مسعى سوري لسحب «ملف المساعدات» من التسييس
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
جرى التمديد للقرار 2642، الصادر شهر تموز 2022، والقاضي بتمديد إدخال المساعدات الإنسانية لسورية، يوم الـ 9 من كانون الثاني مطلع هذا العام ليحمل قرار التمديد الرقم 2672، وفي جلسة التصويت على هذا القرار، الذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: إن «عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود تظل شريان حياة لا غنى عنه بالنسبة لـ4.1 ملايين شخص في شمال غرب سورية»، وعلى الرغم من أن القول صحيح في ظل الأوضاع التي يعيشها هؤلاء تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» وحساباتها المرتبطة بالنظام التركي التي تنتج معادلات معيشية ذات طابع ريعي خادم لزمرة لا يتعدى تمثيلها 1 بالمئة من إجمالي العدد المذكور، لكن القول يكاد يكون ذي طابع «تسكيني» أكثر منه «علاجي»، والمثل الصيني يقول: «بدلاً من أن تطعمني السمك لمرة أو مرتين علمني صيد السمك»، وبهذا المعنى الأخير جاء تعقيب السفير الدائم لسورية لدى الأمم المتحدة بسام صباغ في الجلسة آنفة الذكر الذي دعا من خلالها إلى «زيادة حصة مشاريع التعافي المبكر» وإلى «توفير الخدمات الأساسية لضمان العودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين»، قبيل أن يضيف: إن «التمديد التقني للقرار 2642 لا يمكن له أن يكون المسار المناسب لدعم هذه العملية».
خلال جلستين عقدهما مجلس الأمن يومي 11 و25 تموز الماضي، لم يفلح الأخير في التمديد للقرار 2672، الفعل الذي هدفت إليه هاتين الجلستين على حد سواء، وما جرى هو أن الجلستين، شهدتا طرح مشروعين أولاهما برازيلي- سويسري مدعوم غربياً، وثانيهما روسي يحظى بموافقة دمشق، وفي العمق كان الأول، أي المشروع المدعوم غربياً، يهدف إلى تثبيت الحدود القائمة على خطوط التماس التي ترسخها آلية إدخال المساعدات عبر الحدود بعيداً عن سيطرة الحكومة السورية، في حين هدف الثاني، أي الروسي المدعوم سورياً، إلى كسر تلك الآلية ووضعها في قوالب خادمة للسيادة السورية وسيطرة الدولة على كل ما يجري على أرضها، الأمر الذي يتساوق مع القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 2254 الذي أضحى «شماعة» للكل، لتكشف مداولات الغرب يومي 11 و25 تموز المنصرم أن «الشماعة» صممت لتعليق «بعض الألبسة» من دون غيرها.
في أعقاب الزلزال الذي ضرب البلاد في الـ 6 من شباط المنصرم منحت دمشق «ترخيصاً» للمنظمات الدولية يسمح بتمرير المساعدات الإنسانية عبر معبري «باب السلامة» و«الراعي» مدته ثلاثة أشهر، الأمر الذي أضحى ساري المفعول في الـ 13 من آذار، ثم ليجري التمديد له يوم 13 حزيران للمدة نفسها بمعنى أن مفعول التمديد سينتهي يوم 13 آب الجاري، وقد كان من الواضح أن دمشق، مدعومة من موسكو، تفضل الاستمرار في تلك الآلية، التي تحقق قسطاً من بسط سيادتها على أراضيها، على قرارات التمديد التي يصدرها مجلس الأمن كل ستة أشهر والتي تتجاهل تماماً دور الحكومة السورية في إيصال المساعدات لمناطق هي جزء من جغرافيتها ويعيش عليها سكان هم جزء من شعبها، وفي سياق فعل «التفضيل» آنف الذكر قدمت دمشق، وقبيل حلول الـ 13 من آب، مشروعاً يقضي بتمديد «الترخيص» لمدة ثلاثة أشهر أخرى تنتهي في الـ 13 من شهر تشرين ثاني المقبل، الأمر الذي جرت مناقشات حوله ما بين دمشق والأمم المتحدة، ممثلة بمساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، ليتوصل الطرفان إلى تفاهمات بقيت غير واضحة تماماً، فالبيان الصادر عن الأمين العام كان قد رحب «بموافقة دمشق على توصيل المساعدات عبر خطوط الصراع داخل سورية في سرمدا وسراقب خلال الأشهر القادمة»، لكنه لم يشر إلى شرط سوري، جرى تداوله وفق تقارير، يقضي بأن يكون إدخال المساعدات بإشراف منظمتي «الهلال السوري» و«الصليب الأحمر الدولي» ضماناً لعدم وصولها إلى التنظيمات الإرهابية.
في مطلق الأحوال يلبي الاتفاق المبرم بين دمشق والأمم المتحدة مطلب السيادة السورية بدرجة لا بأس بها قياساً لحالة الاستقطاب التي يشهدها مجلس الأمن تجاه الحدث السوري الذي استعاد جزءاً وازناً من «توهجه» مؤخراً ليس بفعل الحالة سابقة الذكر فحسب، بل بفعل التوتر السائد، منذ أشهر، في مناطق شرق الفرات الذي قد يفضي إلى تداعيات تصبح معها كثير من التفاهمات منتهية الصلاحية تبعاً للمآلات التي سوف ينتهي إليها فعل التوتر آنف الذكر، فالاتفاق الذي يؤكد على سيادة الحكومة السورية على أراضيها يمكن أن يؤسس لاحقاً، إذا ما أضحت هذه الآلية معتمدة لوقت غير قصير، لنزع الملف الإنساني من التداول السياسي الذي طغى على الأول، حتى بات «الكل» فيه أقرب إلى مستثمرين يبحثون عن مكاسب انطلاقاً من اللعب على أوتار ذلك الملف، ويمكن للاتفاق أن يخفف أو يؤجل احتدام الصراع تحت قبة مجلس الأمن التي بلغت درجات الحرارة فيها حدوداً كافية للاشتعال حتى من دون الشرارة اللازمة، عادة، لاضطرام النار.