مخاوف “تل أبيب” من عالم ما بعد أوكرانيا.. ماذا عن العلاقة مع روسيا؟
صحيفة الوفاق الإيرانية-
جهاد حيدر:
التموضع الطبيعي والتقليدي لـ “الكيان المؤقت” هو إلى جانب الولايات المتحدة وأوكرانيا. إلا أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يشهد تخبطاً في الموقف والأداء، بين مسؤول يدين روسيا وآخر يتجنب ذلك. وتأمل “إسرائيل” من الطرفين الأميركي والروسي أن يتفهما موقفها المحرج.
على خلاف بعض التحليلات التقليدية التي تُرجِّح أن يشكل انشغال الدول الكبرى بتحديات تُقيد أولوياتها فرصةً لـ “الكيان المؤقت” للانقضاض على أعدائها في المنطقة، إلا أن معادلات القوة القائمة حالت وتحول وستحول دون تحقق هذا السيناريو.
ومع أنه من المبكر تقدير جانب من التداعيات الاستراتيجية لمستجدات الأزمة الأوكرانية، إلا أن “إسرائيل” تتخوف من رسائلها وتداعياتها على المستويين الدولي والاقليمي.
فعلى المستوى الدولي، يشهد “الكيان المؤقت” والعالم تسارع وتيرة انتاج نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية التي تعني تراجعاً في النفوذ والهيمنة الأميركية. وتتخوف “تل ابيب” من أن تستحوذ الأزمة الأوكرانية والأزمات المفتوحة التي ستترتب عليها، على اهتمامات الادارة الأميركية وتدفع باتجاه المزيد من الانكفاء الأميركي عن التركيز على منطقة غرب آسيا، الأمر الذي سيعمِّق المأزق الإسرائيلي.
أحد عوامل القلق لدى كيان العدو هو من أن تنعكس جرأة روسيا عبر البوابة الأوكرانية إلى تراجع اضافي في الهيبة الأميركية ما يعني استمرار تآكل قوة الردع الأميركية التي ستنعكس حكماً على “إسرائيل”.
في المدى الفوري والمباشر، ستبذل “إسرائيل” كل جهودها الدبلوماسية للحفاظ على التنسيق مع الجيش الروسي في سوريا، القادر على تقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي فيها. مع ذلك، تتخوف “تل ابيب” من أن يؤدي استمرار الأزمة الأوكرانية وتصاعدها إلى تقليص هامشها في المناورة بين التموضع إلى جانب الأميركي، والحفاظ على التنسيق مع الجيش الروسي في سوريا.
التوجس الأكبر لدى “تل ابيب” أيضاً من أن تساهم التطورات الدولية ـ الأوكرانية، في تراجع ثقة الأنظمة العربية الحليفة بقدرة وارادة الولايات المتحدة على توفير مظلة الأمان التي تطمح اليها.
في هذا الإطار، ترتاب “تل ابيب” من أن تساهم هذه النتائج في دفع أنظمة دول الخليج الفارسي للتقرب من الجمهورية الاسلامية في ايران، وأن تقوِّض مساعيها في تشكيل تحالف اقليمي معادٍ لها ولمحور المقاومة.
وتخشى “إسرائيل” ـ وترجح على ما يبدو ـ أن يساهم احتدام الاستقطاب الدولي في دفع الصين وروسيا إلى الاقتراب أكثر من ايران، ودعمها على أكثر من مستوى كجزء من الصراع في مواجهة الولايات المتحدة.
اذا كانت قيادة العدو ترجح قبل أزمة أوكرانيا خضوع ادارة بايدن في المفاوضات النووية للمطالب الايرانية، فهي بعد أزمة أوكرانيا وتداعياتها الدولية، أقرب إلى اليقين من ذلك، مع ما يعنيه ذلك من تحول جذري اضافي في معادلات القوة الاقليمية.
مع ذلك، ستعمل “إسرائيل” على محاولة توظيف حرص الولايات المتحدة على تجنب التورط في المنطقة، من أجل انتزاع المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية انطلاقاً من أنها القاعدة المضمونة الوحيدة لها في المنطقة، في مواجهة التصاعد الاضافي المتوقع في قدرات محور المقاومة.
في المقابل، تواجه “تل ابيب” معضلة أن ما كان يفترض أنه مستقبل يسعى إلى منع تحققه، أصبح حاضراً. ونتيجة ذلك فقد تطورت معادلات القوة إلى المستوى الذي يجعل كلفة أي حرب اقليمية، لا تطيقها “إسرائيل”.