لماذا يرفض حزب الله في صيدا ما قَبِلَه في طرابلس والطريق الجديدة؟
موقع النشرة الإخباري ـ
ناجي س. البستاني:
وقع المحظور في صيدا في الساعات القليلة الماضية، وسقط عدد من القتلى والجرحى في إشكال أمني كبير في حيّ التعمير، عين الحلوة، علماً أنّ هذه المنطقة معروفة بأنها تضمّ قوى إسلاميّة وسياسية مؤيّدة لحزب الله، وهي أيضاً على تخوم الإمتداد الشعبي الفلسطيني بما يضمّ من فصائل ومنظّمات مسلّحة. وكان لافتاً سقوط قتلى وجرحى من أنصار إمام مسجد بلال بن رباح، أحمد الأسير، وإصابة المسؤول في “حزب الله” الشيخ زيد ضاهر. فهذه المرّة لم يكن الأمر مجرّد إستعراضات إعلامية للأسير أمام الصحافة ووسائل الإعلام، وبالتالي لم تكن المسألة عبارة عن غطسة في المياه أو عن ركوب درّاجة هوائية! بل كان إستعراض قوّة من جانب الأسير الذي حدّد مهلة زمنيّة لسحب أعلام حزبيّة وشعارات دينيّة في المنطقة، كان قد رفعها مناصرون لكل من “حركة أمل” و”حزب الله”. والأسير الذي إعتبر هذه الشعارات والأعلام إستفزازية لسكان المدينة، في ظلّ ما يحصل في سوريا، وما حصل للواء الشهيد وسام الحسن، تقدّم مجموعة مؤيّدة له لتنفيذ تهديداته بالقوّة. عندها وقع الإشكال، وجرى تبادل إطلاق النار، بفعل وجود قرار بمنع فرض آراء الأسير على كامل سكّان المدينة، مع الإشارة إلى أنّ أمين عام “التنظيم الشعبي الناصري”، أسامة سعد، نفى أي صلة لتنظيمه بالإشتباك. وقد إستدعت التطوّرات الخطيرة إرسال تعزيزات عسكريّة إلى عاصمة الجنوب لدعم اللواء الأوّل في الجيش هناك، بالتزامن مع صدور بيان شديد اللهجة عن قيادة الجيش، لجهة التعامل بقوّة مع المظاهر المسلّحة لأي جهة إنتمت. كذلك إستدعت الأحداث عقد إجتماع طارئ لمجلس الأمن الفرعي بحضور وزير الداخلية مروان شربل الذي قام بسلسلة إتصالات لضبط الوضع.
وفي ظلّ هذه التطوّرات، السؤال الذي يفرض نفسه بقوّة، لماذا يرفض “حزب الله” والقوى المؤيّدة له، في صيدا، ما سبق أنّ غضّوا الطرف عنه في الطريق الجديدة (1) وفي طرابلس (2)؟ والجواب ينقسم إلى ثلاثة أسباب رئيسة، هي:
أولاً: يَعتبر “حزب الله” الطريق الذي يربط بين بيروت، وتحديداً الضاحية الجنوبية، وقرى وبلدات الجنوب، خطّاً أحمر، ممنوع إقفاله. وفي كلّ مرّة، يتم فيها قطع طريق الجنوب نتيجة حادث سياسي أو أمني في لبنان، يضغط “الحزب” بشكل كبير على الجهات المعنيّة في الدولة اللبنانية، لتأمين سلامة العبور وسلامة العابرين. وهو لا يتردّد بتسريب تهديدات بفتح طريق الجنوب بالقوّة، في حال تلكّؤ الدولة عن هذا الأمر، وذلك عبر مصادر إعلامية محسوبة سياسياً عليه. و”حزب الله” الذي يعلم أنّ قطع طرقات صيدا، الرئيسة والثانوية والبحرية، يعني عزل الجنوب اللبناني كلياً، يرفض السماح بفرض هذا الواقع تحت أي ذريعة كانت. وهو لذلك لا يتردّد في تأمين الدعم الكامل للجهات الصيداوية المؤيّدة له، لتعزيز قدرتها على منافسة وحتى على مواجهة الجهات السياسية المناهضة له.
ثانياً: يعتبر “حزب الله” أنّ تحوّل صيدا إلى منطقة نفوذ أمني مناهضة له، على غرار “الطريق الجديدة” أو طرابلس، خط أحمر آخر. والسبب أنّ “الطريق الجديدة” هي منطقة محدودة الحجم الجغرافي، ولا يمكن وحدها أن تؤثّر على الوضع الميداني في كامل بيروت. وبالنسبة إلى طرابلس، فالمشكلة أكبر، لكن القوى المؤيّدة للحزب في “جبل محسن” قادرة نسبياً على الدفاع عن نفسها، وعلى تأمين دعم لوجستي – خلفي للحلفاء داخل مدينة طرابلس نفسها. وفي كل الأحوال، يدرك الحزب أنّ إغلاق كامل مدينة طرابلس، وحتى طريق الشمال، لا يؤثّر على أنصاره وعلى الطائفة التي يمثّلها سياسياً، نتيجة غياب الثقل الشيعي عن محافظة الشمال. أما في صيدا، فالوضع مختلف تماماً، فإضافة إلى قطع طريق الجنوب، إنّ من شأن تحوّل هذه المدينة إلى منطقة تضمّ مجموعات مسلّحة متعدّدة مناهضة له، على غرار ما هي الحال عليه في طرابلس، أن يعرّض “ظهر المقاومة” في الجنوب للخطر.
ثالثاً: يعتبر “حزب الله” ان تمدّد القوى الإسلاميّة السلفيّة في صيدا، بعد تمدّدها في طرابلس وغيرها من بلدات منطقة عكّار، يرفع مستوى التعبئة المذهبيّة، ويعزّز نفوذ القوى المناهضة للحزب داخل الطائفة السنّية، على حساب تراجع حضور القوى المؤيّدة له، أو تلك غير المعادية له على الأقل. كما أنّ من شأن توسّع نفوذ القوى اللبنانية الإسلامية-السلفيّة، بما لها من إمتدادات فلسطينيّة وسوريّة، أن يجعل الأرضيّة مناسبة في أكثر من منطقة من لبنان، للصراع المذهبي السنّي-الشيعي الذي يزداد وضوحاً في المنطقة. وبالتالي، يسعى “حزب الله” لمنع جعل صيدا، شبيهة بطرابلس، لناحية النفوذ السلفي، ولو أدّى هذا الأمر إلى مواجهة حازمة، كما حصل عصر الأحد. ولعلّ الحادث الذي وقع مع عُمر، نجل الشيخ أحمد الأسير، خير معبّر عن نموّ النفوذ السلفي في صيدا، بعد أن قامت مجموعة مسلّحة بإطلاق عُمر الذي كان أُوقف على حاجز لقوى الأمن الداخلي على الكورنيش البحري في صيدا، نتيجة قيادته سيارة من دون أوراق ملكيّة، او رخصة سوق ومن دون رخصة للزجاج الداكن المُستخدم فيها. وقد تحرّك مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، لكشف ملابسات تمكّن المسلّحين من سحب عُمر من بين عناصر الحاجز بالقوّة.
في الختام، بعد وَعد الشيخ أحمد الأسير بأن لا تُرفع في صيدا، أعلام “حزب الله” التي وصفها بالإيرانية، إلا على جثّته، وتمنّي وزير الداخلية أن لا تبدأ المشكلة في لبنان من صيدا، كما حصل عام 1975، وخشية “حزب الله” من تمدّد نفوذ القوى المناهضة له في عمق الجنوب… مخاطر كبيرة تتهدّد لبنان من جديد، فهل تُلجم بحزم أم تنضم صيدا إلى متاهات طرابلس، وعندها يصبح كل لبنان في خطر؟!
(1) في أيار الماضي، دارت إشتباكات عنيفة بين عناصر من حزب “التيّار العربي” الذي يرأسه شاكر البرجاوي، ومجموعات مسلّحة من أبناء الطريق الجديدة، مدعومة من عناصر فلسطينيّة. وقد طلب البرجاوي من حركتي أمل وحزب الله مؤازرته لصدّ الهجوم على مركزه، لكن القرار كان بتجنّب تحويل الصدام إلى سنّي-شيعي. وجرى في حينه تأمين دعم محدود بمهمّة واضحة تتمثّل بإخراج البرجاوي من المنطقة سالماً، من دون الإهتمام بمقرّ حزبه الذي جرى تدميره وإحراقه.
(2) في الأشهر وحتى السنوات الماضية، دارت إشتباكات متقطّعة في طرابلس بين جماعات قريبة سياسياً من حزب الله، وأخرى مناوئة لها. لكن “حزب الله” أبقى دعمه لأنصار حركة التوحيد الإسلامية في أحياء طرابلس، ولمقاتلي “الحزب الديمقراطي اللبناني-العربي” في جبل محسن، لوجستياً وسياسياً، من دون الدخول بشكل مباشر في أيّ من الإشكالات المسلّحة في عاصمة لبنان الثانية، على الرغم من كل التقارير التي تتحدّث عن تحوّلها إلى “واحة آمنة” لمجموعات مسلّحة لبنانية عدّة مناهضة للحزب، وكذلك لمجموعات مؤيّدة للمعارضة السورية.