«لهيب عسكري» في الوقت الديبلوماسي المستقطَع
لم تصدر ايّ مؤشرات عن المملكة العربية السعودية يُفهم منها انها سلَّمت بالانعطافة الاميركية تجاه ايران وباشرت رسم سياسة القبول بالامر الواقع. لا بل على العكس، توحي سياسة الصمت التي تعتمدها المملكة في هذه المرحلة بعد اسابيع من المواقف الغاضبة والمتوترة بوجود استعدادات لترجمة “الغضب” السعودي اكثر منه بالتسليم بما حصل.
يبدو التوقيت لترجمة الرفض السعودي ملائماً في نظر البعض. فعدا عن موافقة وزير الخارجية الاميركي جون كيري على تأجيل انعقاد “جنيف 2” بناء لطلب نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، تبدو كلّ من واشنطن وطهران في حاجة لوقت “مستقطع” بعد هذه المسافة كلها التي اجتيزت في مدة قياسية قبل الشروع في المرحلة اللاحقة. لذلك، ظهرت ربما التباينات بين الحلفاء في اجتماع دول (1+5) في جنيف إزاء الملف النووي الايراني اضافة الى تروٍّ ايراني ناتج ربما عن نقاش داخلي بين الاصلاحيين والمحافظين.
ففي جنيف، ظهر موقف فرنسي متشدد لا يزعج المفاوض الاميركي لا بل ربما يساعده في العمق، وفي الوقت نفسه يهدّئ من روع المملكة الغاضبة.
وفي طهران، ضغط يمارسه فريق المحافظين للتروي قليلاً في الاندفاعة الحاصلة خصوصاً أنّ هناك من يعتقد أنّ تأجيل تنفيذ الاتفاق مع واشنطن الى مرحلة لاحقة، سيعطي ايران مكاسب اكثر، على اساس أنّ واشنطن لم تندفع في هذا المسار الّا تحت وطأة الظروف المعاكسة لرغبات الاميركيين، وحيث إنّ عامل الوقت لا يلعب في مصلحتها، ما يعني بحسب المحافظين أنّ الرهان على الوقت والانتظار سيدفع بالموقف الاميركي الى المزيد من التراجع وبالتالي تحقيق تسوية سياسية افضل لإيران.
لكن أياً يكن التوجه المقبل، والذي يحدده في نهاية المطاف التفاوض الدائر في الكواليس الضيقة، او وفق ما يعتبره اللبنانيون التواصل من تحت الطاولة، تبدو الانعطافة الاميركية- الايرانية في حاجة لهذا الوقت المستقطع لهضم الانجازات الكبيرة والدسمة التي حصلت، وفي طليعتها فض الاشتباك رسمياً بين واشنطن وطهران بعد اكثر من 26 عاماً من العداء والصراع المفتوح.
في هذا الوقت المستقطع قد تجد المملكة السعودية فرصة لاعادة اثبات موقعها، لا بل للعمل على ضرب الانجازات الميدانية الايرانية لا سيما في سوريا ثمّ لبنان والعراق.
ولم يكن من باب الصدفة أن يرتفع معدل التفجيرات في العراق الى مستوى جنوني حاصداً ما يقارب الـ 900 ضحية في شهر واحد فقط. وليس بعيداً، فإنّ المناخ نفسه سمح بالاحتقان الكبير في شمال لبنان والذي تُرجم اشتباكات ومواجهات.
وسط هذه الاجواء، جاء توقيت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى السعودية بعد تأجيلَين. وربما انطلاقاً من هذه القراءة، توجَّس “حزب الله” وحلفاؤه ورفعوا سقف انتقاداتهم للقمة اللبنانية – السعودية، ذلك انّ الاستنتاج الاولي للصورة الاقليمية، هي انّ الرياض ستسعى للامساك باوراق قوتها كلها في سوريا والعراق ولبنان في محاولة لتعزيز مواقعها وإضعاف مواقع ايران، قبل استعادة منطق المفاوضة مساره الصحيح إن على مستوى واشنطن – طهران او خصوصاً على مستوى التسوية السياسية لسوريا الجديدة.
لكنّ الاجواء الاولية تشير الى انّ كبار المسؤولين السعوديين يريدون السماع عن موقع لبنان الرسمي من كل ما استجد من تطورات، ويريدون استكشاف العامل القطري في الخيوط اللبنانية المتشابكة.
ذلك انّ الجار القطري اللدود والمتخاصم بعنف مع السعودية في مصر، بات متمايزاً على الصعيد الايراني. ففيما الغت السعودية زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني كان امير قطر يدعوه الى زيارة الدوحة. هذا في وقت كان يعمل وزير خارجية قطر على انهاء ملف مخطوفي اعزاز ويجلس في الطائرة التي حملت المخطوفين ويحطّ في مطار بيروت ولو من دون النزول فيه.
الرئيس ميشال سليمان وصل الى قصر بعبدا على خلفية تسوية الدوحة والتي رعتها قطر وفرنسا مباشرة.
والكلام السعودي الممهد للقمة اللبنانية – السعودية واضح: سندعو لتطبيق بنود “بيان بعبدا”. الهدف واضح وهو ادخال السلطة اللبنانية في حركة الضغط على “حزب الله” للانسحاب من سوريا. ولذلك اشتعلت حرب البيانات بين تيار “المستقبل” ونواب الحزب، ووفق ذلك توقفت فجأة لقاءات الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة.
وفي اختصار للموقع السعودي الحالي، نقلت احدى مراكز الدراسات كلاماً معبراً قاله مدير الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل خلال حفل خاص عقد لأعضاء نادي كوزموس الذي يضم نخبة النخب السياسية والاقتصادية الاميركية في واشنطن ليلة 6 تشرين الثاني الجاري، طالب فيه واشنطن بشنّ غارات جوية وبحرية على سوريا والقضاء على سلاحها الجوي ومطاراتها الحربية كسبيل وحيد لتحقيق التوازن الميداني في سوريا، مؤكداً أنّ بلاده ستبذل كل ما هو مطلوب منها لمنع الدول المجاورة الحصول على اسلحة رادعة او ممارسة ايّ نفوذ لها في كل من العراق والبحرين ولبنان.
واشار الى انّ السعودية جاهزة لتمويل ايّ جهد دولي يرمي الى زعزعة استقرار الدول المتعاطفة مع ايران، حيث إنها مستعدة للانفاق من دون حدود من اموالها الاحتياطية البالغة نحو 850 مليار دولار.
ونقل عن تركي الفيصل قوله كذلك إنه ينبغي على الولايات المتحدة الاميركية وقف ايّ جهود تسووية مع ايران، وإنّ السعودية تتفهم امكان قيام الحكومة الاسرائيلية بقصف جوي وبحري ضدّ ايران ومنشآتها النووية.
صحيح انّ تركي الفيصل هو المسؤول السابق للاستخبارات السعودية، لكنّ الصحيح ايضاً هو انّ الديبلوماسيين الغربيين يعتبرونه سفيراً متجولاً لبلاده وغير مقيّد بالكياسة الديبلوماسية، وانه على الاقل يعكس حقيقة الموقف السعودي ما يعزّز الاستنتاج القائل إنّ سوريا ومعها المنطقة امام جولة عنوانها العمل على استعادة التوازنات في مرحلة الوقت الديبلوماسي المستقطع.
صحيفة الجمهورية اللبنانية – جوني منير