ما هي أبعاد أهمية زيارة وزير الخارجية الفنزويلي لإيران؟
صحيفة الوفاق الإيرانية:
ترأس وزير الخارجية الفنزويلي “فيليكس بلاسينسيا” وفداً سياسياً إلى طهران في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، وخلال زيارته لطهران، التقى بلاسينسيا بالرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ورئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف، ونائب الرئيس الإيراني محسن رضائي.
وتأتي هذه الزيارة في وقت سبق أن التقى فيه وزيرا خارجية إيران وفنزويلا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
كما ناقش وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية، حسين أمير عبد اللهيان، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، مع نظيره الفنزويلي فيليكس بلاسينسيا، آخر تطورات العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين.
على صعيد آخر، هذه هي الزيارة الأولى لمسؤول حكومي فنزويلي رفيع المستوى إلى إيران منذ تشكيل حكومة السيد رئيسي. ولذلك، يمكن تحليل ودراسة أهداف وأبعاد أهمية هذه الزيارة كقضية جادة.
التوجه الإيجابي لتعميق العلاقات السياسية والدبلوماسية
على المستوى الابتدائي، يمكن قراءة زيارة وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينسيا إلى طهران في سياق التوجه الإيجابي للبلدين لتعميق العلاقات السياسية والدبلوماسية.
وفي هذا الصدد، نرى أن وزير الخارجية الفنزويلي أكد، في لقاء مع نظيره الإيراني أمير عبد اللهيان، أن بلاده تتابع بدقة العلاقات الثنائية مع إيران، وأظهرت العلاقات بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية أن المسافة الجغرافية لا يمكن أن تعيق تعاون الدول المستقلة.
وتماشياً مع هذه التصريحات، شدد أمير عبد اللهيان أيضاً على أن جمهورية إيران الإسلامية ليس لديها قيود في توسيع العلاقات مع فنزويلا، مؤكداً أن البلدين سيواصلان جهودهما المشتركة لهزيمة العقوبات الأمريكية الجائرة.
تظهر هذه التصريحات بوضوح أن طهران وكراكاس تسعيان إلى تعميق علاقاتهما السياسية، بعد تولي الحكومة الإيرانية الجديدة السلطة. وفي هذا الصدد، يشار إلى أن الحكومة الإيرانية الجديدة، على عكس رئاسة حسن روحاني، تميل بقوة إلى زيادة العلاقات مع الحكومة الفنزويلية.
في الواقع، خلال رئاسة الدكتور محمود أحمدي نجاد(2013-2005)، بدأت إقامة علاقات استراتيجية بين طهران وكراكاس.
خلال هذه الفترة، تم توقيع أكثر من 300 اتفاقية تعاون بين البلدين مع حكومة هوغو شافيز، لكن هذا الاتجاه أخذ منحى تنازلياً في حكومة حسن روحاني، على الرغم من العديد من التقلبات.
وعلى الرغم من وجود تعاون كبير بين البلدين في مواجهة العقوبات وتقديم المساعدة من إيران لفنزويلا، إلا أن مستوى التعاون لم يكن عالياً كما كان في الماضي.
ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإيرانية الجديدة، برئاسة السيد إبراهيم رئيسي، حريصة على زيادة مستوى العلاقات بين البلدين، وستصبح كاراكاس إحدى النقاط المحورية الرئيسية في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة.
التعاون الثنائي في مواجهة العقوبات الظالمة والهيمنة
واجهت إيران وفنزويلا معظم الضغوط والعقوبات الأمريكية في السياسة العالمية على مدى العقدين الماضيين، وقد أدى ذلك بالبلدين إلى نوع من التقارب والتعاون في مواجهة سياسات واشنطن المتغطرسة.
وعلى مر السنين الماضية، اتخذ شعبا إيران وفنزويلا مبادرات بناءة لمواجهة واشنطن، من خلال تعميق علاقاتهما لمواجهة عقوبات واشنطن القاسية واللاإنسانية. على سبيل المثال، كان الإرسال الناجح لخمس ناقلات نفط إيرانية إلى فنزويلا ودعم كراكاس لبرنامج إيران النووي على المستوى العالمي، مثالاً بارزاً على هذه المبادرات.
وفي هذا الصدد، نرى حتى أن وزير الخارجية الفنزويلي السابق “خورخي أريسا” ذكر إيران كمدرس للالتفاف على العقوبات. وفي ظل الوضع الجديد، يبدو أن الجانبين على استعداد لزيادة التعاون مع بعضهما البعض في مجال مواجهة العقوبات.
على صعيد آخر، اتبعت جمهورية إيران الإسلامية بجدية سياسة التأثير والقرب من بلدان أمريكا اللاتينية على مدى العقدين الماضيين.
في الوقت نفسه، كانت مناهضة الهيمنة ومعارضة المطالب المتعجرفة للولايات المتحدة على المستوى العالمي، هي حلقة الاتصال الرئيسية بين طهران ودول منطقة أمريكا اللاتينية، والتي غالباً ما تكون قريبةً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة الضغوط الأمريكية، وآرائها بشأن القواعد التي تحكم النظام الدولي.
في غضون ذلك، تعدّ فنزويلا أهم لاعب مناهض لأمريكا في منطقة أمريكا الجنوبية، والتي بالإضافة إلى التعاون مع إيران على مختلف المستويات، لديها تعاون كامل مع طهران في مواجهة واشنطن.
في ظل الوضع الحالي، يعدّ التقارب بين طهران وكراكاس أحد الهواجس الجادة للحكومة الأمريكية. حيث يشعر السياسيون والاستراتيجيون في البيت الأبيض بقلق عميق بشأن نفوذ إيران في منطقة أمريكا اللاتينية، ويخشون أن يتحول التعاون بين الجانبين إلى تعاون عسكري وأمني.
والأمر اللافت للنظر هو أن نفوذ إيران المتزايد في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، يأتي في الوقت الذي أُجبر جيشها على الانسحاب من غرب آسيا وشمال إفريقيا، مما يشير إلى الفشل الكامل لسياسات واشنطن تجاه إيران.
بشكل عام، تعتزم الحكومة الإيرانية الجديدة تعزيز علاقتها مع كاراكاس، في مواجهة العقوبات ومعارضة سياسات الهيمنة التي ينتهجها البيت الأبيض.
تعميق مسار العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياحية والثقافية
الجانب المهم الآخر لزيارة وزير الخارجية الفنزويلي إلى إيران يمكن تقييمه في سياق تعميق التعاون والعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والذي يستند بالطبع إلى الحاجة إلى التعاون الثنائي على المستوى العالمي.
في السنوات الأخيرة، وخاصةً منذ حكومة محمود أحمدي نجاد، بدأت إيران مستوى مهماً من التعاون الاقتصادي مع حكومة هوغو تشافيز في فنزويلا. وخلال نفس الفترة، استثمرت إيران حوالي 15 مليار دولار في هذا البلد.
كما واجهت فنزويلا في السنوات الأخيرة العديد من المشاكل للحصول على الوقود الذي تحتاجه، على الرغم من امتلاكها لموارد نفطية هائلة (أكبر احتياطيات نفطية في العالم – أكثر من 300 مليار برميل)، وكانت إيران هي التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد، من خلال إرسال الوقود إليه. على سبيل المثال، في أكتوبر 2020، أرسلت إيران حوالي 800 ألف برميل من الوقود إلى هذا البلد.
وفي ظل الظروف الجديدة، يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تنشط في تصدير الأغذية والسلع الصحية إلى فنزويلا. وفي الوقت الحالي، بينما أرفف المتاجر ومحلات السوبر ماركت الفنزويلية فارغة، فإن السوبر ماركت الإيراني في كاراكاس مليء بالبضائع، وهذا ما يرضي إلى حد كبير مواطني هذا البلد.
بالإضافة إلى ذلك، على مدى السنوات القليلة الماضية، قدمت طهران مساعدةً كبيرةً لفنزويلا في إعادة بناء وإصلاح مصافي التكرير المتهالكة. ويشير مجموع هذا الوضع بوضوح إلى أن حكومة السيد إبراهيم رئيسي وحكومة نيكولاس مادورو لديهما الخلفية والخبرة المناسبتين لزيادة مستوى العلاقات.
والمجال المهم الآخر في خضم جهود طهران وكراكاس لتعميق العلاقات الثنائية، يتعلق بتطوير وتعزيز قدرات السياحة البيئية.
في الواقع، تشتهر إيران وفنزويلا على مستوى العالم بمناطق الجذب السياحي الطبيعية، ويتمتع كلا البلدين بثقافة غنية كتراث تاريخي لشعبيهما. حتى في نهاية عام 1399، سافر وزير السياحة الفنزويلي “علي بادرون” إلى إيران، وهذا يدل على جدية الطرفين في تطوير العلاقات في هذا المجال، والذي من المحتمل أن يحظى باهتمام متزايد من وزارتي خارجية البلدين من منظور التطورات المستقبلية.
إن إقامة جولات سياحية بين البلدين، وتعزيز ثقافة المقاومة والسلام بين الأهداف السياحية، محور مهم يمكن تعزيزه في العلاقات المستقبلية بين الجانبين.