ما لم يسمعه الجربا في واشنطن: لا سلاح… ولا حتى حكم!
سمع وفد «الائتلاف» السوري المعارض خلال جولته على المسؤولين الأميركيين في الأيام الأخيرة كلاماً «عاطفياً مؤثراً» حول موقف الولايات المتحدة «الإنساني» مما يجري في سوريا. لكن، عندما أخرج المعارضون لائحة مطالبهم التي تتركّز على مدّهم بالسلاح النوعي المضاد للطائرات وللدبابات، جاء الجواب الأميركي: «نحن نتفهّم مطلبكم هذا». وزير الخارجية جون كيري اكتفى بـ«تفهّم» مطلب المعارضة، لكنه لم يقدّم أي تعهّد ملموس بتلبيته. «سنستمر في دعم الشعب السوري ومساعدته كما فعلنا في السابق»، كرّر كيري على مسامع الزائرين.
بعض هؤلاء لا يزال يعوّل على «تغيّر في الموقف الأميركي» حيال موضوع التسليح. لكنّ مسؤولين سابقين في الإدارة والخارجية والاستخبارات يكررون نصيحتهم لواشنطن بعدم تسليح المعارضة السورية، وخصوصاً عدم الإقدام على أي عملية عسكرية في البلد.
قبيل جولة «الائتلاف» على المسؤولين الأميركيين، وتحت عنوان «ما الذي يجب فعله حيال سوريا؟»، نظّم «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي جلسة نقاش أدارها مدير «المجلس» ريتشارد هاس مع السفير السابق رايان كروكر، المدير السابق لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي تشارلز ديون والمسؤول السابق عن منطقتي الشرق الأدنى وجنوب آسيا في «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي. آي. إي.) بول بيلار.
الحاضرون حسموا أموراً تتعلق بمستقبل سوريا السياسي وقدّموا توصيات إلى الإدارة الأميركية بهذا الشأن، وحذّروا من مخاطر بعض السيناريوات، مثل التدخل العسكري وحتى مدّ المعارضة بأسلحة متطورة. والخلاصة، بحسب هؤلاء، أن جلّ ما يمكن فعله الآن هو «إعداد ملفات حول بعض من ارتكب جرائم ضد الإنسانية ورفعها الى محكمة الجنايات الدولية أو الى أي محكمة أخرى».
«سنكون في صدد ارتكاب خطأ فادح إذا اتجهت سياستنا نحو قلب الطاولة وإحلال حكم ذي هيمنة سنيّة في دمشق، لأنه على الأرجح سيكون بقيادة أسوأ السيّئين»، قال كروكر. السفير الأميركي السابق في دمشق وبيروت طلب من إدارة أوباما أن تحدد أولاً ما إذا كان هدفها هو «سوريا من دون (الرئيس بشار) الأسد أو سوريا من دون العلويين». وهنا نصح بالعمل على استراتيجية «سوريا من دون الأسد» وليس على «سوريا من دون العلويين»، خصوصاً في المحادثات الدبلوماسية مع روسيا وإيران، وأيضاً السعي الى التأثير «في المجتمعات العلوية» من أجل حثّها، مع الوقت، على التخلّي عن الأسد. لكن ما يبقى «الأسوأ» في سوريا، حسب كروكر، هم «عناصر المعارضة». وهنا، شرح لماذا يجب التفكير مليّاً قبل تسليح المجموعات المعارضة، إذ إنها متشعبة جداً وفضفاضة. كروكر ردّ على ديون بشأن اقتراح الأخير تزويد مقاتلي المعارضة السورية بأسلحة متطورة وقال: «لقد جرّبنا ذلك في أفغانستان، وما زلنا نعمل جاهدين حتى اليوم على استرداد أنظمة الدفاع الجوي المحمولة من المقاتلين هناك». لذا، «يجب أن نكون حذرين إلى أقصى الدرجات في تحديد ماهية الأسلحة التي سنقدمها؟ وكيف؟ والى مَن؟».
أما طرح المسؤول السابق في الأمن القومي ديون تنفيذ هجمات محدودة على الأراضي السورية «لأهداف إنسانية» فقد لاقى رفضاً قاطعاً من كروكر ومن المسؤول الاستخباري بيلار، اللذين حذّرا من خطورة أي تدخل عسكري ميداني أميركي في سوريا. وهنا، تكرر ذكر التجربة الأميركية في الحرب اللبنانية في الثمانينيات. كروكر تحدّث كـ«شاهد» على تلك الأحداث، ونصح بألا يتخذ أي قرار عسكري بشأن سوريا إن لم تكن الإدارة متأكدة من فعاليته وضمان نتائجه. «لا يمكننا إنهاء الحرب في سوريا، لكن فلنعمل على احتوائها»، وذلك من خلال مساعدة اللاجئين في الدول المجاورة وتقديم الدعم لتلك الدول.
وعن تحكّم دول خارجية في مصير الصراع في سوريا وتطوره، استشهد بيلار بالحرب اللبنانية أيضاً، ورأى أن هناك عاملاً أساسياً في تحديد انتهاء الحرب السورية ــ كما حصل في لبنان ــ وهو الميدان، أي «عندما سيُنهَك المتقاتلون». وهنا، أضاف كروكر: «اتفاق الطائف لم ينه الحرب اللبنانية، انتصار السوريين ميدانياً هو الذي فعل». «لن تنتهي الحرب السورية باتفاق، غير وارد أصلاً، بين السعوديين والإيرانيين. تطورات الميدان هي التي ستوقف الحرب»، خلص كروكر.
ندوات «سلام»
«المعهد الأميركي للسلام» (United States Institute of Peace) و«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» كانا محطتين أساسيتين في جولة الوفد السوري. هذان المعهدان بالذات يتميزان بصفات معلنة تضعهما في خانة «اللوبي السياسي» و«الجناح الاستخباراتي» أكثر من مجرد «مراكز أبحاث وأفكار وسلام»، كما يسوّقان ويعرّفان عن نفسيهما.
أحمد الجربا حلّ ضيفاً عزيزاً على «المعهد الأميركي للسلام» وهو يعلم جيداً أن هذا المعهد لا يقوم فقط «بالدراسات الهادفة إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط»، بل هو من المعاهد القليلة التي تتصل ميدانياً مع مجموعات مسلحة في بعض البلدان وتلعب دور وسيط بينهم وبين الكونغرس المنبثقة عنه، وتوكل إليهم أدواراً عملية على أرض المعارك كما في العراق واليمن… والجربا يعلم أيضاً أن «المعهد» يضمّ في مجلس إدارته وضمن كوادره ومن بين رؤسائه مسؤولين وعناصر في «سي آي إي». وتؤكد بعض المؤسسات الإعلامية الاميركية أن «نصّ المادة التشريعية التي أسّست للمعهد يتضمن بنداً يسمح لمدير سي. آي. إي. بأن يعيّن ضباطاً وموظفين من الوكالة في المعهد»، كما يحق للمعهد أن يستخدم معلومات سرّية من الوكالة. هناك تنسيق عالٍ إذاً بين «المعهد» و«سي. آي. إي.» في العمليات والداتا، وصلاحيات، معلنة على موقعها الإلكتروني، لتدريب «المدنيين والعسكريين والجهات الحكومية وغير الحكومية على تفعيل قدراتهم لبناء السلام»!
أما «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» فهو انتقل من كونه ذراعاً مباشرة لـ«لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (أيباك) إلى «معهد أبحاث داعم لإسرائيل ويقوم بدراسات موضوعية حول الشرق الأوسط»، أسّسه وأداره لمدة 8 سنوات سفير واشنطن السابق في تل أبيب مارتن إنديك. ومنذ أيام، حلّ رئيس الوزراء السابق إيهود باراك وعضو «الائتلاف» منذر آقبيق ضيفين مشاركين في مؤتمر من تنظيم المعهد في واشنطن.
صباح أيوب – صحيفة الاخبار اللبنانية