لعبة الدولار في المنطقة
موقع الخنادق-
علي نور الدين:
للولايات المتحدة الأمريكية تاريخ طويل من جرائم الإرهاب الاقتصادي ضد دول العالم، خلقت أزمات اقتصادية خانقة في الدول المستهدفة، وآخرها ما نعيشه في منطقتنا اليوم من أزمات في العديد من البلدان، يمكن اختصارها بمصطلح واحد: “لعبة الدولار”.
فأزمة صرف العملات المحلية، سواءً في لبنان، العراق، سوريا، اليمن، الجمهورية الإسلامية في إيران، أو حتى الدول الأخرى والتي من الممكن أن توضع في خانة الدول الحليفة لأمريكا كتركيا، هي من صناعة أمريكية بالدرجة الأولى، وتأتي من بعدها أسباب محلية يمكن التعامل معها.
فمنذ عشرات العقود من الزمن، تسعى كل إدارة أمريكية الى فرض هيمنتها على الدول، التي لا تتوافق معها في السياسات الدولية أو تنافسها بشكل استراتيجي، من خلال إجراءات الحصار، أوما تطلق عليه مصطلح العقوبات الأحادية الجانب، التي سرعان ما تصبح متعددة الأطراف، رغبةً أو قهراً. فوفقاً لأكاديمي الدراسات الأمريكية “مانو كاروكا” (في كتاب “العقوبات كحرب”)، فرضت أمريكا لوحدها، ثلثي العقوبات العالمية منذ تسعينيات القرن الماضي. كما بلغ عدد الدول “المعاقبين” حتى اليوم 25 دولة،
وتشمل العقوبات الامريكية الاقتصادية المفروضة على دول أخرى ما يلي:
_ فرض قيود على المساعدة الاقتصادية، كقانون قيصر الذي تسبب بأزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة في سوريا، ظهرت بشكل واضح خلال فترة ما بعد الزلزال.
_قيود مالية عبر معارضة واشنطن لأي قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، مثلما حصل مع لبنان منذ أكثر من 3 سنوات، وآخرها بما يتعلق بملف استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر.
_ منع المواطنين الأمريكيين والمؤسسات الخاصة كالبنوك وغيرهم، بل وصل الأمر بتهديد مؤسسات مالية في دول أخرى، من الانخراط في معاملات مالية مع الدول أو الأطراف المعاقبة، إلا بترخيص منها. وفي هذا الإطار، لا تتورع واشنطن عن تهديد شركات صينية وروسية وأوروبية أو حتى خليجية بالعقوبات في حال خرقهم لهذا الحصار.
العراق
بات محسوماً أن ما يعيشه العراق اليوم من أزمة اقتصادية خانقة، سببه الرئيسي والمركزي: الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أداء دور الوصي على الاقتصاد العراقي على ما يبدو. وأكبر دليل على ذلك، هو ما فرضته الإدارة الأمريكية عبر البنك الفيدرالي مؤخراً، من قيود على حركة الدولار في العراق، للحد من تحويلات للأموال زعمت بأن إيران هي المستفيدة منها. وهذا ما دفع بحكومة الرئيس محمد شياع السوداني إلى إرسال وفد اقتصادي إلى واشنطن، ضم وزير الخارجية فؤاد حسين ومحافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق وكبار خبراء الاقتصاد والمال وممثلي بعض الوزارات، بهدف تخفيف القيود الأمريكية الجائرة.
سيف العقوبات الأمريكية لا يرحم حتى أقرب الحلفاء: تركيا
في الـ 14 من كانون الأول / ديسمبر من العام 2020، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على تركيا التي تعدّ من أهم وأبرز حلفائها في الناتو وفي العديد من الملفات الأمنية والسياسية والعسكرية، بسبب شراء الحكومة التركية لنظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز “أس 400 – S400”. واستهدفت العقوبات بشكل رئيسي، رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، الذي يعدّ كيان حكومة أنقرة الرئيسي للمشتريات الدفاعية، واستهدفت كذلك رئيس المجموعة إسماعيل دمير وثلاثة ضباط آخرين.
يومها علّلت وزارة الخارجية الأمريكية قرار بلادها، بقانون CAATSA 231، وكانت أولى تداعيات القرار تعليق وإزالة تركيا من شراكة طائرة F-35 Joint Strike Fighter العالمية. أمّا ما لم يذكر في العلن، فهو أن هذا القرار كان جولةً أخرى من الحرب الاقتصادية، التي شنتها واشنطن ضد تركيا، والتي بدأت منذ العام 2016، ولم تنتهي تأثيراتها حتى اليوم، وهي أزمة تدهور قيمة الليرة التركية.
فقد شدد بعض المحللين وقتذاك، أن للاحتكاكات الجيوسياسية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تأثيرات قوية على الأزمة المالية التركية (اتهم صهر أردوغان ووزير المالية وقتذاك “البيرات البيرق” الإدارة الأمريكية علناً بذلك). يومها وعلى إثر اعتقال السلطة التركية للقس الأمريكي أندرو برونسون، بتهمة التجسس بعد محاولة الانقلاب التركي الفاشلة عام 2016، مارست إدارة ترامب ضغوطاً على تركيا من خلال فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، كفرض الرسوم الجمركية على الصادرات التركية، بحيث ارتفعت أسعارها بشكل قياسي. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فرضت الرسوم الجمركية على الصلب التركي المستورد بنسبة تصل إلى 50٪ بعدما كانت لا تتجاوز 13%، وغيرها من السلع الأخرى.