مغارة جعيتا مفاجآت لا تنتهي ومساع متواصلة وحثيثة لإكتشاف اسرارها
الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية ـ
تحقيق سليم بو معشر:
يتمتع لبنان بجغرافية نادرة وفريدة في الشرق الأوسط، فجباله التي تصل الى ارتفاع أكثر من 3000م تحتضن الى جانب الينابيع الغزيرة والوديان الساحقة تجاويف ومغاور تبهر النظر لتنوعها الجمالي.
والمغاور الطبيعية في لبنان، بدهاليزها وشعابها الضيقة والهياكل والقاعات الفسيحة التي نحتتها الطبيعة عبر ملايين السنين تشكل عالما جوفيا رائع الجمال يعجز اللسان أحيانا عن وصفه.
وتعتبر مغارة جعيتا أهم هذه المغاور وأكبرها، وحظيت بعناية خاصة وأهمية سياحية بعد تنفيذ عقد الإستثمار مع شركة “ماباس” الألمانية والتحسينات العديدة التي جرت في محيطها. فهذه المغارة تتميز بفرادة بعض مكوناتها الطبيعية من هوابط وصواعد وأعمدة وبحيرات، كما لا تزال اجزاء منها غير معروفة حتى الآن و تبذل مساع حثيثة لإكتشاف هذا العالم الجوفي الغامض، وما ادراج اسمها على لائحة عجائب الدنيا السبع الا دليل على اسرار جمالها ومفاجآتها المستمرة.
فمنذ العام 2004، يقوم فريق من الغطاسين اللبنانيين المتطوعين وهم: جوزف شربين، جو خوري، حبيب حداد، وداني منصف، الى جانب فريق متخصص من “ماباس” وهما: نجيب نجيب وأيمن ابراهيم، بتجارب عدة لإكتشاف دهاليز مائية في مغارة جعيتا بمواكبة فعالة من المدير العام للمغارة الدكتور نبيل الحداد، حيث عثر على ممر تحت الماء على بعد 560م من الشاطىء السياحي، كما أثار الفضول العلمي للتعرف عليه وقد تطلب الأمر جهودا مضنية والإستعانة بتقنيات حديثة مكلفة للنفاذ عبره حيث تكشفت صالة بهية جديدة مزدانة بتماثيل رائعة الشكل وبهية الألوان.
وأفضت نتائج عمليات الغطس المتواصلة في ظل ظروف عمل صعبة ومحفوفة بالمخاطر، الى نتائج مذهلة أعلنت في مؤتمر صحافي في 9/9/2011 حيث وضعت خريطة ثلاثية الأبعاد لهذا النفق المكتشف تحت الماء والتصوير الجوفي يمثل سبقا علميا في تسجيل أول فيلم لأعماق مكتشفة داخل مغارة في الشرق الأوسط.
بعد المرحلة الأولى والتي وصلت الى مسافة 250م أفقيا تحت المياه، انطلق الفريق عام 2012 في متابعة عمليات الغطس ووصل اليوم الى مسافة 850م أفقيا ما يشكل تحديا علميا متقدما للخبرات الأجنبية في اكتشاف العالم الجوفي للمغاور وخصوصا تلك المغمورة بالمياه.
وتهدف هذه العمليات الجريئة الى التعرف على مسارب ودهاليز مغارة جعيتا ومهارب المياه التي لا تصب في المجرى الرئيسي ان وجدت.
وواجه فريق الغطس عدد من الصعوبات منها ضيق الممرات، حيث اضطر أحيانا الى الحفر لتوسيع المدخل للولوج الى الصالة. وخلال تحركه في المياه الراكدة كانت تتصاعد “نتريات دلغامية” ما حجب الرؤية عن أعضاء الفريق، فالمحافظة على سلامة الغطاسين كانت من ضمن أولويات شركة “ماباس”، مستثمرة مغارة جعيتا، الى جانب حماية مصادر المياه.
وما يجدر ذكره في هذا المجال، ما قام به الفريق الهيدرو – جيولوجي الألماني من خلال انجاز الدراسات المعمقة والجدية لمعرفة مصادر مياه مغارة جعيتا وتقديم الإقتراحات للحفاظ عليها ومنع تلوثها. كما تم تركيب معدات خاصة لمعرفة كمية المياه ودرجة حرارتها ومكوناتها بشكل فعال ومنتظم.
هذه الحماسة الوطنية بأسلوب علمي لمعرفة خفايا العالم الجوفي في مغارة جعيتا، ووضع خارطة ثلاثية الأبعاد، جعلت علم اكتشاف المغاور في لبنان في مصاف الأعمال العالمية الشبيهة في فلوريدا والمكسيك وغيرها من المواقع المعروفة في أنحاء العالم، وهو عمل يستحق التقدير حيث قدم الرئيس السابق ميشال سليمان الدروع التكريمية لفريق الغطس في عام 2011.