لكي لا تصبح سوريا عراقاً آخر (1)
موقع إنباء الإخباري
بحث من إعداد: علي مطر
شكل الغزو الأميركي ـ الغربي للعراق في العام 2003، منعطفاً تاريخياً في حياة العالم السياسية، لاسيما في المنطقة العربية. وقد أدى هذا الغزو إلى تغيير بعض معالم السياسة العربية التي كانت قائمة قبل الغزو، حيث أصبحت المنطقة العربية داخلة ـ ولو لم يكن لها خياراً آخر ـ في منطقة شرق أوسطية منفتحة ومغايرة للسياسات العربية التي كانت قائمة قديماً. فهناك عدة أسباب أدت إلى تغيير هذه الخارطة السياسية، بعد الغزو الأميركي، الذي كانت له عدة أهداف وأسباب لشن عدوانه على العراق ومحاولة السيطرة على المنطقة.
فقد قررت الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا ومن حولها 49 دولة، غزو العراق في آذار 2003 مستخدمة لذلك عدة بدع، أخذ العالم يسميها بالأسباب المرئية أو المباشرة، ذلك أن شعوب المنطقة كانت تدرك بأن هناك أسباباً أو أهدافاً خفية للغزو الأميركي للعراق، فكانت أسلحة الدمار الشامل بدعة أساسية للغزو، ومن ثم استخدمت عدة بدع اخرى، كحماية حقوق الانسان ونشر الديمقراطية، وإن كان نظام صدام حسين مخالفاً تماماً لأدنى حقوق إنسانية، لكن العقل البشري لا يصدق أن أية دولة تقوم بشن عدوان على دولة أخرى فقط من أجل الديمقراطية أو من أجل أنها تهدد أمنها القومي، مع أنها تبعد عنها آلاف الأميال.
وأدى الغزو الأميركي للعراق إلى نتائج مؤلمة جداً لم يشهد التاريخ مثلها، حتى ولو شهد التاريخ أعظم مما حصل في العراق، إلا أن التاريخ القريب لم يشهد مثل ذلك. فالعراق اليوم كالجسد النازف ممزق ومنقلب على نفسه ومليء بالجراح التي لا تلتئم.
لقد دعا بوش في خطابه في أيلول 2002 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقامة نظام ديمقراطي نزيه في العراق يحترم حقوق الإنسان، وكان بوش أيضاً قد أوضح ان الجيش الاميركي ذاهب الى العراق لمساعدة الشعب العراقي على اتخاذ قراراته بنفسه. (1)
ولكن ماذا حصل! إن من يسمع هذا الكلام الأميركي المعسول الطامح إلى نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب من الظلم والفساد، يحسب أن العراق يعيش الآن حالة السلام الأكمل والأمن الحقيقي. إن نظرة سريعة إلى العراق بعد الاحتلال تكفي لتحديد الوضع الأمني فيه.
اليوم، يعاد المسلسل الأميركي الاجرامي في سوريا. فأميركا التي لطالما أدعت أنها ضد الإرهاب، أخذت تدعم الجماعات الارهابية في سوريا، والتي تقوم بتدمير مؤسسات الدولة وتقتل الشعب السوري وتدمر سوريا باسم “الثورة”. وبعد عامين ونصف على بداية الحرب الكونية على سوريا، والتي تشنها جماعات إرهابية من بينها “جبهة النصرة” المنتمية الى “تنظيم القاعدة” بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ضد النظام السوري، وجد باراك أوباما أن الجيش السوري يسيطر في الميدان ويعيد الأمن والاستقرار إلى سوريا، فلم يرق له ذلك، فما كان منه إلا أن اخترع بدعة الاسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية لشن حرب على سوريا، على مثال ما فعل سلفه جورج دبليو بوش بالعراق، عندما استخدم بدعة أسلحة الدمار الشامل لشن حرب على العراق، لأسباب معلنة وغير معلنة، كانت نتائجها كارثية على العراقيين، وما زالت حتى بعد انتهاء الاحتلال الاميركي للعراق. وبغض النظر عن التراجع الظاهر في نية الولايات المتحدة على شن هذه الحرب نتيجة المعطيات الميدانية، فإن الخطوط الأساسية للمشروع الأميركي يبدو أنها ما تزال قائمة.
ولذلك، وجدنا أنه لا بد من التذكير بالأسباب الأميركية لغزو العراق، والفيلم الذي أنتجه جورج بوش وإدارته آنذاك، وما خلّفته الحرب الأميركية على العراق من نتائج لا يزال وقعها الاجرامي ماثلاً حتى الان، من خلال عرض بحث تحت عنوان “الغزو الأميركي للعراق الأسباب والنتائج” تم إعداده في العام 2011، على حلقات، وذلك لكي لا تعاد الكرّة في سوريا التي أنهكت من حرب إرهابية عليها منذ عامين، من أجل ضرب استقرارها وأمنها ووحدتها ونهجها المقاوم.
الحلقة الأولى
الأسباب المعلنة للغزو الأميركي للعراق
استخدمت أميركا أسلحة الدمار الشامل كبدعة أساسية لشن عدوانها على العراق، ولكن عندما أدركت أميركا أن أسلحة العراق ليست بالحجة الدامغة، أخذت تربط ما بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، مستخدمة في ذات الوقت مقولتها الشهيرة عن انتهاكات حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، هذا المبحث يعرض الأسباب والبدع المباشرة التي استخدمتها الإدارة الأميركية في غزوها العراق.
أولاً: ذريعة الغزو الأساسية
إدعت الولايات المتحدة الأميركية أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وذلك من أجل اختلاق حجة لغزو العراق، بعد أن صممت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش منذ ما قبل العام 2003 على غزو العراق.
أ: أسلحة الدمار الشامل سبباً لغزو العراق
إن أسلحة الدمار الشامل، بحسب تعريف صدر عن اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي عام 1994، هو “تعبير عام يشمل العناصر المشعة، والمواد الكيميائية والبيولوجية، وإن تعبير أسلوب إيصال هذه الأسلحة يتضمن إنتاجها واستخدامها لأغراض غير سلمية مما يحدث موتاً لأعداد كبيرة من الناس، أو يحدث أضراراً مادية بمقياس واسع”. (2)
وعرّف المشرع الأميركي في العام 1998 أسلحة الدمار الشامل بأنها، “تعني السلاح الذي يحدث الموت أو الأذى الجسماني لعدد كبير من الناس، ويشمل هذا السلاح بعض المواد الكيماوية أو الجرثومية أو المشعة”. (3)
إذن، إن أسلحة الدمار الشامل، هي كل سلاح يمكن أن يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من البشر، وأن يؤدي إلى دمارٍ كبير، سواء أكان هذا السلاح، نووياً وبيولوجياً وكيماوياً، أو سلاحاَ تقليدياً ممكن أن يؤدي خلال أي نزاع إلى سقوط عدد كبير في الأرواح.
واستخدم تعبير الدمار الشامل لأول مرة في الصحف البريطانية عندما وصفت الطائرات الألمانية القاصفة في الحرب العالمية الثانية، بأنها تدمر المدن تدميراً شاملاً. (4)
وينبغي الإشارة إلى النزاع اتجاه أسلحة الدمار الشامل، بعد “إصدار مجلس الأمن قراره المرقم 687 في نيسان/ أبريل 1991، والذي استمر بموجبه الحصار الظالم المفروض على العراق منذ آب/أغسطس 1990، إلى حين تحقق الأمم المتحدة من أن العراق قد دمر كل ما يمتلكه من أسلحة الدمار الشامل، ومن صواريخ ذات المدى الأكثر من 150 كلم. وكلفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقيق من تدمير جميع انواع الأسلحة المحظورة دولياً، وتم تشكيل ما يسمى لجنة الأونيسكوم للتحقق من تخلص العراق من أسلحة الدمار الشامل”. (5)
من المؤكد أن نظام الرئيس صدام حسين، قد سعى إلى تطوير رغبته في امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وكانت هذه الرغبة قد تحققت من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، كما تم سابقاً بدعمهما المفرط اليه في حرب الخليج الأولى 1982. وخاصةً أن أميركا طورت الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الثمانينات أثناء الحرب الإيرانية العراقية بحجة امتلاك النظام العراقي لها من أجل الأغراض السلمية، التي بطبيعتها هي مشروعة فيما إذا استخدمت لهذه الأغراض (6). ومع العلم بأن الادعاءات بتطوير هذه الأسلحة من جانب العراق لم يكن إلا لفظياً بحكم أن البنى الارتكازية لهذه الأسلحة قد تم تفكيكها وتدميرها، سواء أثناء الحرب عام 1991 أو بواسطة لجنة الأونيسكوم، والتي امتدت عملياتها، “لسنوات عديدة منذ عام 1991 حتى 1998، ولم تعثر هذه اللجان على أي شيء يذكر من هذه الأسلحة. وبحسب قول هانز بليكس ومحمد البرادعي، إن عدم العثور على شيء ما لا يعني بالضرورة عدم وجوده”. (7)
وتجدر الإشارة إلى أن هذه النقطة تشير إلى إبقاء العراق في دائرة الاتهامات الأميركية، وبالفعل بعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية بالقيام بعملية ثعلب الصحراء تم استدعاء لجنة التفتيش قبل ساعات من عمليات القصف على بغداد عام 1998، وكانت هذه هي آخر المبادرات حول أسلحة الدمار الشامل بمضمونها الدولي قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
ب: الموقف الأميركي من الأسلحة العراقية
بعد تفجير برجي التجارة الأميركية سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى اتهام العراق بارتكاب انتهاكات دولية، وإجباره للجنة التفتيش الدولية بالخروج من العراق، لذلك صدر قرار مجلس الأمن 1441 لعودة هذه اللجنة، ولقد قدمت اللجنة تقريرها، الذي أوصت من خلاله بأن العراق لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وأنه متعاون مع لجنة التفتيش. (8)
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن بدعة أسلحة الدمار الشامل، كانت الحجة الأقوى التي استخدمتها أميركا لغزو العراق، على “اعتبار أن هذه الأسلحة أصبحت تشكل تهديداً لأمن إسرائيل، أو في حالة وقوعها بيد منظمات إرهابية” (9) ، وفي خطابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 أيلول/سبتمبر 2002، شدد الرئيس الأميركي جورج بوش، على دول العالم اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه أسلحة الدمار الشامل العراقية، وذلك حسب تعبيره، حيث قال إن نظام صدام حسين خطير ويزداد خطورة، ومن ثم أخذ يحذر الدول من نظام الرئيس صدام حسين، وذكر بوش معطيات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية الكيميائية والبيولوجية. (10)
وفي 24 أيلول/سبتمبر 2002، أي بعد اثني عشر يوماً، “أصدرت الحكومة البريطانية ملفاً رسمياً بعنوان أسلحة الدمار الشامل العراقية ـ تقويم الحكومة البريطانية، وتضمنت الوثيقة مقدمة من توني بلير قال فيها أن، الوثيقة تثبت أن برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي برنامج نشط وتفصيلي وينمو بشكل متواصل”. (11)
وبذكاء أو “بخداع” كبير، اجتمع الكونغرس الأميركي في 24 أيلول/سبتمبر 2002، ليعطي الرئيس بوش تفويضاً بشن الحرب على العراق، وطُلب من مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت أن يتحدث إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ عن تقويم وكالته لأسلحة الدمار الشامل في العراق، فقال تينيت انه “تم إيقاف وحجز 300 أنبوب ألمنيوم عالية المتانة في عمان بطريقها إلى العراق، وأنها جزء من عقد كبير لشراء هذه الأنابيب التي ستستخدم في صناعة معدات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم”. (12)
بعد ذلك أتى دور وزير الخارجية الأميركي كولن باول، الذي أخبر لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أن العراق قد حاول شراء اليورانيوم من النيجر، وأن ذلك دليل على أن العراق يسعى نحو طموحاته النووية.
إلا أن أميركا كانت تعتزم احتلال العراق، قبل أحداث 11 ايلول، ولكن لم تسنح لها الفرص فيما قبل، ومع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة، وجدت أميركا ضالتها من خلال شن حرب نفسية مرعبة على الشعب الأميركي، من خطر امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. وبنت على ذلك أحد أهم الأسباب التي دفعتها لشن الحرب على العراق في 20 آذار 2003. ولكن بعد الاحتلال بانت الحقيقة ساطعة، فالفريق الأميركي الذي كلف بالبحث عن أسلحة الدمار العراقية برئاسة ديفيد كي مع فريقه المؤلف من 1400 خبير لفترة من الزمن لم يجد أي شيء منها، بل واستغرب كيف أن الاستخبارات الأميركية قد شددت على أن العراق يمتلكها (13). فقد اسُتغلت المعلومات الاستخباراتية بشكل يخدم أهداف الإدارة الأميركية آنذاك، فالمشكلة لا تكمن في أجهزة الاستخبارات وإنما في فبركة الإدارة الأميركية لهذه المعلومات من أجل تحقيق أهدافها غير المعلنة في الشرق الأوسط. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش، قال في تصريحٍ له، انه حتى ولو كان يعلم أن العراق لم يمتلك أسلحة الدمار الشامل لكنت قد قررت الذهاب إلى الحرب. (14)
ثانياً: غزو العراق بحجة مكافحة الإرهاب
علمت الإدارة الأميركية أن استخدام عبارات أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل لم تعد كافية، لاسيما أن لجان التفتيش أكدت أن العراق لا يملكها، عندها أخذ فريق بوش يربط بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة.
أ: الإرهاب كسبب للحرب على العراق
قبل غزو العراق ادعى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين يرتبط بتنظيم القاعدة، وأن العراق يضم معسكرات لتدريب عناصر القاعدة وشارك في تفجيرات 11 أيلول، واعتبر فريق الحرب على العراق في الإدارة الأميركية، أن صدام حسين الممول الأول للإرهاب وأنه على صداقة وتواصل مع أسامة بن لادن.
ويظهر ذلك جلياً في خطابات الرئيس الأميركي جورج بوش وأركان إدارته، فيربط خطر العراق بخطر الإرهاب، بحيث شدد على أن “العراق جزء من الحرب على الإرهاب”، وقال في مؤتمر صحافي عشية جلسة مجلس الأمن في 8/3/2003 “لن نترك الشعب الأميركي تحت رحمة الدكتاتور العراقي وأسلحته”، وعاد بوش أكثر من مرة للقول إن صدام حسين يشكل خطراً على الأميركيين وعلى منطقة الشرق الأوسط وانه يمول تنظيمات من نوع تنظيم القاعدة. وكان بوش قد ربط أيضاً التخلص من النظام العراقي بالإرهاب ومتطلبات مكافحته بعد أحداث 11 أيلول”. (15)
ولم تكتف الإدارة الأميركية بالخطابات التي كان بوش يربط بها العراق بتنظيم القاعدة، بل كثرت هذه التصريحات على لسان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ووزير خارجيته كولن باول، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، ومساعد وزير الدفاع بول وولوفيتز.
وكانت الولايات المتحدة قد زعمت أن مسؤول استخبارات عراقياً التقى بمحمد عطا الذي كان له اتصالات بالقاعدة تتعلق بأحداث 11 أيلول، واستندت أميركا بقرارها على تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية. (16)
“كان الرئيس مصمماً على تقديم الأدلة إلى محامين لديهم خبرة يمكنهم استخدامها لعرض أفضل قضية، وقدمت الوثيقة إلى نائب رايس ستيفن هادلي، ومساعد تشيني الأول لويس ليبي، وقدم ليبي عرضاً مطولاً إلى رايس وهادلي ونائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج ومساعد وزير الدفاع بول وولوفيتز ومدير الاتصالات في البيت الأبيض دان بارتليت وكاتب الخطابات مايكل غيرسون، وكان حاضراً المدير السياسي للبيت الأبيض كارل روف، وقال ليبي انه من المعتقد أن محمد عطا، زعيم منفذي هجمات ايلول/سبتمبر، التقى في براغ بضابط استخبارات عراقي، مشيراً إلى معلومات استخباراتية تتحدث عن 4 اجتماعات”. (17)
كل ما تقدم يبين كيف حاولت الولايات المتحدة الأميركية، الربط بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، باعتبار أن العراق كان متورطاً بإحداث 11 أيلول، ولكن للمفارقة فإن الرئيس بوش كان يريد احتلال العراق منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في عام 2000، وهذا ما يظهر بقول وزير المال الأميركي السابق بول اونيل، ان “الرئيس بوش بدأ التخطيط لإطاحة صدام بعد أيام قليلة من وصوله إلى البيت الأبيض العام 2000، أي قبل سنة من هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وقبل سنتين من إعلان مبدأ الحروب الوقائية في حزيران (يونيو) 2002”. (18)
وكان “بوش يعلن لشعبه أن أميركا تواجه الإرهابيين في العراق وأفغانستان، ذلك لكي لا يكون على شعبنا مواجهة العنف الإرهابي في نيويورك..أو لوس أنجلوس. إذن هكذا كان الأمر..العمل على جذب جميع هؤلاء الإرهابيين إلى عراقنا المحرر، الذي نحبه كثيراً، وبذلك يتركون بلادنا وشأنها”. (19)
ب: الموقف الأميركي من الإرهاب بعد غزو العراق
استمرت الإدارة الأميركية بالتركيز على حجة الإرهاب، وصلة العراق بتنظيم القاعدة، بعدما تبين زيف الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وهذا أيضاً ما تكرر في خطابات الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، ووزير حربه دونالد رامسفيلد، ومساعد وزير الحرب بول وولوفيتز.
“فالرئيس بوش وفريقه، ما زالوا يقولون ذلك، إنهم أرسلوا الجيش إلى العراق للقضاء على الإرهاب، ولكننا نعرف الآن كما كانوا يعرفون آنئذ، أن العراق لا علاقة له بهجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية التي وقعت في أميركا. وعلى العكس من ذلك فإن الحرب ضد العراق لم تقلل من الإرهاب، بل قامت بتفريخ الإرهابيين بأعداد كبيرة ومتزايدة”. (20)
“وقالت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية في مساء 22/6/2003 أن الرئيس الأميركي جورج بوش ضخّم استنتاجات أجهزة استخباراتية حول العلاقات المفترضة بين صدام حسين وشبكة القاعدة الإرهابية، وكتبت الصحيفة مستندة إلى مصادر برلمانية ومحللين اطلعوا على تقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية بأن هذه الوثائق تقدم صورة عن العلاقات بين العراق والقاعدة أقل وضوحاً بكثير من تلك التي قدمها بوش، وقال مسؤول من جهاز الاستخبارات للصحيفة: لقد حصل على الدوام جدل ضمن أجهزة الاستخبارات حول هذه العلاقات المفترضة بين العراق وشبكة أسامة بن لادن المسؤولة عن اعتداءات 11 أيلول”. (21)
“وقد أكد تقرير للكونغرس عن هجمات 11 أيلول انه لا وجود لأي اتصالات مزعومة بين محمد عطا من القاعدة، ومسؤولي استخبارات عراقيين في براغ أو غيرها، وأكدت وكالة الاستخبارات الأميركية أن لديها أدلة تثبت أن مسؤول الاستخبارات العراقي الذي ذكر انه سمير العاني، كان في ذلك الوقت في مكان آخر لا في براغ. ومع ذلك فإن المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جيمس وولسي، وهو عضو في تيار المحافظين الجدد، ذهب في مهمة إلى لندن وعواصم أوروبية أخرى، لإيجاد رابط بين العراق والقاعدة في مسعى لتحميل العراق مسؤولية هجمات 11 أيلول”. (22)
وكان نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور قال إن “صدام حسين رجل سيء جداً لكن أسامة بن لادن هو الذي هاجمنا، صدام لم يهاجمنا ” (23). فمع كل ما قامت به الاستخبارات الأميركية إلا أنها لم تكشف أي علاقة بين العراق والقاعدة، “وتضمنت (نيويورك تايمز) مقالة بشأن سجل بغداد، أنه ليس لدى وكالة الاستخبارات الأميركية دليل على اشتراك العراق في عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة الأميركية منذ عقد تقريباً، والوكالة مقتنعة أيضاً أن صدام حسين يزود القاعدة، أو جماعات إرهابية ذات صلة بها بأسلحة كيميائية أو بيولوجية، وفقاً لعدد من مسؤولي الاستخبارات الأميركية”. (24)
لقد كان إدعاء أميركا بأن نظام صدام يرتبط بتنظيم القاعدة غير صحيح، ويعرف الذين أشاعوا هذا الاتهام أنه غير صحيح، “وقد بين التحقيق المعمق الذي قامت به اللجنة المختارة للاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي أن تلك الادعاءات غير مسؤولة وليس لها أساس حقيقي” (25). إذاً ومع كل ما قامت به الاستخبارات الأميركية لربط العراق بتنظيم القاعدة، وما كان قد ادعاه المسؤولون الأميركيون المساندون لجورج بوش، وساندتهم به هذه الاستخبارات، إلا انه لم يظهر أية صلة ـ وكما يظهر معنا ـ بين القاعدة وصدام حسين، واليوم توجد القاعدة بالعراق لأن أميركا أفسحت لها المجال لذلك.
ثالثاً: انتهاكات حقوق الإنسان
عادةً ما تظهر الولايات المتحدة نفسها المدافع الأول عن حقوق الإنسان، وناشرة الديمقراطية، وقد شكل انتهاك صدام حسين لحقوق الإنسان وقمعه العراقيين لاسيما الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، حجة أميركية للغزو، واستطاعت أميركا أن تجمع حولها المعارضة الشيعية والكردية، لمساعدتها في إسقاط نظام صدام.
أ: النظام السياسي والقمع الإنساني
إن النظام السياسي الذي كان قائماً في العراق شكل ذريعة للغزاة باعتباره منتهكاً للحقوق الإنسانية ومستبداً وديكتاتورياً كما كان قائماً على الأسس العشائرية. وقد كان رأس النظام محتكراً للسلطة وكابتاً للحريات العامة وكان الفساد مستشرياً. إن الدكتاتورية العسكرية الفردية والرسمية هي التي كانت سائدة إبان الغزو الأميركي للعراق، حيث أن النظام لم يكن نظاماُ سياسياً مدنياً مستنداً إلى حكم الدستور والقانون والمشاركة الجماعية، بل كان مستنداً إلى المؤسسات العسكرية والزعامات الفردية. (26)
فلقد مارس النظام الكبت السياسي في ظل استمرار احتكاره للسلطة. فغيّب الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير، وخضوع الحوارات والمناقشات السياسية للرقابة ولمخاطر المساءلة والعقاب. إضافة إلى الرقابة المركزية الشديدة على الصحف المحلية، ومنع إنشاء أحزاب سياسية بصحافتها الحزبية الحرة للتعبير عن آراء الناس عامة، وكنوع من التنفيس لتطلعات الجماهير السياسية.
لقد قام النظام بحرمان الناس من متابعة التطورات الدولية وما يجري حولهم من أحداث بعدم السماح لهم باستخدام أجهزة البث الفضائي، وحين اقترح مجلس الوزراء قبل الحرب مباشرة توفير هذه الخدمة للمواطنين، أظهر التلفزيون العراقي انعقاد المجلس بحضور رأس النظام العراقي، حيث قرر عدم حاجة المواطنين لهذه الخدمة لتوفر قنوات محلية كافية حسب رأيهم. (27)
فقد أدى التجزؤ في المجتمع العراقي، إلى جانب التأثيرات السلبية لنظام العقوبات على الحياة اليومية في العراق، إلى تعاظم أهمية اللاعبين السياسيين المحليين، ومنهم العشائر والمؤسسة الدينية وأصحاب المشروعات العرقية في حياة العراقيين، حيث أصبحوا هم مصدر الدعم والأمن وربما حتى الحماية من النظام. وكان صدام عشية غزو العراق عام 2003، هو القوة الممسكة بنظام معقد، يدير ويستغل هيكلاً سياسياً أصبح يتسم بالتجزؤ وعدم الاستقرار. (28)
وعمد نظام صدام حسين إلى قصف الأكراد كيماويا مما أدى إلى قتل وتشريد الآلاف منهم، وإصابتهم إصابات جسيمة ألحقت أضراراً بالواقع الاجتماعي فضلاً عن الأضرار البيئية التي نتجت عنه في مدينة حلبجة، في الوقت ذاته كان قد تمكن الشيعة في الجنوب من إقامة معارضة لإسقاط النظام عام 1991، إلا أن النظام قام بإسكاتها بالقوة والقمع والقتل، وبعد انتهاك صدام حسين لهذه الحقوق المدنية والسياسية للمجتمع القائم آنذاك، قرر النظام الدولي العالمي من خلال مجلس الأمن، تطبيق الحريات الفردية، من خلال استهداف نظام جديد يعرف بالتدخل الإنساني، وصدر بموجبه القرار 688 الذي منع الطائرات العراقية من التحليق في أجوائها، من أجل ضمان تطبيق حقوق الإنسان.
ب: أميركا تريد نشر الديمقراطية
اعتبرت الإدارة الأميركية المتمثلة بإدارة الرئيس جورج دبليو بوش والواقعة تحت تأثير المحافظين الجدد، أن الأنظمة التسلطية العراقية هي متمثلة بشخص صدام حسين، حيث تمَ تصوير الأخير والمقربين إليه على أنهم شياطين، وبالتالي قامت بتوجيه أصابع الاتهام إليهم باعتبارهم العائق الأساسي، بل الوحيد، أمام تخلص العراقيين من أغلال الديكتاتورية واعتناقهم المبادئ الديمقراطية، (29) حيث أعلنت أن هدفها إقامة نظام ديمقراطي في العراق، وخلق منطقة يعمها “السلام الديمقراطي، في قلب الشرق الأوسط”، (30) مع أن العراق ليس بالدولة الوحيدة التي تغيب فيها الديمقراطية. ” فكان الهدف الأميركي في هذا المجال، تحويل العراق إلى ساحة استهلاكية (ليبرالية) تحت اسم الديمقراطية.” (31)
فالإدارة الأميركية وجدت في النظام السياسي الدكتاتوري الذي كان سائداً في العراق ذريعة تحتج بها أمام معارضيها لغزو الأخير، ولأخذ الموافقة الدولية على ذلك. لهذا السبب قامت بحمل شعارات الديمقراطية وتطبيقها في العراق غطاءً لعملها الهجومي الذي كان مقرراً بإذن دولي أو بدونه.
إن الإنذار الأميركي لمجلس الأمن عشية الغزو يظهر أن الديمقراطية لم تكن إلا أكذوبة، فكانت أميركا مصرة على أن تحكم العراق. وقد عبر كل من جورج بوش وطوني بلير عن احتقارهم الشديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في ذلك الانذار: “عليك أن تذعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو من دون موافقتك التافهة. وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام حسين وعائلته البلاد أم لم يغادر.”(32) وهذا ما يدل على أن النظام العراقي ورأسه لم يكونا الهدف.
وإزاء ذلك الشعار المستعار، فإن الرئيس الأميركي بوش ظل على ثقة تامة بإمكانية النجاح في إرساء الديمقراطية في الدول التي لم تكن محكومة من قبل أنظمة ديمقراطية في السابق، فقد جاء في خطاب له في تشرين الثاني / نوفمبر2003:”لقد شهدنا، خلال زمن جيل أو أكثر بقليل، أسرع تقدم نحو الحرية، على مر السنوات الألفين والخمسمئة من عمر الديمقراطية”، وأضاف: “أؤكد لكم أن هناك المزيد على الطريق”. (33)
ورغم ذلك الإصرار الأميركي على تطبيق النموذج الديمقراطي في العراق، فإن خطة سياسية متماسكة قد فقدت إثر الغزو. وكانت فكرة القوات الأميركية قائمة فقط على تهيئة الظروف لفرض حكومة قادرة على إضفاء الشرعية على الاحتلال.
هوامش:
1ـ انظر، خطاب جورج بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 12/09/2002، http://news.bbc.co.uk
2ـ جعفر، ضياء، جعفر. والنعيمي، سعد الدين، نعمان. بحث بعنوان(أسلحة الدمار الشامل: الاتهامات والحقائق)، الفصل الثاني، مجموعة باحثين، (احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا)، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الاولى، اب 2004، ص170.
3ـ مرجع نفسه، ص 171.
4ـ WMD: Words of mass dissemination, 12 February 2003
5ـ مرجع سابق، جعفر، ضياء، جعفر. والنعيمي، سعد الدين، نعمان.(أسلحة الدمار الشامل: الاتهامات والحقائق)، 179.
6ـ انظر، الجدم، يوسف، (الحرب عل العراق الأسباب والأهداف والتوقعات)، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، عدد 2/2003.
7ـ رشيد، عبد الوهاب، (التحول الديمقراطي في العراق)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، تموز 2006، ص 154.
8ـ انظر، بليكس، هانز، (نزع سلاح العراق الغزو بدلاً من التفتيش)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، أب 2005.
9ـ خليفة، نبيل، (حرب على العراق…أم لتغيير العالم)، صحيفة الحياة، 20/4/2003.
10ـ انظر:President Remarks at the United Nations General Assembly, 12 September 2002, http://www.whitehouse.gov/news/releases/2002/09/20020912-1-html
11ـ مرجع سابق، جعفر، ضياء، جعفر. والنعيمي، سعد الدين، نعمان.(أسلحة الدمار الشامل: الاتهامات والحقائق)، ص162
12ـ Iraq Weapons of mass destruction: the assessment of the British Government, http://www.pm.gov.uk
13ـ انظر، المرجع السابق، رشيد، عبد الوهاب، (التحول الديمقراطي في العراق)، 155.
14ـ انظر، كروغمان، بول، (بوش وأسلحة العراق والمحاسبة)، صحيفة المستقبل، 7/6/2003.
15 ـ ملحم، هشام (بوش يتحدى أعضاء مجلس الأمن كشف أوراقهم)، صحيفة السفير اللبنانية، واشنطن ، 8/3/2003.
16ـ (الحرب على العراق)، ويكيبديا الموسوعة الحرة، http://ar.wikipedia.org
17ـ وودوارد ، بوب، (عندما احتار المجتمعون حول من ينقل قضية أسلحة العراق إلى الأمم المتحدة)، صحيفة الشرق الأوسط، 20/4/2000
18ـ محيو، سعد، (ووترغيت أكاذيب حرب العراق)، صحيفة الحياة، 19/1/2004.
19ـ فيسك، روبرت، (الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 2008، ص 1071
20 ـ انظر، ماكففرن، جورج، و بولك وليام، (الخروج من العراق خطة عملية للانسحاب الآن)، مركز دراسات الوحدة العربية،الحمراء، بيروت ، الطبعة الأولى، كانون اول 2010، ص 10.
21 ـ صحيفة أميركية الرئيس بوش ضخم المعلومات الاستخبارايتة حول العلاقات بين صدام والقاعدة، صحيفة الأنوار اللبنانية.
22 ـ مرجع سابق، العراق والقاعدة: معلومات لم تثمر، صحيفة الأخبار اللبنانية، 20/3/2007.
23 ـ مكي، عماد، آل غور يعلن دعمه للمرشح هاورد دين، صحيفة الشرق الأوسط، واشنطن، 10/12/2007
24 ـ راي، ميلان، خطة غزو العراق (عشرة أسباب لمناهضة الحرب على العراق)، المترجم حسن الحسن، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2003، ص50.
25 ـ بول، جيمس، و ناهوري، وسيلين، الحرب والاحتلال في العراق (تقرير للمنظمات غير الحكومية)، مركز دراسات الوحدة العربية، واللجنة العربية لحقوق الإنسان، الحمرا ـ بيروت، الطبعة الأولى، أيلول 2007، ص 25.
26 ـ مرجع سابق، رشيد، عبد الوهاب، (التحول الديمقراطي في العراق)، ص 150.
27 ـ مرجع نفسه، ص 157.
28 ـ ستانسفيلد، غاريث، (العراق: الشعب والتاريخ والسياسة)، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، 2009، ص 174.
29ـ مرجع سابق، ستانسفيلد، غاريث، ص 84.
30ـ Liam, Anderson and Stansfield, Gareth, The Future of Iraq: Dictatorship, Democracy, or Division? 2nd edition. New York 2004: Palgrave Macmillan, p.186.
31ـ مرجع سابق، رشيد، عبد الوهاب، (التحول الديمقراطي في العراق)، ص 162.
32ـ تشومسكي، نعوم، (الحرب الوقائية أو “الجريمة المطلقة”، العراق الغزو الذي سيلازمه العار)، في كتاب العراق: (الغزو- الاحتلال – المقاومة)، شهادات من خارج الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2003، ص 61-68.
33ـ مرجع سابق، Liam, Anderson and Stansfield, Gareth, p.190