مجلّتان أميركيتان تحدثتا عن الإنقلاب قبل حدوثه.. “#أردوغان يلعب بالنار”
محاولة إنقلاب لـ6 ساعات هزّت تركيا لكنّها باءت بالفشل بعدما أودت بحياة 90 شخصًا بينهم 47 مدنيًا وإصابة أكثر من 1150 آخرين، لكن ما لم يُكشف بعد هو أنّ وسائل إعلام أميركيّة تحدّثت عن الإنقلاب قبل أشهر من حدوثه، لا سيّما مجلّتَيْ “فورين أفيرز” و”نيوز ويك”.
فبتاريخ 24 آذار 2016، نشرت مجلّة “نيوز ويك” على موقعها الإلكتروني تقريرًا توقّعت فيه حصول إنقلاب ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، وأبرز ما جاء في التقرير هو أنّ “التدهور الحاصل في تركيا لا ينحصر في الأوضاع الأمنية، وسط موجة من التفجيرات الإرهابية، بل يتعداه إلى الديون الخاصة وتراجع عائدات السياحة، وانخفاض قيمة الليرة التركية، الأمر الذي أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطن التركي. وعلى الرغم من نتائج الانتخابات الأخيرة، يسود شعور في تركيا بأن الرئيس أردوغان بات خارج السيطرة، إذ إنه يعتقل معارضين، ويستولي على صحف ذات توجهات يسارية أو يمينية، ويشيّد قصوراً على طريقة سلطان مجنون أو حالم بالخلافة الإسلامية. وفي الأسابيع الأخيرة، هدد بحل المحكمة الدستورية”.
وتابعت المجلّة: “لقد استشرى الفساد في تركيا، ويتردد أن بلال، ابن أردوغان متهم في ايطاليا بفضيحة غسيل أموال. كذلك، باتت نوبات غضب أردوغان تثير الدهشة داخل تركيا وخارجها. حتى أن أعضاء من الحزب الحاكم الذي يتزعمه بدأوا يتهامسون حول معاناته حالة من جنون العظمة أدت به الى التفكير في نشر منظومة صورايخ مضادة للطائرات في قصره لمنع أي كوماندوز من تنفيذ إنزال لخطفه في عملية سريعة. وأقرّ عدد من الأتراك ومسؤولون في الجيش التركي -بحسب المجلّة- بأن أردوغان يجر البلاد إلى حافة الهاوية. واعتبر أن منحه عبدالله أوغلان شرعية بالدخول معه في مفاوضات جديدة، ومن ثم التسرع في تجديد القتال ضد الأكراد، حيث جر تركيا إلى مسار لا مجال فيه للانتصار، لا بل يفسح المجال لتقسيم فعلي”.
ولفتت المجلّة إلى أنّه “في حال تجددت الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في الثمانينيات وبداية التسعينيات، فلن يقبل أكراد تركيا بأقل مما حققه إخوانهم في العراق وسوريا. ومنذ وقت طويل، سعى أردوغان إلى إضعاف نفوذ الجيش التركي. وخلال السنوات العشر الأولى لحكمه، هلل له كل من الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ولكن سرعان ما اعترف حتى أكثر المعجبين بسياساته، بعمق انحداره نحو الجنون والاستبداد. وإذا كان الجيش التركي قادرا على إطاحة أردوغان، واعتقال الدائرة المصغرة المحيطة به. فهل سينجو الجيش بفعلته؟”. وتابعت: “في عالم التحليل السياسي ستكون الإجابة: نعم، تستطيع المؤسسة العسكرية ذلك. ففي عز الموسم الانتخابي الأمريكي، ليس متوقعاً أن تقدم إدارة أوباما على شيء يتعدى توبيخ زعماء أي انقلاب، وخاصة إذا سعوا فورًا لتأكيد سعيهم لاستعادة الديمقراطية. ولن يحظى أردوغان بأي نوع من التعاطف كما حظي به الرئيس المصري محمد مرسي. لأن مرسي عندما أطيح به كان التزامه بالديمقراطية لا يزال محل نقاش. ويسود الولايات المتحدة صمت مطبق حيال رجل تركيا القوي. فلا المرشحين الديمقراطيين ولا الجمهوريين على استعداد لتشويه الصورة الأميركية من أجل إعادة الوضع إلى حالته السابقة. وربما ينتقدون الانقلاب بعض الشيء، إلا أنهم سيتعاونون مع النظام الجديد”.
من جهتها، قالت مجلّة “فورين أفيرز” الأميركية في 30 أيار الماضي إنّ “الإنقلاب العسكري في تركيا قادم”، حيثُ كتبت غونول تول، مديرة مركز الدراسات التركيّة في “معهد الشرق الأوسط”، مقالاً قالت فيه: “إنّ الجيش التركيّ لديه في الواقع أسبابه لحمل الضغينة تجاه أردوغان. فعلى مدار التاريخ التركي، تمتّع الجيش بسطوة كبيرة على الشئون السياسيّة في البلاد، وقد نفّذ أربعة انقلابات عسكريّة مُجبرا السياسيّين على الاستقالة وتعامل مع نفسه دائما على أنّه الحارس الأوحد للديمقراطيّة العلمانية الذي لا يخضع للمُساءلة. ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2002، انبرى حزب العدالة والتنمية لتقليص النفوذ السياسيّ للجنرالات الذي ترك القوّات المُسلّحة التركيّة في حالة ضعف وانقسام. ولتحقيق شروط الانضمام للإتّحاد الأوروبي، شرعت أنقرة بإجراءات لجعل الجيش خاضعا بشكل أكبر للسلطة المدنيّة. وقلّصت صلاحيّات المحاكم العسكريّة لصالح المزيد من الصلاحيّات للمحاكم المدنيّة وأصبحت الحكومة تلعب دورا أكثر فاعليّة في تعيين القادة الكبار للجيش. وقد تعرّض الجيش لضربة قويّة في نيسان 2007، بعد أن نشر على صفحته الإلكترونيّة إنذارا (سُميّ فيما بعد بـ “الانقلاب الإلكتروني”) يُحذّر فيه حزب العدالة والتنمية من مغبّة دعم عبد الله غول المعروف بانتمائه التقليديّ للتيار الإسلاميّ والذي تلبس زوجته الحجاب في انتخابات الرئاسة. أثار الأمر حينها غضب حزب العدالة والتنمية وأنصاره ودفعهم إلى تأكيد موقفهم وإيصال غول إلى منصب الرئاسة. وهكذا فمن خلال محاولته التدخل ضدّ الحزب ذو الجماهيريّة الكبيرة عرّض الجيش نفوذه لضربة قاسيّة، وفي أقرب انتخابات بعد “الانقلاب الإلكتروني”ازداد التصويت لحزب العدالة والتنميّة بنسبة 13%. وفي ذلك الوقت أيضا، أطلق حلفاء الحكومة في جهاز القضاء من أنصار رجل الدين فتح الله غولن تحقيقات واسعة حول أنشطة ضبّاط الجيش. وفي الدعاوى القضايّة مثل قضيّة ” أرغينيكون” وقضيّة “المطرقة”، التي اتّهم فيها بعض عناصر الجيش بتدبير انقلاب ضدّ حزب العدالة والتنمية، جرى حبس العشرات من الجنرالات وتم احتجاز المئات من المسئولين العسكريّين المُتقاعدين. وقد تُوّج الصراع بين الحزب والجيش بالاستقالة الجماعيّة للمجلس العسكريّ التركيّ الأعلى في أواخر تموز 2011 وهي الاستقالة التي اعتبرها المراقبون آنذاك علامة فارقة على استسلام الجيش للمدنيّين”.
وأضافت: “يُراهن أردوغان على أنّ بعض الإشارات سوف تكبح جماح الجيش، لكنّه يلعب بالنار في نفس الوقت كما يرى البعض الذي يخشى أن يعود الجيش لعادته الأثيرة في التدخل في العمليّة السياسيّة إذا سنحت له الفرصة. وفي حقيقة الأمر، قد يُقلّص نفوذ الجيش لكنّ مسألة إخراجه من المشهد كليّا تبقى غير مُمكنة، إذ أنّه ما زال يتمتّع بالاستقلاليّة المؤسسيّة. فالكماليّة التي تُعدّ العقيدة المؤسسة للجمهوريّة والتي جسّدت لعقود الحصن المنيع ضدّ الأسلمة والنزعة الانفصاليّة الكرديّة، ما زالت تمثّل الجوهر الأيدولوجي لمناهج التعليم في الكليّات العسكريّة والأكاديميا. وقد عارض الجيش دعوة بعض الدوائر الحكوميّة لالتحاق خريجي مدارس”إمام خطيب” –وهي مدارس تخصّصية تُعدّ الطلبة ليصبحوا دعاة وخطباء يعملون في الحكومة- في الكليّات العسكريّة. ويعتقدّ الجيش أن هؤلاء الطلاب قد ينشرون الأفكار الدينيّة في المستويات المُختلفة للقوات المُسلّحة التركيّة وهو ما من شأنه زيادة نفوذ الحكومة على الجيش. وبالإضافة ذلك، ما زالت الموازنة العسكريّة مُحصّنة بشكلٍ كبير من الرقابة المدنيّة، ويقوم الجيش منفردا بمهام إدارة قوّاته. ولعلّه من اللافت أن رئيس هيئة الأركان لا يخضع لسلطة وزير الدفاع وما زال قانون الخدمة العسكريّة الداخلي، والذي استخدم للسماح للجيش بالتدخّل في السياسة ساري المفعول. ويوضح القانون أنّ “مهمّة القوات المُسلّحة التركيّة تتمثّل في الحفاظ على وحماية الوطن التركي والجمهوريّة كما هو مُحدّد في الدستور”. وقد استند الجيش إلى هذا المادة كمسوّغٍ قانوني للانقلابات التي نفّذها في الماضي”.