مناورات سورية روسية مشتركة… أيّ رسائل؟
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
تتوجّه الأنظار حول إعادة توتّر الأجواء بين روسيا وأميركا مجدّداً حيال مُسيّرات أميركية تنتهك أجواء التدريبات الروسية السورية المشتركة، ومقاتلات روسية تتدخّل لاعتراضها، أيّ رسائل عسكرية سياسية تريد إيصالها روسيا وسورية لـ «إسرائيل» وأميركا؟
تصعيد لا ينفصل عن أجواء التوتّر التي أشاعتها قوات الاحتلال الأميركي حيال أجواء التدريبات الروسية السورية، والذي كاد أن يصل إلى درجة الصدام ما بين طائرات حربية روسية وأخرى أميركية مُسيّرة، وبحسب مصادر إعلامية مطّلعة تقول قيادة العمليات الأميركية في الشرق الأوسط إنّ ثلاث مقاتلات روسية اعترضت مُسيّرات أميركية شمال سورية في مناورة غير آمنة، بينما تردّ وزارة الدفاع الروسية بأنّ المسيّرات الأميركية انتهكت أجواء التدريبات السورية الروسية المشتركة.
طبعاً لا أحد يرغب بالصدام أو الاحتكاك العسكري المباشر بين هاتين القوتين الروسية والأميركية لما فيه من مآلات عسكرية خطيرة، ولكن زيادة العدائية التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه روسيا، مقابل عمليات الاستهداف للدوريات الروسية في الأراضي السورية، وفق روسيا، قد تكون أشدّ خطورة بالنسبة للولايات وما تحمله من تبعات إضافية حول توتّر مفتعل أميركي قضّ مضاجعه مع فصيل ما يسمّى «جيش سورية الحرّة» في قاعدة التنف خلال تدريبات أميركية جاءت بالتزامن مع التدريبات الروسية السورية المشتركة، لا سيّما وسط اتهامات جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي للولايات المتحدة بالاستعداد لتنفيذ استفزاز باستخدام مواد كيميائية سامّة، وذلك بهدف تعطيل التقارب العربي مع دمشق، وبالتالي على ما يبدو بات واضحا أنّ هناك حالة من فقدان التنسيق الجوي بين الولايات المتحدة وبين روسيا في السماء السورية، وذلك استناداً إلى ما تمّ الإعلان عنه من خروقات عديدة تجاوزت الرقم 14 تعود للتحالف الأميركي في الشهر الماضي، ناهيك عن معدات أخرى سياسية عميقة المنشأ، وطبعاً هذا يعني أنّ هناك محاولة احتكاك للتصعيد مع ضبط السيطرة نوعاً ما تجاه قائمة التحرّكات الأميركية الميدانية التي تضمّ أرتالاً وتعزيزات عسكرية وعتاداً لوجستياً وعربات مصفحة وصلت إلى قاعدتي خراب الجير وحقل العمر ودير الزور، بعد نشر منظومة صواريخ متحركة من نوع هايمرز، ما يفسّر أنّ كلّ عوامل السياسة تشير إلى توتر حادّ في مناخ الأجواء السورية، إذ يأتي هذا التوتّر على خلفية رفض واشنطن سحب قواتها من سورية، وعليه قد تبدو هناك حالة من انعدام الثقة بين موسكو وواشنطن، ما يشي أنّ حدّة الخلافات تتصاعد وتتزايد على وقع أهمية الملف السوري العميق بأبعاده الميدانية والسياسية وبطبيعة الحال الجغرافية، وقد يبدو الأمر أشبه بروسيا وأوكروانيا من ناحية التعقيدات التي تحمل جعبة عسكرية ثقيلة من الأسرار الميدانية عميقة التحليل، وكذا نفاق سياسة الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تدعم الإرهاب بحجّة محاربة داعش في سورية والعراق.
إضافة لعدّة خروقات جوية، عملياً تراكمات أخطاء سياسية ميدانية متشعّبة أدّت إلى تصادم غير مسبوق ميدانياً على وقع ما يقف على التفاهم بين وزارتيّ الدفاع في البلدين خاصة في مجال الأجواء السورية، وعليه هناك ما يسمّى تنسيق جوّي أيّاً كانت هاتان القوّتان لا يمكن لأيّ دولة ما في العالم أن تقوم بطلعة جوية سواء كانت استطلاع أو غيرها ما لم تخبر الدولة الأخرى.
وما فعلته أميركا تجاوز الخط الأحمر الممنوع، وانطلاقاً من هذا كانت لروسيا رؤية مغايرة تماماً جعلها تفسخ علاقة التنسيق إن صحّ التعبير، إذ تبيّن لاحقاً عندما صدر من القيادة الروسية بيان سابق، وبالتالي فإنّ جميع الخروقات الأميركية هي عبارة عن نسخة جديدة متقدّمة على النسخة القديمة بخطوات، بمعنى أنّ هذه النسخة سيكون لها بصمة عسكرية ميدانية على اعتبار ما تقوم به أميركا سيحقّق أهداف مشروعها الجديد حتى على مستوى المناورة الروسية السورية المشتركة التي هي محاكاة لحرب مقبلة أو معارك ربما، إذ انها تنحصر بسلاح الجو والدفاع الجوي والحرب الالكترونية، وبما أنّ ما أشار إليه المسؤول الروسي كان واضحاً على اعتبار تكرار الإعتداءات الإسرائيلية على سورية مستمرة في انتهاك سيادة أراضي الجمهورية العربية السورية.
لم يعد خافياً على أحد أنّ سورية زوّدت بصواريخ أس 300 من قبل الجانب الروسي، كما بقيت مفاتيح إطلاقها بأيدي الروس، وبالتالي هذه المناورات لها رسائل عملية وفعلية إلى «إسرائيل» مفادها أنّ الوضع تغيّر، وقد تشارك روسيا في موضوع الدفاع الجوي ما لم يكن الأمر متروكاً للجيش السوري وتسليمه مفاتيح أس 300 مع الأخذ بعين الاعتبار موضوع الدفاع الجوي…
أيضاً كانت هناك رسائل للولايات المتحدة الأميركية التي تستبيح المجال الجوي السوري بسيطرته على حميميم الأمر الذي جعل من هذه المناورات قوة وتأثير على مسألة التغيير الفعلي في الهجمات المتكرّرة من الجانب الإسرائيلي، وبالتالي تكون الرسائل قد وصلت.
وقد يسأل سائل: هل لهذه المناورات تأثيرات أو ردود فعل؟
ربما سيكون لها تأثير عندما تنفذ ما جرى في المناورات، أيّ سيتبلور لاحقاً إذا واصلت «إسرائيل» عدوانها على سورية، سنرى ربما عمل السلاح والدفاع الجوي السوري أيّ أس 300 بالتعاون والتنسيق مع الروس على ردع وصدّ الضربات الجوية لأهداف معادية، وذلك سيكون له تبعات وأولها هي عملية ردع «إسرائيل».. بمعنى آخر أنّ «إسرائيل» لن ترى الساحة السورية مستباحة لها كما كانت، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذة المناورات طبيعية واعتيادية كغيرها من المناورات السابقة، لكن دلالة التوقيت تفضي بدلالة التوسّع في محاور هذه المناورات التي تحمل عناصر ثلاثية في السلاح والدفاع الجوي والحرب الالكترونية، ما يشي بأنّ العناصر الثلاثة لها دور بارز لأيّ محاكاة فعلية لمعركة حقيقية لما تحمل من تفاصيل عديدة رسمتها المناورات السورية الروسية التي رسمت إعادة خارطة القوى بتشكيلات برية ربما لا تنفصل عن الصراع الدولي والإقليمي على وجه الخصوص الروسي الأميركي، وبالتالي المكونات الثلاث تمثل عصب المعركة المستقبلية التي تصبّ لصالح الجيش العربي السوري على مستوى رفع الكفاءة في مواجهة «إسرائيل»…
أيضاً كانت أهداف المناورة الأميركية مع ما يسمّى مغاوير الثورة مع المجموعات التي تحاول واشنطن تشكيلها خلال الأيام الماضية، يفسّر على أننا أمام مشهد جديد للولايات المتحدة تدفع بنفسها للتدخّل أكثر، لأنّ الأهداف الأساسية لم تحقّقها قسد في استهداف الدولة السورية وهي تسعى نحو مسار سياسة التبديل تضفي تسميات جديدة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وداعش، لمواجهة الجيش العربي السوري الذي يتقدّم لتحرير واستعادة المناطق المحتلة من قبل قوات الاحتلال الأميركي وعملائها، لا سيّما تجميع قدراتها عبر تلك الفصائل لأهداف زاعمة أنها ستحقّق مآربها او مشروعها الجديد الذي يستهدف البادية، وبالتالي إنّ الفصائل المسلحة التي جلبتها إلى منطقة الـ 55 وتجري مناورات معها أيّ بين القوات الأميركية والبريطانية في قاعدة التنف، غايتها السيطرة على منطقة البادية عدا عن القطع الجغرافي في البادية السورية العراقية، ومن ثم مهاجمة القوات السورية والروسية في منطقة دير الزور ومناطق أخرى تحاول بذلك محاصرة دمشق.
إذاً… نحن أمام تكتيك عسكري جديد يحاكي أيّ محاولة اختراق أو تجاوز بالرغم من أن لا أحد يرغب في التصعيد، ولكن إذا اتّخذت أميركا خطوات رعناء، قد نشهد ما لم نتوقّعه وغير مرغوب به في حال تجاوزت واشنطن المناطق المحرّمة…