لماذا فرنسا؟
لم يحدث في تاريخ الأزمة التي تعيشها سورية، ولا تاريخ الحرب التي تشنّ عليها، وتدفع سورية أثمانها الغالية، أن سجلت لدولة من الدول درجة التورّط وحجم التدخل كما هو حال فرنسا، فليس ثمة مشروع قرار في أيّ مستوى من مستويات المنظمات الدولية، من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، أو مجلس حقوق الإنسان، وصولاً إلى مجلس الأمن الدولي، استهدف سورية بالسوء، إلاّ وكانت فرنسا بين الموقّعين عليه إنْ لم تكن هي من يتقدّم به، ولم تتجرأ دولة عربية أو غربية على أن تمنح الائتلاف المعارض للدولة السورية مستوى تمثيل موازياً لما فعلته فرنسا، ولم تقم دولة علناً بالمجاهرة بتقديم التدريب والسلاح إلى المجموعات الإرهابية التي تقاتل في سورية بمثل ما فعلت فرنسا.
لم ينعقد لقاء على أيّ مستوى حكومي من مستوى سفير إلى مستوى رئيس دولة، للتآمر على سورية وغابت عنه فرنسا، أو ارتضت أن يكون تمثيلها أدنى من مستوى تمثيل أيّ من الدول المشاركة، وصولاً إلى الانخراط المباشر لرئاسة الدولة مرات عديدة، هذا إنْ لم تكن فرنسا هي البلد المضيف.
لم ينعقد اجتماع تداولي محدود الحضور في دول بعينها تتولى إدارة الحرب على سورية أو إدارة فشل الحرب على سورية، إلاّ وكانت فرسنا شريكاً فيه، إنْ لم تكن الداعية إليه والمستضيف له في عاصمتها.
لم تعقد المجموعات السياسية التي تشكل غطاء الأعمال الإرهابية التي تتهدّد سورية اجتماعاً أو مؤتمراً، وبخلت فرنسا باستضافته أو تقديم الدعم اللوجستي لتنظيمه، وضمان تغطيته إعلامياً والترويج لنتائجه سلفاً وتضخيمها كفعل استثنائي.
لم تتورّط دولة في تنظيم أعمال انقلابية منافية للقانون الدولي، وأحكام معاهدة فيينا لتنظيم العلاقات الديبلوماسية بين الدول، بمثل ما فعلت فرنسا في رعاية السطو على موارد الدولة السورية، وتدعيم آلات ووسائل السيطرة على أجزاء من الجغرافيا السورية.
السؤال هو لماذا فرنسا؟
لأنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي زوّدت «إسرائيل» القنبلة النووية، ولأنّ فرنسا هي الدولة الثالثة المشاركة في العداون الثلاثي على مصر جمال عبد الناصر إلى جانب بريطانيا و»إسرائيل»، ولأنّ فرنسا هي المستعمرة الذي زهقت أرواح المليون شهيد جزائري على أيدي جنودها، ولأنّ فرنسا هي المتهم الأول اليوم من قبل الرئيس الرواندي بول كاغامي بتنظيم وارتكاب مجزرة إبادة الجنس البشري الذي عرفته تسعينات القرن الماضي في رواندا، ولأنّ فرنسا هي الدولة التي استعمرت سورية واعتدت على سيادتها واحتلت أرضها، لكن وبصورة أشدّ لأنّ فرنسا هي الدولة التي لا يزال طعم بطولات السوريين تحت أضراسها، وهم يمرّغون بالوحل سمعة هذا المستعمر الذي ما زال يذكر كيف أذلّه السوريون بمقاومتهم العنيدة التي أجبرته على الانسحاب مدحوراً بلا مقابل.
قد يكون وارداً وضع الحكومة التركية برئاسة رجب أردوغان في مصاف فرنسا، وهذا ولو كان غير واقعي، إلاّ أنّ تفسيره واحد، وهو أنّ المستعمرين الذين تناوبوا على احتلال سورية يحملون أشدّ مشاعر الحقد على سورية سواداً، لعقدة النقص التي لم يستطيعوا التحرّر من أوزراها تجاه ما أذاقهم السوريون من مرارات مقاومتهم وبطولات شعبهم.
في عيد الجلاء الذي يحلّ في السابع عشر من نيسان، يوم خرج آخر جندي فرنسي عن تراب سورية، نتذكر شهداء الاستقلال ونتذكر أنّ قضية ومعركة الاستقلال واحدة كما هو المستعمر واحد، وأنّ الدم الذي فرض الجلاء في المرة الأولى قادر على تحقيق الجلاء الثاني، وأنّ الانتصار لم يعد بعيداً.
في عيد الجلاء نتوجّه بالإكبار إلى شعبنا في الجولان المحتلّ، وأملنا بحرية آتية لجولاننا الحبيب لا ريب فيها. كما نتوجه إلى قواتنا المسلحة بأحرّ مشاعر التهنئة على بطولاتهم وتضحياتهم، فقواتنا وحدها هي غد السوريين الذي يمنع المستعمرين من تحقيق أحلامهم.
د. فيصل المقداد – نائب وزير الخارجية السورية – صحيفة البناء اللبنانية