لو كان للرغيف طائفة لما غفت البطون جائعة
موقع إنباء الإخباري ـ
سحر بلوط:
تحمل كلمة ثورة في أًصلها معنى الغضب، الغضب الذي يؤدي إلى تغيير جذري نتيجة عوامل كثيرة وأسباب مختلفة.
وقد اتفق على ذلك باحثون ومثقفون وفلاسفة كثر أبرزهم المؤرخ الأميركي كرين برينتن وتحديداً في كتابه “تشريح الثورة”. وهي كمصطلح سياسي واجتماعي لم تصبح قيد التداول إلا في العصر الحديث.
وللثورة طبعاً أوجه عديدة منها العسكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي على اختلاف أسباب اندلاعها ونشوئها وبحسب متطلّبات من يدعو للثورة.
وفي قائمة الأسباب يأتي القمع والاستبداد الذي يطيح بأي فرصة للتفكير ويترك للحاكم (أو الزعماء) مهمة الوحي وما على الشعب إلا التنفيذ والطاعة.
لكن، ماذا لو كانت الديمقراطية سبباً من أسباب الثورة؟
نعم، الديمقراطية.
ففي بلدي العزيز يستطيع أيّ كان أن يعبّر عن رأيه وأن يشتم ويتناول بسخرية أي شخصية سياسية أو دينية، وفي بلدي يشجّعك المسؤول على إشعال دولاب أو إقفال طريق أو حتى إقامة اعتصام أو مسيرة، كما يمكنك أن تلقّب المفتي بالشيطان والرئيس بالمزوّر والوزير باللص أو القاتل.
ولسخرية الأمر إن معظم الألقاب تأتي صريحة وصحيحة وتتخطى حدود الاتهام مع وجود أدلّة تسرّب إعلامياً في عصر باتت فيه الشاشة أيضاً ساحة معركة أو على الأقل منبراً للحشد والتجييش.
في بلدي، يمكنك أن تضرب عرض الحائط بكل القوانين والمعاملات والمراسيم لكن بشرط أن تنطبق عليك شروط محددة منها أن تكون مسلّحاً بمسدس مثلاً، أو حصانة، أو حتى “كارت” وزير.
وهذا النمط من التصرّفات يجعل من الثورة السياسية والاجتماعية في لبنان أمراً شبه مستحيل، إن لم نقل مستحيلاً، وهو أمر يعرفه المحنكون من الساسة “المعتّقون”، المتمرّسون في فن قيادة الشعب اللبناني بالتحديد. إذ يخيّل للّبناني، لكبر مساحة التعبير التي يتمتّع بها، خاصة مع وجود العالم الافتراضي، أنه حرّ وأن بإمكانه تغيير معادلات الدولة وإرادة الزعماء.
لكن منطقي الخاص والمتواضع يرى أن اختفاء القيود على الكلام والاحتجاج خلف المتاريس الالكترونية ينفّس غضب المواطن ويمتص ردّات الفعل بشكل تلقائي وسريع، بمجرد تغيير الحالة “الفايسبوكية” أو “التويترية” أو حتى كيل الشتائم للطرف الآخر.
ولا يخفى على أحد أن اللبناني اعتاد الفساد إلى حدّ أنه قد يصعب علينا العيش بكرامة اجتماعية واقتصادية، ويصعب علينا الالتزام بقوانين تخدم مواطنيتنا وإنسانيتنا.
والتجربة على مدى سنوات أكدّت أن أي رفض للأمر الواقع يُترجم طائفياً بحكم التخلّف المذهبي الذي نعيش فيه.
ومن سخافة بنية المجتمع اللبناني أن الشارع لا يغريه الدم الثوري بقدر ما يغريه الدم الطائفي. فرغيف الخبز، والخدمات البديهية التي تحقّ للمواطن، لا تجد من يطالب بها، بينما تجد النعرات المذهبية ألف نصير مستعد “للشهادة” في سبيل إلغاء الآخر.
إذن لكي تقوم الثورة، يجب أن يكون لدى الشعب ما يكفي من المنطق أولاً، ثم الغضب، وما يكفي من الأسباب وإن كنّا نملك الأسباب، فنحن طبعاً – حتى الساعة – لا نملك الغضب الكافي أو أن الخمول والاستسلام وصل إلى حدّ الفكر والشعور.