متى تصحو أوروبا؟
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
يبدو أن أوروبا بدأت تصحو من جديد، وتدرك أنها وقود لحرب أمريكية على روسيا والصين، حيث أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه يجب على الأوروبيين “ألا يكونوا أتباعاً” للولايات المتحدة الأمريكية، في معرض إشارته إلى الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول جزيرة تايوان، قاصداً أن الأزمة التايوانية ليست أوروبية على الإطلاق، حتى تكون جزءاً منها.
لكن يبدو أن ماكرون غير مقنع، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى جرّ أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لمشاركتها حربين ليستا حربهم: الحرب الأولى في أفغانستان، والثانية في العراق، حيث دفعت بعض دول أوروبا ثمناً باهظاً ترك آثاره على الوضع الاستراتيجي الأوروبي بشكل عام. ومؤخراً عمدت إلى جرّ أوروبا رغماً عنها إلى الحرب الساخنة في أوكرانيا، لنجد أنّ الشعوب الأوروبية وحدها هي التي تدفع ثمناً باهظاً كان بالإمكان تجنّبه، لو كانت القيادات الأوروبية أدركت في وقت مبكّر أن مصلحة أوروبا في ألّا تكون تابعاً للولايات المتحدة الأمريكية.
إن استحقاق تلك الحرب كان باهظ الثمن على معظم الدول الأوروبية التي تواجه الآن موجات مستمرة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعكس الآثار السلبية لانخراطها في حرب ليست حربها على الإطلاق، وقد تكون المؤشر الصحيح على أزمات اقتصادية كبرى قادمة جرّاء تمويل حرب تكلف الدول الأوروبية عشرات المليارات من الدولارات، على حساب الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي تمّ تغييبها أو التقصير في أدائها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والطاقة، وتصاعد مستوى التضخم النقدي إلى حدّ غير مسبوق.
لقد رصد العديد من مراكز الدراسات والأبحاث نتائج هذه الحرب المدمّرة على الدول الأوروبية، وحجم الخسائر الاقتصادية العالية التي وصلت حتى الآن إلى عشرات المليارات في كلّ دولة، وخاصة في فرنسا وألمانيا وإسبانيا والدانمارك وبلجيكا وبريطانيا والسويد والنمسا وبولندا والبرتغال، وأدى ذلك إلى موجة واسعة من الإضرابات التي شملت قطاعات التعليم والصحة والنقل والصناعة، إضافة إلى التظاهرات المتواصلة في جميع المدن الفرنسية والألمانية والبريطانية للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، ورفض الأوضاع الاقتصادية الصعبة القائمة.
كلّ الخطط والمشاريع الحكومية فشلت حتى الآن في الحدّ من تفاقم الأزمات الاقتصادية الأوروبية المستفحلة، لأنه كما يُقال “الرتق اتسع على الراتق”، ولم يعد بالإمكان ردم الهوّة بين المطالب الشعبية والقدرات المالية التي استنزفتها الحرب الأوكرانية التي فرضتها أمريكا.