقتصاد الوطني الذي لا يمكن أن ينهض من دون خطة تعافٍ اقتصادي شاملة تبدأ بحل المشكلة المزمنة المتعلقة بالكهرباء.
بالأرقام: الفاتورة الكهربائية سترتفع بشكل جنوني
بناء على اقتراحات الوزير سوف يطرأ تغيير كبير جدًا على قيمة فاتورة الكهرباء حيث سترتفع قيمة الرسوم الثابتة من حوالي 10 آلاف ليرة شهريًا إلى 288 ألف ليرة، وكذلك سترتفع التعرفة الصناعية لكل كيلواط من 115 ليرة إلى حوالي 4000 ليرة، مما سيرتب على المواطن عبئًا ماليًا إضافيًا لأنه في هذه الحالة مضطر لدفع رسوم تعرفة لكل من اشتراكات المولدات ومؤسسة كهرباء لبنان من دون أي ضمانة حقيقية في تحسن التغذية الكهربائية. كل ما يبني عليه الوزير من مقترحات مرتبط أساسًا بالنفط العراقي الذي لم يحسن التغذية الكهربائية منذ شهور الى اليوم بفعل المماطلة اللبنانية خدمةً لمصالح الكارتيلات عدا عن وجود شبهة سمسرات في هذا الملف، وكذلك مرتبط بالقرار الأميركي بموضوع الغاز المصري الذي تماطل الادارة الأميركية فيه من أجل استغلاله في تحقيق مكاسب سياسية لها علاقة بعدة استحقاقات في الداخل اللبناني. لذلك تعتبر هذه الخطة غير واضحة المعالم في مجال التغذية الكهربائية مما يعني أن المواطن سيدفع ثمن خدمة غير كاملة بالأساس ولا حتى سهلة التنفيذ في ما يخص الـ 10 ساعات تغذية يوميًا.
الاصلاح الجذري هو الحل الوحيد
لا يمانع معظم اللبنانيين زيادة تعرفة الكهرباء إلى النسب المشار إليها في الخطة المقترحة، ولكن بشرط أن يكون إصلاح الكهرباء شاملًا ومتكاملًا، علمًا أن هناك عروضًا جادة قدمتها عدة جهات دولية في هذا المجال من عروض روسية وايرانية والمانية وغيرها، يمكنها أن تساعد لبنان في القيام بمعالجة جذرية لملف الكهرباء مما يسمح بتأمين تغذية 24 على 24 ساعة يوميًا. وهذا الاصلاح الشامل هو شرط أساسي قبل أي زيادة محتملة لأنه في هذه الحالة سيفيد المواطن الذي سيوفر دفع بدل اشتراك مولدات شهريًا، من جهة، وسيفيد الدولة من جهة أخرى، التي يمكنها أن تحقق ايرادات ضخمة تنعش الخزينة. أما الحلول المنقوصة فستفاقم الأزمة على المواطن والدولة على حد سواء.