ماكرون.. محاولة يائسة للخروج من عباءة أمريكا
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
“على أوروبا أن تتجنب الدخول في منطق كتلة مقابل كتلة. عاشت الصداقة بين الصين وفرنسا”، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. من الواضح أن ماكرون ليس قلقاً للغاية من خلال التأكيد على “الاستقلال الاستراتيجي” لأوروبا بشأن ما إذا كان الناس يعتقدون أنه يهاجم الولايات المتحدة، وذلك لأن سيطرة واشنطن جعلت فرنسا وأوروبا تشعران بالضيق والانزعاج.
تُظهر تصرفات ماكرون حدود قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على أوروبا في مسألة احتواء الصين، ورد الفعل العنيف على ذلك، هو أن ماكرون سئم من كونه “تابعاً” ويريد دفع أوروبا التي تمر الآن بأزمة عميقة لتكون لاعباً رئيسياً، حيث زاد اعتمادها على الولايات المتحدة بشكل كبير بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
تشعر الدول الأوروبية بالذعر وتزيد من إنفاقها الدفاعي، ولكن بدلاً من التفكير في “الدفاع الأوروبي”، فإنها تتبنى حماية الولايات المتحدة بسبب الخوف. وذلك لأن دول أوروبا الشرقية وعلى وجه الخصوص لا تثق إلا بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفيما يتعلق بالطاقة، رفضت الدول الأوروبية الغاز الروسي، ما أعطى الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى سوق الطاقة الأوروبية. وقد ساعد ذلك أوروبا على التعامل مع حالة الطوارئ، لكن الاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة كان كبيراً بما يكفي لتفكيك الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا، وهي قضية تهتم بها فرنسا أكثر من غيرها. وفي هذا الوقت، تدعو بعض القوى في أوروبا إلى التخلص من الاعتماد على الصين، والأمر الذي يغض الطرف عن الحقيقة، فإذا حاولت الدول الأوروبية “فك ارتباطها” عن الصين، كما تريد واشنطن، فلن يكون الأمر مختلفاً عن “الانتحار الاستراتيجي”، حيث سيصبحون جميعاً دمى مطيعة إرضاءً للولايات المتحدة. كما أن ماكرون حذر من “تجاوز الدولار الأمريكي للحدود الإقليمية”، ما يثبت أنه لا يريد فقط تعزيز التعاون بين الصين وفرنسا، ولكن أيضاً أن تكون أوروبا “قطباً ثالثاً” بعيداً عن الصين والولايات المتحدة.
ليس من الصعوبة فهم مشاعر ماكرون، فاقتصاد الاتحاد الأوروبي ضخم، لكن استراتيجيته تسيطر عليها الولايات المتحدة بالكامل. ونتيجة لذلك، فإن العديد من الدول الأوروبية تتزلف للولايات المتحدة كي تكسب التأييد، الأمر الذي يجعل النخب الأوروبية مثل ماكرون غير مرتاحة للغاية.
من الواضح أن ما قاله ماكرون في الصين، وعلى متن الطائرة، أذهل وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وبعض المشرعين، لكن أوروبا الغربية “القوية إيديولوجيا” تتسامح مع ماكرون، حيث يبدو أن النخب الفرنسية والأوروبية التي تتهم الصين في كثير من الأحيان بقضايا تتعلق بحقوق الإنسان قد توصلت إلى اتفاق ضمني مع موقف ماكرون تجاه الصين. كما يبدو أنهم يتعاونون مع ماكرون لطمس السؤال عما يعنيه تعزيز التعاون بين أوروبا والصين بالنسبة للإيديولوجيا.
في السنوات الأخيرة، لم تدخر الولايات المتحدة أي جهد للترويج لفكرة أن العالم في عصر “الديمقراطية مقابل الاستبداد”، وقد حذا حذوها الكثيرون في أوروبا. ومع ذلك، خلقت زيارة ماكرون للصين فجوة كبيرة في الستار الحديدي الأيديولوجي الذي شيدته الولايات المتحدة.
بالطبع، يجب ألا يعتقد الصينيون أن تصريحات ماكرون تعني أن فرنسا ستقف إلى جانب الصين في الصراع بين الصين والولايات المتحدة في المستقبل، كما أنه من غير المرجح أن تنفصل الدول الأوروبية عن الولايات المتحدة لأنها تتمتع بصلات قوية وترتبط بعضها ببعض من قبل الناتو.
إن موقف ماكرون تجاه الصين لا يعني أن الدول الأوروبية ستتبع منطق “التمرد” على الولايات المتحدة واحتضان الصين. ومع ذلك، يمكن القول إذا أرغمت الولايات المتحدة الدول الأوروبية على مواجهة الصين التي تتعامل معها بشكل معقول وعادل، فإن مصالحها الاستراتيجية ستتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وفي هذا الحال ستستخدم الصين السياسة المعهودة بالهدوء للسيطرة على الموقف ومشاهدة الولايات المتحدة وهي موضوع السخرية والاستهزاء.
إن موقف فرنسا هو مثال على محاولة سعي الدول الأوروبية لتحقيق كرامتها ومصلحتها الذاتية، ففي الواقع، لا يوجد بلد يريد أن يكون تابعاً للهيمنة الأمريكية. كما يحسب حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل اليابان وأستراليا، التوازن بين الخسائر والمكاسب الناتجة عن الانصياع التام للولايات المتحدة ، وولائهم للولايات المتحدة ليس مطلقاً.
على المدى الطويل، تحتاج الصين إلى العمل الجاد لمنع أوروبا من أن تصبح مثل اليابان وأستراليا، بينما تدفع اليابان وأستراليا للتصرف قدر الإمكان مثل فرنسا وأوروبا. هناك نوعان من العوامل الرئيسية في هذه العملية: أن تستمر القوة الشاملة للصين في الازدياد، وأن تكون استراتيجية فرنسا في استخدام القوة دقيقة ومعقولة، إضافة إلى التحسين المستمر لعلاقات التعاون والصداقة مع الصين بالنسبة لجميع البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حتى تتمكن جميع الدول من الاستفادة من صعود الصين، وبهذه الطريقة، يمكن التحوط بشكل فعال ضد تشكيل الولايات المتحدة لجبهة موحدة مناهضة للصين، وكذلك بناء الزخم للقضاء عليها.