مسيحيو الشرق في عين عاصفة “الفوضى الاميركية”!!؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
أمين حطيط:
مع تنامي الفوضى التي نظرت لها اميركا و اشاعتها في المنطقة ، و مع تعرض مصالح سكان الشرق للخطر في امنهم و حقوقهم و سيادتهم ، يبدو ان المسيحيين باتوا الاكثر عرضة لهذه المخاطر ، حيث ان الفوضى تلك باتت تستهدف الوجود المسيحي برمته في كامل المنطقة . و خطورة الامر يؤكدها تاريخ قريب بما فيه من تراجع هذا الوجود منذ ان احتلت فلسطين و زرعت اسرائيل فيها . و نذكر بما كان من شأن الوجود الممسيحي بدءا من فلسطين مرورا بالعراق وصولا الى سورية ، دون ان نغفل حجم التهديد الذي يتعرض له المسيحيون من اقباط مصر مع تصاعد اصوات طائفية مترافقة مع دعوات للتمييز بين المواطنيين اسس طائفية .
و قبل الاسهاب في بحث الموضوع ، لا بد من ان نذكر بان الموجة البغيضة التي يتعرض لها المسيحيون الان لا يمكن ان تبرر – و مهما جهد المدعون و المفترون في ابتكار و تحريف الاحكام – لا يمكن ان تبرر باحكام الشريعة الاسلامية . حيث ان احدا لا يستطيع ان يتنكر للحقيقة منذ اليوم الاول الذي بدء فيه الاسلام بالانتشار اي منذ نيف و اربعة عشر قرنا ، حيث لا يستطيع مدعي اي كان قدر معرفته ان يتجاوز ما ورد في القرآن من احكام تقر بهذا الوجود و تنظم العلاقة بين المسلمين و المسيحيين على اساس انهم اهل كتاب سماوي و تؤكد على الحوار معهم و الدعوة الى كلمة سواء و ترفض العدوان او الاكراه في اي شأن .
ثم من يستطيع ان يطمس ما قام به عمر بن الخطاب عند امتناعه عن الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا تتخذ صلاته فيها ذريعة في المستقبل لوضع يد المسلمين عليها ، و تتالى بعد ذلك محطات العيش المشترك بين المسلمين و المسيحيين في الدول التي اعتمدت الشريعة الاسلامية دستورا لها و كان اخرها في ايران الاىسلامية ، في ظل سلوك من التسامح و التعاون ادى الى ثبات المسيحيين في ارضهم لا بل ان التاريخ يقدم شواهد تثير الغرابة حيث ان بعض المسلمين الذين كانوا يتعبدون وفقا لمذهب من غير مذاهب بعض الحكام من” اهل السنة و الجماعة ” ، اضطروا الى الهجرة او التدين بالديانة المسيحية لينجوا من تنكيل هذا الحاكم او ذاك من الطغاة المدعين للاسلامين ، ما اظهر ان اللجوء الى المسيحية كان طريق نجاة يسلك مع وجود حاكم مسلم ظالم .
و يبقى ان نتوقف عند كلمة ” كافر ” و المترتبات عليها ، خاصة مع ظهور النزعة الى تحميلها من قبل البعض فوق ما تحتمل بغية المس بالمسيحيين و الاضرار بهم . و بداية نذكر بان الكفر لغة تعني الجحود و عدم الاعتراف و هو في المجال الديني مراتب ، اولها الكفر بالله و عدم الاعتراف به و بوجوده و انعمه ، و يليها الكفر بالانبياء و بالرسالات السماوية كلها ، ثم هناك اخذ برسالة و كفر بالاخرى ، و المسيحي مؤمن بالله على طريقته و وفقا ً للكتاب السماوي الذي يتمسك به و هو ليس بكافر على اطلاق الكلمة كما يشيع اصحاب النزوات . نعم هو لا يعترف بمحمد ص رسولاً و بالقرآن كتاباً ، و لكنه يعترف بالله و يؤمن به و تعبد بدين غير دين الاسلام الذي بشر به النبي محمد ، و لانه لا اكراه في الدين فعلى المسلم ان يترك الاخر على دينه و ليس له ان يكرهه على سواه ، كما ليس له ان يمنعه من ممارسة شعائره الدينية التعبدية او الاحتفالية ،. و هذا ما قام به المسلمون منذ صدر الاسلام ، و هذا ما مكن المسيحيين و كذلك اليهود من الاستمرار في هذا الشرق حيث اقام الاسلام دوله المتتابعة ، وهذا ما ادى الى حفظ دور العبادة لهم و حفظهم في مجتمعاتهم ، ثم انه افسح المجال لقيام احسن العلاقات بين مسلمين و مسيحيين متجاوريين في السكن او العمل او تربطهم علاقة ، ثم توطدت عرى الصداقة و المحبة بينهم دون ان يكون اختلاف الدين عائقا امام ذلك .
على ضوء ما تقدم فاننا لا نعتبر انه من الاسلام في شيء ما يقوم به البعض من تصرفات من قبيل الاعتداء على الكنائس و دور العبادة ، او منع المسيحيين من ممارسة شعائرهم الدينية و الاحتفالية كما حصل في سورية في موجة” فوضى الربيع” المزعوم ، او منع الزينة في احياء و مدن في لبنان لمناسبات دينية ، او تطرف البعض الى درجة تحريم معايدة المسيحي او مشاركته الفرح في مناسباته ، وصولا الى ما سجل في سورية الان من تهجير او تقتيل او محاصرة او تهديد بالابادة لقرى مسيحية لمجرد انها مسيحية ترفض الخروج عن النظام العام في الدولة القائمة . و بالتأكيد ليس من اخلاق الاسلام ارتكاب اعمال السرقة و الاغتصاب و القتل و ترويع الآمنين و تهجيرهم من بيوتهم و ارضهم وحتى و لو ارتكبها من يطلقون لحى تتعدى الشبر و الشبرين ، و يصرخون ” الله اكبر ” عند قتلهم لضحاياهم او لدى استهدافهم للابرياء من غير دياناتهم فهي جرائم لا ترتكب من اجل الاسلام او نصرة له ، بل هي على العكس تماما ً جرائم ترتكب اولاً ضد الاسلام قبل اي احد و هي سلوكيات مستوردة غريبة عنه دخيلة على اخلاقه و سلوكياته ف “المسلم هو من سلم الناس من لسانه و يده ” كما سن رسول الله محمد ص ، فالقاتل لا يقتل كما و ان الزاني لا يزني و هو مسلم .
و بالمحصلة اننا نراها سلوكيات مستهجنة لم تعرفها هذه المنطقة في عصرنا الحاضر الا على يد الصهيونية التي ادخلتها اليها عندما احتلت فلسطين و قتلت من استطاعت من اهلها و هجرت الباقي لتقيم على ارضهم دولتها ” اسرائيل “. و يتابع العمل الان بهذه ” الثقافة” اللااخلاقية و اللا انسانية خدمة لاسرائيل و لمشروعها الغربي الاستعماري .
نعم و بكل تأكيد نرى ان قتل المسيحيين في سورية و تهجيرهم منها يشكل امتدادا لما بدأته اسرائيل في فلسطين ، و تابعته العصابات الارهابية التكفيرية التي تعمل باوامر اميركية – صهيونية في العراق ، و انتقلت به الى سورية وتتحضر لنقله الى لبنان الذي بات الهدف المستقبلي القريب للعمل الاجرامي ضد المسيحيين وهنا يجب و في وقفة وطنية التصدي لهذا الخطر عبر تكتل المجتمع ليحمي ذاته و مكوناته .
و اذا كان امر مسيحي فلسطين و العراق بات و للاسف شبه محسوم سلبيا ، فان امر مسيحي سورية لا زال ممكن العلاج خاصة مع ثبات الدولة السورية في وجه المؤامرة على نظامها و كيانها السياسي الجامع لكل الطوائف و يبقى امر مسيحي لبنان الذين ينبغي حفظهم عبر :
– التصدي للموجات التكفيرية التي يتسع انتشارها في بعض المناطق اللبنانية و منعها من فرض ثقافتها على الاخرين .
– تفعيل دور القوى الرسمية الامنية و العسكرية اللبنانية في حماية المجتمع و منع عمليات الاعتداء و التضييق على مكوناته .
– اقامة نظام العدالة السياسية و الوطنية و الذي ليس له مدخل افضل من قانون انتخاب عادل يأخذ الهواجس و المخاطر بالاعتبار .
– و اخيرا لابد من القول بان على المسيحيين انفسهم المساهمة الفاعلة في عملية الدفاع عن الذات وجوداً و دوراً ، دفاع يبدأ بحسن اختيار قياداتهم و حسن حبك تحالفاتهم ، فلا يمكن ان يركن مثلا لمن تسبب في العقود الاربعة الماضية في تهجيرهم من معظم المناطق اللبنانية ليحصرهم في منطقة جبل لبنان الشمالي ، و لا يمكن ان يوثق بمن يعقد التحالف مع دعاة الفكر التكفيري الالغائي الاقصائي او يدعو لحكم من ” يمنع اقباط مصر من ممارسة حقوقهم السياسية ” ، لا يمكن الركون لمثل هؤلاء ليكونوا قادة في معركة الدفاع عن الذات المسيحية في لبنان.
ان حماية مسيحيي لبنان هي حماية و دفاع عن لبنان و هي لا تكون الا في تثبيتهم في ارضهم بوجه العاصفة الصهيو- اميركية و في المحافظة عليهم و جودا و دورا و فعالية ، لان اقتلاعهم – ان حدث – سيشكل جريمة ضد الانسانية و ضد لبنان ثم انه خدمة للصهيونية و اسرائيل التي سنت هذه السنة و قي ذهنها افراغ الشرق من المسيحيين لتتمكمن من التحول الى الدولة التي يحصر اهتمام الغرب المسيحي بها فيصغي اليها وحدها و تملي عليه ما تشاء ، و هي ترى في وجود المسيحيين هنا عائق بوجهها معطل لاستراتيجيتها العنصرية.