مشكلة الغاز بين روسيا وأوكرانيا
بدأت ملامح نزاع جديد بين روسيا وأوكرانيا حول قضية تصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا. فقد أوقفت الأخيرة شراء الغاز الروسي منذ اسبوع على خلفية خلاف على الأسعار بين الدولتين. ما هي خلفيات هذا الملف؟ وهل سيؤثر هذا النزاع على توريد الغاز الروسي إلى أوروبا؟
بدأت الأزمة بين الدولتين الروسية والاوكرانية منذ العام 2005، حين إمتنعت أوكرانيا عن دفع 7 مليار دولار في 7 تشرين الأول من كل عام بحسب الإتفاق بين شركة نافتوغاز الأوكرانية وغازبروم الروسية..
في العام 2009، قامت روسيا وأوكرانيا بتوقيع عقد بين الشركتين الوطنيتين غازبروم الروسية ونافتوغاز الأوكرانية وضع حداً لأزمة إمتدت بين العام 2006 و2009 وتطورت إلى قطع الإمدادات إلى أوروبا.
وبحسب هذا العقد، تُسلّم روسيا سنوياً 52 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوكرانيا على أن تدفع أوكرانيا ثمن 42 مليار متر مكعب فقط. وتبلغ قيمة 1000 م3 من الغاز الروسي المُباع إلى أوكرانيا 410 دولار أميركي وهو أعلى سعر بين الدول التي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي سابقاً. وتسعى أوكرانيا إلى تحديد الكمية المستوردة من روسيا عبر الإستثمار في الغاز الصخري والذي يبلغ حجمه عشرات مليارات الدولارات.
في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، هدّد رئيس الوزراء ديميتري مدفديف بفرض دفع ثمن الغاز الى أوكرانيا مسبقاً في حال إمتنعت أوكرانيا عن دفع المستحقات المتوجبة عليها. وفي الوقت نفسه، صرح الناطق بإسم شركة غازبروم الروسية أن للشركة حدودا في المرونة وأنه حان الوقت لأوكرانيا لكي تدفع مستحقاتها.
وعلى الرغم من أن روسيا تدفع مليارات الدولارات لأوكرانيا تعويضاً على تمرير أنابيب الغاز إلى أوروبا، إلا أن أوكرانيا لا تدفع المستحقات المُتوجبة عليها في الأوقات المُتفق عليها. وفي آخر مواجهة بين البلدين، قامت شركة غازبروم بوقف توريد الغاز إلى أوكرانيا.
وبلغت قيمة المشتريات الأوكرانية من الغاز الروسي في شهر تشرين الأول من هذا العام، 3,2 مليار متر مكعب أي بمعدل 104 مليون متر مكعب في اليوم. لكن هذه الكمية بلغت 9 مليون متر مكعب في اليوم في أوائل الشهر الحالي.
وأخذت الأمور منحى تصعيدياً في الثامن من تشرين الثاني 2013 حيث توقفت أوكرانيا كلياً عن إستيراد الغاز الروسي بحسب الـ Interfax. ويبلغ مجموع المستحقات الأوكرانية لروسيا 1,355 مليار دولار لشهر تشرين الأول و792 مليون دولار لشهر أب 2013.
الوضع المالي لشركة نافتوغاز الأوكرانية هو وضع شبه مفلس حيث تعيش الشركة تحت ديون هائلة روسية وأوكرانية. وقد توقفت الشركة عن الدفع لعديد من موريديها الأوكرانيين منذ أب 2013 ممّا يضع في خطر عدد من الشركات المهدّدة بالإفلاس.
المواجهة سياسية بإمتياز
تستخدم روسيا، التي تعترض على التقارب الأوكراني من الإتحاد الأوروبي من جهة، وعلى التقارب مع الناتو من جهة أخرى، ورقة الغاز للضغط على الرئيس الأوكراني للعدول عن هذين التقاربين اللذين يُقلصان من النفوذ الروسي في المنطقة.
وهذا ما ترجمه نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روجوزين الذي توعد بملايين العاطلين عن العمل في أوكرانيا في حال تم التوقيع على إتفاق بين أوكرانيا والإتحاد الأوروبي في 26 تشرين الثاني من هذا العام.
أضاف أن روسيا لن تسمح بترك عدد من التقنيات الحساسة في أوكرانيا بإشارة إلى إنسحاب عدد من الشركات الروسية الموجودة في أوكرانيا (الصناعة الفضائية…).
يبقى الخوف الأكبر من أن تعمد أوكرانيا إلى الإنضمام إلى حلف الأطلسي وبذلك قد يتم نشر بطاريات صواريخ إعتراض ورادارات في أوكرانيا، أي في العمق الروسي. وهذا إذا ما حصل سيكون ضربة كبيرة لروسيا خصوصاً مع السقوط السياسي لدول الإتحاد السوفياتي سابقاً في حضن الولايات المتحدة الأميركية.
ولا يخفى على أحد أن روسيا تضغط بوزنها لضم أوكرانيا إلى مشروعها “الإتحاد الجمركي” والذي يضم دول الإتحاد السوفياتي سابقاً (آخر الدول التي وقعت على هذا الإتحاد هي دولة أرمينيا).
ولكن الإحتمال الأكبر هو أن يتم حل هذه القضية دون أين يكون هناك عواقب على تسليم الغاز الروسي إلى أوروبا. وللتذكير، عمدت روسيا إلى قطع الإمدادات إلى أوروبا في العام 2009 بعدما إتهمت أوكرانيا بسرقة الغاز الروسي. وحل هذه القضية سريعاً يأتي من خلال ثلاثة عوامل:
من وجهة النظر الروسية: إذ لا مصلحة لروسيا بأن يتم قطع الغاز الروسي عن أوروبا لفترة طويلة تحت طائلة أن يبحث الأوروبيون عن مصادر أخرى خصوصاً مع بدء عصر الغاز الصخري.
من وجهة النظر الأوكرانية: وقف الإمدادات إلى أوكرانيا سيقضي على عدة شركات أوكرانية كما وسحب عدة شركات روسية في السوق الأوكراني مما يعني ملايين العاطلين عن العمل.
من وجهة النظر الأوروبية: إن تأزم الوضع بين روسيا وأوكرانيا له تأثير كبير على أوروبا من ناحية الإمدادات بالغاز الروسي إلى أوروبا خصوصاً على أبواب الشتاء. كما وسيزيد هذا التصعيد الوضع سوءاً مع تصاعد اللهجة حول ملف نشر صواريخ لحلف الناتو في أوروبا الشرقية والرد الروسي المُتوقع بإعادة نشر صواريخ إسكندر النووية في شرق روسيا على الحدود مع أوروبا.لذا يتبين، أن الحرب الإقتصادية أصبحت من يوميات المواطن أينما قطن وتأثيرها على بلدان العالم أصبح كبيراً نظراً لتشابك الإقتصادات العالمية.
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
البروفسور جاسم عجاقة