ليست مجرد كلمة او عبارة
وكالة أخبار الشرق الجديد –
غالب قنديل:
تغلب على بعض النقاشات الجارية بشأن البيان الوزاري حالة من الاستخفاف بالعقول والتنكر للذاكرة بل والتذاكي في تبسيط مبتذل لموضوع الاعتراض السعودي الحريري على معادلة الشعب والجيش والمقاومة .
اولا انطلقت الحملة على الثلاثية اللبنانية الشهيرة بقرار اميركي استهدف نزع أي التزام لبناني رسمي بشرعية المقاومة وبدورها وفي سياق سلسلة من الخطوات والعقوبات المتخذة ضد حزب الله أطلقتها الولايات المتحدة وأسست بنيانها الحقوقي والعملاني من سنوات وبالذات عشية اندحار الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وهي بذلك عمدت تدريجيا إلى إلغاء مفاعيل اعترافها بشرعية المقاومة اللبنانية المكرسة في تفاهم نيسان 1996 الذي صدر في بيان رسمي للخارجية الأميركية بناء على طلب الرئيس الراحل حافظ الأسد .
ألحقت الإدارة الأميركية بنهجها العدواني ضد حزب الله حكومات الاتحاد الأوروبي وحكومات الخليج عبر خطوات تلاحقت وتسارعت في الأشهر الماضية لمحاصرة المقاومة ولمحاولة خنقها والتضييق على جمهورها ومناصريها عبر العالم وفي المنطقة وهذه الخطوات جميعها بالجملة والتفصيل تمت بناء على تخطيط صهيوني ينطلق من اعتبار المقاومة اللبنانية الخطر رقم واحد على إسرائيل.
فإسرائيل العاجزة عن تحدي معادلات الردع التي فرضتها المقاومة منذ حرب تموز تعمل مع الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى في تطبيق استراتيجيات الحرب الناعمة لمحاصرة المقاومة بإجراءات وعقوبات قانونية وهذه السلسلة من التدابير يصعب تنفيذها في الداخل اللبناني حيث اكتسبت المقاومة حصانة قانونية تقيم حاجزا في وجه أي محاولات لاستعمال المؤسسات والأجهزة اللبنانية الرسمية في النيل منها او من مناصريها وداعميها وتلك هي العقدة التي تسعى دول الغرب وإسرائيل إلى تفكيكها بالتعاون مع حكومات عربية تتقدمها المملكة السعودية التي توظف نفوذها وإماكاناتها داخل لبنان في هذا السبيل منذ سنوات وهي لم تفلح حتى الآن .
ثانيا الولايات المتحدة وإسرائيل ومعهما فرنسا وبريطانيا والسعودية تمارس كل الضغوط الهادفة لفرض خلو البيان الوزاري للحكومات اللبنانية من أي ذكر للمقاومة لأن ذلك سيوحي بقيام توازن جديد في البيئة الإقليمية ويعد مؤشرا على تصفية أهم آثار الدور الإقليمي السوري الذي ضمن رعاية مستمرة لتكريس شرعية المقاومة في حكومات ما بعد الطائف .
المطلوب إنهاء أي التزام رسمي لبناني بشرعية المقاومة وفك الربط القائم بين الجيش والمقاومة في نص البيان الوزاري لتغطية خطة العمل الأميركية للتأثير على عقيدة الجيش اللبناني القتالية والتي ستوظف في خدمتها جميع المساعي والجهود والدورات والبعثات التي تنظم حاليا تحت عنوان دعم المؤسسة العسكرية كذلك يستهدفون مبدأ التكريس الشرعي للمقاومة لأنه يقيم حصانة قانونية ضد العقوبات والتدابير المتخذة من قبل دول عربية واجنبية ضد حزب الله ومؤسساته ويغلق الطرق أمام المحاولات الهادفة لإلزام لبنان بتلك العقوبات على الصعيدين المصرفي والحقوقي ويجب الالتفات إلى ان التدرج في نزع الشرعية وفرض العقوبات هي إحدى أبرز ملامح الاستراتيجية المعتمدة ضد المقاومة منذ صدور القرار 1559 .
إن مسايرة هذا المنطق ستقود لفتح أبواب المؤسسات اللبنانية امام سيل العقوبات والتدابير القانونية والمصرفية الموضوعة والمتخذة تحت الطلب الإسرائيلي ضد أشخاص لبنانيين او شركات لبنانية او عربية او اجنبية تجد المخابرات الإسرائيلية في نشاطها دعما للمقاومة اللبنانية وكذلك ضد قادة او كوادر في المقاومة.
ثالثا ليس ما يدور بعيدا عن شبكة الأدوات المستخدمة في حملات الشيطنة والحصار التي يتعرض لها حزب الله ومن اخطرها وأشدها خبثا ودهاء كل ما يدبر تحت عباءة المحكمة الدولية الخاصة بعدما دفع الأميركيون واعوانهم مسار قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في اتجاه النيل من حزب الله ومن قادة بارزين في المقاومة وعلى الرغم من الفشل المتمادي لمخطط الفتنة المذهبية بفضل يقظة حزب الله وحلفائه في الحلف الوطني الحاضن للمقاومة وللوحدة الوطنية فإن العمل على هذه الخطوط جميعها يبدو مستمرا وفاعلا ومن غير توقف وتتبدل الأدوات تبعا للمرحلة وللتوازنات ولطالما درجت الحكومات الأميركية على إنشاء أدوات ضغط وتركها جاهزة للاستعمال في التوقيت المناسب فيتم تفعيلها ولو بعد سنوات.
المسألة ليست مجرد كلمة في بيان ولا هي إشارة عابرة تستجدى الموافقة عليها بل هي قضية شرعية المقاومة وحصانتها الوطنية في مرحلة حرجة ومشحونة بالمخاطر على مستوى المنطقة والعالم ولا ينبغي السماح في مثل هذه الظروف بأي ثغرة توسع من حجم الاختراق الاستعماري لمقومات القرار اللبناني بسبب التركيبة الطائفية للنظام السياسي وبفعل مفارقة ان القوة المؤسسة للسيادة بتحريرها الوطن من الاحتلال الصهيوني تجد دائما داخل البلاد المثخنة بالاختراقات الخارجية الإقليمية والأجنبية والإسرائيلية من يجادل في مشروعيتها أو يتآمر عليها بإيعاز خارجي.