ليبيا واختلاط الحابل بالنابل
موقع روسيا اليوم ـ
محمد الطاهر:
على الرغم من التجانس النسبي الذي تتسم به ليبيا سكانيا، إلا أن الأوضاع بعد خمس سنوات من إسقاط نظام القذافي، وصلت هناك إلى درجة كبيرة من التعقيد، بما لا ينسجم مع الكثير من المعطيات.
كان يُعول أن لا يصل الصراع في ليبيا إلى درجة من الحدة كالتي تتسم بها الأوضاع في العراق أو سوريا، وذلك لعدم وجود تناقضات مذهبية أو عرقية كبيرة في النسيج الاجتماعي الليبي، إلا أن حمى التنافس على النفوذ قبليا وجهويا، بالإضافة إلى انتشار التنظيمات المتطرفة، فاجأ على ما يبدو أصحاب التوقعات المتفائلة.
وقد تتالت ما يمكن وصفها بـ”حروب الغنائم والثارات” في ليبيا خلال السنوات الماضية، حتى وصلت الأوضاع في هذا البلد إلى درجة كبيرة من التأزم أمنيا واقتصاديا وسياسيا، بل وازداد تهتك النسيج الاجتماعي إلى درجة تهدد فعليا بانقسام هذا البلد الشاسع وانفصال شرقه عن غربه.
لقد تمكنت الفوضى من هذا البلد، فتبدد استقراره وتقلصت احتياطاته النقدية وتجمدت صادراته النفطية وساءت الخدمات العامة، كل ذلك حدث من خلال أزمات عديدة يمكن وصفها بالمفتعلة وذلك لغياب اية مبررات منطقية لها.
من أمثلة ذلك أن منطقة غرب ليبيا، شهدت اقتتالا عنيفا عام 2014 بين مراكز قوى قبلية وجهوية متداخلة، ما تسبب في تدمير عدة مرافق حيوية من بينها مطار العاصمة الرئيس وعدة خزانات استراتيجية للوقود.
AFP
ولم يتمكن “ثوار” الأمس بمختلف مشاربهم طيلة السنوات الماضية من الاحتفاظ باتزانهم بعد سقوط نظام القذافي، ولم يتوصلوا إلى آلية سلمية للتفاهم، ما دفعهم إلى استعمال أسلحتهم والدخول في مغامرات عسكرية لتصفية الحسابات لم تؤد إلى شيء غير الانقسام، وأوصلت الأوضاع المعيشية في هذا البلد الغني بالنفط والغاز إلى درجة كارثية.
وفي هذا الصدد، رسم المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، صورة قاتمة للأوضاع في ليبيا في تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أشار فيها إلى حاجة أكثر من 2 مليون نسمة، أي 40% من السكان إلى مساعدات إنسانية، وإلى أن نحو مليون وربع المليون شخص لا يحصلون على كميات كافية من الغذاء ومياه الشرب، وإلى أن 60% من المستشفيات الليبية لا تعمل.
وعلى المستوى السياسي، يصف كوبلر مجلس النواب بأنه مشغول بالاقتتال داخله، ولا يريد تحمل مسؤولياته وإنهاء معاناة الليبيين، كما يقول إن وضع المدنيين في مناطق النزاع في مدينة بنغازي شرق البلاد “خطير ومقلق جدا”.
وهكذا على الرغم من الجهود الدولية المتواصلة لتسوية الأزمة السياسية في ليبيا، وانتظار تصديق مجلس النواب على حكومة فايز السراج، أصبح لكل منطقة في البلاد أوضاعها الخاصة، فأجواء بنغازي، التي يخوض الجيش فيها آخر معاركه ضد بقايا تنظيمات وكتائب توصف بالمتطرفة، تختلف عن طرابلس المنقسمة بين حكومتي فايز السراج وخليفة الغويل وعدد كبير من المليشيات والتشكيلات العسكرية المتحالفة مع الطرفين.
هذا الوضع المتشظي يسري على جميع أرجاء البلاد، حيث انخرطت مراكز القوى المختلفة في صراعات مسلحة في المدن والواحات والصحاري، ما حول البلاد إلى رقعة فسيفساء كبيرة يصعب تحديد حدود النفوذ فيها.
بل وصل اختلاط الحابل بالنابل في هذه البلاد إلى درجة يصعب فهمها، حيث تدعم حكومة الغويل في طرابلس ما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي، أحد خصوم الجيش بقيادة حفتر، فيما تقاتل على حدة قوات تابعة للجيش وقوات تابعة لمجلس شورى مجاهدي درنة، القريب فكريا من تنظيم القاعدة، مسلحي تنظيم “داعش”، وتمكنت مؤخرا من طردهم من مواقعهم في محيط المدينة.
وما يزيد الطين بلة أن انقسام الفرقاء الليبيين ترفده تدخلات خارجية منذ عام 2011، إذ لعبت قطر الصغيرة دورا كبيرا في الصراع الذي أدى إلى إسقاط نظام القذافي، ثم انخرطت لاحقا في منافسة كبيرة مع السعودية والإمارات ومصر، ولعبت تركيا ولا تزال دورا غامضا لتحقيق مكاسب في ليبيا. كل ذلك ألقى بظلال قاتمة على حاضر ليبيا ومستقبلها.