من يردع العدو؟
الحديث عن هجوم اسرائيلي جديد على سوريا، لا يزال في اطار الاخبار غير المحسومة من نواح كثيرة. اولها ان كان الهجوم قد حصل فعلاً، لأن معظم الاخبار صادرة عن جهات في المعارضة السورية، ومسرب عبر وسائل اعلام غربية. حتى اسرائيل نفسها، التي تمتنع عادة عن تبني اعمال ترتب عليها مسؤولية معينة، لجأت الى المعالجة الاعلامية من خلال نشر تقارير منسوبة الى الاعلام الغربي، ونقلاً عن جهات معارضة في سوريا، لكن ذلك لا يلغي حقيقة ان طريقة تعامل الاعلام في اسرائيل مع الحدث، يمكن فهمها على انها نوع من التبني غير المباشر للعدوان.
وهي عادة اسرائيلية متبعة. كذلك هناك تفاصيل تتعلق بنوعية الهدف الذي اصابه الهجوم، وهل هو عبارة عن منشأة خالية ما يجعل العدوان عبارة عن رسالة سياسية في وجه حالة «الانتشاء» التي عاشها المحور الذي يضم سوريا بعد فشل عملية اسقاط النظام وتراجع الغرب واميركا عن العدوان، ام هو سلاح بري متقدم يستهدف الجيش السوري مباشرة، ويرمي الى رفع معنويات معارضيه، ام ان الهدف يتعلق بأسلحة متطورة تقول اسرائيل ان سوريا تقوم بنقلها الى حزب الله في لبنان، وهو ما استدعى رسالة عاجلة الى النظام والى الحزب معاً.
في كل الحالات، نحن امام واقعة تحتاج الى التثبت من كثير من عناصرها. وهو أمر لا يقلل من شأن النقاش حول كيفية تعامل اسرائيل مع الازمة السورية في الاشهر القليلة الماضية. وهي واقعة، تعيد النقاش الدائم حول منظومة الردع التي يجب توافرها في سوريا لمنع اسرائيل من الاعتداء، او حول رد سوري مطلوب او محتوم على مثل هذا العدوان.
لنحسم، اولاً، جدلاً سيبقى قائماً وساخناً، وفيه من الكيدية ما فيه من العفوية ايضاً. ولنقل ان سوريا لم تنتقل الى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة مع اسرائيل. وهو ما يجعلها في نظر كثيرين دولة ممانعة، لكنها ليست دولة مقاومة. وان كانت المعطيات والتفاصيل الهائلة عن دور سوريا في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، تسمح بقول العكس، لكن التعريف ينطلق من كون فعل المقاومة المباشرة لم يجر على أرض سورية او بأيد سوريا خلال العقود الاخيرة.
لكن النقاش الواقعي والمنطقي، يفترض طرح اسئلة واضحة لفهم ما يجري. وفي هذه الحالة، ليس مفيدا التوقف كثيرا امام كل «ادعاءات وتعليقات» عملاء للاحتلالات الاميركية والاسرائيلية او الغربية لعالمنا العربي، او من قبل اصوات عربية وحتى سورية لم تخجل من المطالبة بحصول عدوان اميركي على سوريا أخيراً.
السؤال الاساسي هو حول منظومة الردع لدى محور المقاومة. وفي هذه الحالة، يكون الكلام موجها ليس الى سوريا وحدها، بل الى ايران وحزب الله وقوى المقاومة كافة. وهذا يعني ان ردع العدو، لن يقتصر على سوريا فقط. وذلك ربطاً بكون ملف سوريا لم يعد يعني سوريا وحدها. ومشاركة ايران وحزب الله في المعركة مع الحكم في سوريا، تثبت القاعدة بأن الامن الاجمالي لا يخص دولة سوريا، بل حتى دول ايران والعراق ولبنان ومصالح هذه الدول وهذه القوى.
الامر الآخر، هو ان الولايات المتحدة نفسها، كما اسرائيل وبقية اطراف المحور الذي يخوض معركة اسقاط حكم الاسد، يتصرف على اساس انه يواجه محورا في المقابل، ولا يواجه سوريا وحدها، لذلك فان اي خطوة يبادر اليها اعداء سوريا انما تأخذ في الاعتبار موقف وردود فعل اطراف المحور المقابل.
اضف الى ما سبق، ان غالبية الاهداف التي ضربتها اسرائيل (من خلال عمليات اغتيال امنية او غارات جوية) في سوريا خلال العقد الاخير، انما استهدفت المصالح المباشرة لقوى المقاومة، سواء ما خص حزب الله او حماس او حتى منشآت صاروخية لايران علاقة ما بها.
كل ذلك يدفع الى القول بان منظومة الرد او الردع لا يمكن رسمها وتخطيطها وتوفير عناصرها وتنفيذها من قبل الحكم في سوريا وحده، بل من خلال هذه الاطراف مجتمعة. واذا كانت اسرائيل ومعها الولايات المتحدة والغرب او بعض الدول الاقليمية مثل تركيا (قبل اشهر) والسعودية (امس واليوم وربما غدا) تواجه ازمة حقيقية في توجيه ضربات مباشرة الى ايران، او الى حزب الله، او حتى الى قوى المقاومة في فلسطين، فهي تتصرف على اساس ان سوريا تمثل اليوم نقطة الضعف في هذا المحور، وان واقع الساحة السورية يتيح توجيه مثل هذه الضربات، على قاعدة تقدير بأن الرد لن يكون حتميا. وهذا يأخذ في الاعتبار ان اسرائيل تعرف ان حجم ونوعية الضربات التي تريد تنفيذها في سوريا يمكن ان يحصل من دون رد حتمي.
لكن لماذا لا يكون الرد؟
كل التبريرات السياسية او الامنية او الاخلاقية لا تفيد في هذا المجال. لكن واقع الحال، هو ان مبدأ ترتيب الاولويات لدى اي طرف في العالم، يفرض مترتبات، من بينها الصبر على خصم او عدو، مثلما قد يفرض في لحظة اخرى المواجهة المباشرة. وباختصار شديد: ان اولوية المحور الذي تمثل سوريا عنصرا مركزيا فيه، واولوية الحكم في سوريا، تفرض عدم الوقوع في لعبة الاستدراج نحو مواجهة يوقت العدو زمانها ومكانها. والاهم ان ذلك يحصل، فيما يجري العمل، ومن دون جدول زمني محدد، على خلق منظومة الرد او الردع. وبقية الكلام، مراجل بمراجل!
صحيفة الأخبار اللبنانية –
ابراهيم الأمين