لماذا استقال البابا بنديكتوس السادس عشر؟
فاجأ البابا بنديكتوس السادس عشر العالم في شباط الماضي عندما استقال من منصبه كبابا الفاتيكان، ليصبح اول بابا يستقيل منذ 600 عام. ولكن الاهتمام تحول سريعا إلى من سيخلفه والى انتخاب البابا الجديد، فرانسيس. ووسط كل هذه الاحداث بقي سؤال دون اجابة شافية: ما الذي دعاه الى الاستقالة؟.
ونص البيان الرسمي لاستقالة البابا على ان اعتلال صحته هو سبب استقالته، ولكن توجد تكهنات وشكوك أن الاستقالة كان وراءها اكثر من ذلك.
ويقول الكاتب ” مارك دود” من خلال استقصاءاته:
ذهبت لزيارة الكاريدنال فرانسيس ارينزي في شقته المطلة على كاتدرائية القديس بطرس، ورجل الدين النيجيري واحد من ابرز رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، كما أنه واسع الاطلاع بمجريات الامور في الفاتيكان.
وكان ارينزي من المرشحين في اذار الماضي لخلافة البابا بنديكتوس السادس عشر، وكان من بين مجموعة من كبار مسؤولي الكنيسة الكاثولكية الذين دعوا الى القصر الباباوي ليعلمهم البابا برغبته في الاستقالة.
طرحت أمر الفضائح التي احاطت بالوقت الذي اعلن فيه البابا عن استقالته، وخاصة قضية تسريبات الفاتيكان التي سرب فيها خادم البابا وثائق سرية تكشف الصراع على السلطة في الفاتيكان. هل كان للخادم دور في الاستقالة؟ وكانت اجابة ارينزي غير متوقعة.
تسريب وثائق
وقال ارينزي “انه امر مشروع للمرء أن يتكهن ويقول ربما، لأن وثائقه سربت بصورة سرية، وقد يكون ذلك أحد الاسباب.”
واضاف “ربما شعر بحزن وألم ان خادمه الخاص سرب الكثير من الوثائق للدرجة التي سمحت لصحفي بتأليف كتاب، وقد يكون ذلك أحد الاسباب، ولا أعتقد انه ابتهج بما حدث.”
وفي الفاتيكان ينصح الاعضاء من الشباب الذين يحدوهم الطموح في الكنيسة بأن “يستمعوا للكثير ويروا كل شيء وألا يقولوا شيئا”. وخروج شخصية بارزة عن الخط الرسمي للكنيسة أمر ذو مغزى.
في الاساس كان البابا بنديكتوس السادس عشر حبرا اعظم معلما، وفقيها في العلوم الدينية ومفكرا. واوضح أحد المطلعين “فكرته عن الجحيم تتمثل في ارساله الى دورة للتدريب الاداري مدتها اسبوع.”
وكان من سوء طالع البابا بنديكتوس السادس عشر انه وصل للباباوية في وقت خواء للسلطة، في وقت انتشر فيه الفساد بين بعض موظفي الرتب المتوسطة في الكنيسة.
وخلال الاعوام الاخيرة في عمر البابا يوحنا بولس الثاني، اصبحت الكنيسة الكاثوليكية يتحكم فيها من قبل عدد الجماعات المتناحرة. وهذا هو ما قال باولو غابريلي، خادم البابا، انه يحاول ان يكشفه عن طريق تصوير وتسريب كل هذ الوثائق.
ولكن غابريلي قال إن العلاقة بينه وبين البابا كانت علاقة “اب وابنه”. فلماذا إذن تصرف بطريقة من المؤكد أنها ستسبب الحرج لشخص هو وثيق الصلة به؟.
واعلنت كريستيانا ارو، محامية الدفاع عن غابريلي، في ثاني مقابلة معها على الاطلاق “قال إنه شهد الكثير من الاشياء القبيحة داخل الفاتيكان، واصبح لا يتحمل اكثر من ذلك. قال إنه استمع الى اكاذيب تقال. وقال إنه يعتقد ان البابا ترك عن عمد جاهلا بالكثير من الاحداث الرئيسية.”
وادين غابريلي بـ “السرقة” وامضى ثلاثة أشهر في السجن قبل عفو البابا عنه. ولكن هذا لم يكن نهاية الامر. فقد امر البابا بالتحقيق في الامر برمته.
وقدم ثلاثة كرادلة تقريرا مكونا من 300 صفحة. وكان من المفترض ان يبقى التقرير سريا، ولكن صحيفة ايطالية يومية شهيرة قالت إنها اطلعت على محتواه. وماذا كانت نتيجة ذلك؟ المزيد من التسريبات المحرجة، مع مزاعم عن وجود شبكة عن القساوسة المثليين اصحاب “التأثير غير اللائق” في الفاتيكان.
واستمر تفاقم المشاكل امام البابا الماني الاصل، وكانت واحدة من اغرب القصص التي علمنا بها خاصة بمشهد لميلاد المسيح في ميدان القديس بطرس.
على مدى اعوام جرت اتفاقات وصفقات دفع فيها الفاتيكان اضعاف السعر المتعارف عليه في السوق. وحاول شخص مطلع كشف الامر واصلاح النظام، ولكن مسؤولين في البلاط الباباوي اقنعوا البابا بترقيته ونقله الى مكان يبعد اربعة الاف ميل عن روما.
وحدثت اجراءات مماثلة في بنك الفاتيكان، الذي كان على مدى أعوام مصدر الكثير من القصص المزعجة للفاتيكان. واسس البنك لمساعدة الجهات الدينية والمؤسسات على تحويل الاموال التي تحتاجها بصورة ماسة مناطق بعيدة من العالم.
ولكن عندما يتضمن الامر مبالغ ضخمة من المال تحول الى مناطق غير مستقرة سياسيا في العالم، من المحتمل ألا تمر الامور بسلاسة.
طاقة جسدية وروحية
ويعتقد ان مسؤولي بنك الفاتيكان كانوا يأخذون القرارات الرئيسية دون اطلاع البابا في جميع الاحيان.
وعندما قرر مجلس ادارة البنك اقالة رئيسه الاصلاحي ايتوري تيديسكي، لم يطلع البابا على الامر الا بعد فوات الاوان.
و”فوجئ البابا للغاية”، حسبما قال سكرتيره. وكان يعتقد ان تديسكي كان مقربا من البابا ولكن ذلك لم يقدم له الحماية في نهاية المطاف.
المصدر: BBC