لبنان نحو مزيد من التصعيد
جريدة البناء اللبنانية-
د. وفيق إبراهيم:
لم يعد لدى لبنان ما يمنع من انفجار الأوضاع فيه نحو مزيد من التوتير او الانهيار الداخلي الكامل.
ساحاته اصبحت مفتوحة نحو قتال داخلي مرتبط بحركة صراع عالمي تشمل الخطوط السورية الفلسطينية اللبنانية و»الإسرائيلية»، وقد ينقصه دفع قليل فقط ليصبح جزءاً من اللهيب الذاهب اليه الإقليم بسرعة فائقة…
المشكلة انّ القتال الأميركي ـ السوري الفلسطيني لم يجد حلاً لتجزئة صراعاته، وأصبح يرى انّ الحرب عند خطوط التماس الفلسطينية ـ «الإسرائيلية»، هي عامل دائم من سمات هذه الخطوط التي يجب ان ترتبط بصراعات دولية حادة.
هذه السمات الحادة هي انّ لبنان في هذه المرحلة بالذات لا يمكن إلا ان يشكل جزءاً من الصراع الروسي ـ الأميركي، وهذا يفرض عليه ان يبقى مستنفراً ضمن هذا النمط من الصراعات، فالروس مثلاً يرون انه فرصة كي يسجلوا تقدّماً في الخط السوري الفلسطيني يمنحهم على الأقلّ مدى واسعاً يصبح فيه هذا الخط الروسي مهيئاً لكي يقتطع دوراً دائماً وكبيراً في واحد من أهم محاور الشرق الاوسط، فهل اقتحام الروس الخط الفلسطيني مسألة بسيطة بعد أكثر من نصف قرن من هيمنة اميركية على كامل المنطقة الغربية من الخليج الى بلاد الشام؟
المنطقة إذن تتحضّر لتغيّرات في لعبة المحاور تصبح فيه روسيا لتصبح عنصراً أساسياً في بلاد الشام لكن طرحها يتعدى هذا المدى، فالروس يريدون دوراً في إنتاج مادة الغاز التي يمسكون بالإنتاج الأول فيها في العالم، بما يؤكد انها وقطر أهمّ بلدين في انتاج هذه المادة التي تتجه لتكون بديلاً من النفط في هذا العقد المقبل.
وهذا يؤكد انّ العرب باقون على أداء أساسي في لعبة الصراع على مصادر الطاقة وخصوصاً الغاز، بما يعني انّ الخط الروسي التركي القطري في بوادي وبحار سورية وأريافها الشرقية، كلها مناطق تتحضر لحيازة أدوار كبيرة في إنتاج الغاز.
في المقابل يتجه العالم بأسره الى صراعات حادة بين روسيا من جهة، وبين الأميركيين وقطر من جهة ثالثة في أعنف لعبة لحيازة مصادر الطاقة والإمساك بالأدوار العالمية الكبيرة.
على مستوى المنطقة العربية تحاول السعودية المحافظة على دورها الأساسي من خلال إمساكها بمصدر الغاز، وهذا يعني ان الصراع على الغاز أولاً والنفط ثانياً من شأنه التحكم بمعظم انواع الصراعات العالمية…
فهل يمكن لطرف واحد عالمي الإمساك بالغاز؟
يبدو ان توزع إنتاج الغاز على أكثر من محور عالمي، من شأنه التأسيس لمحاور صراعات عالمية متعدّدة، فروسيا مع تركيا ـ متقاربتان مع أوروبا بشكل عميق جداً، خصوصاً انّ خط الغاز التركي ـ الروسي يغطي أوروبا، ولن يتمكن من نقل الغاز الاميركي إليها.
فهل تؤدّي هذه التغيرات الى تبديلات سياسية عميقة ترمي بأثرها على العالم بأسره، أما السؤال الأعمق فهو هل تنجح روسيا في قيادة محور عالمي، عنوان القوة في مصادر الغاز لكي تؤسّس لعصر طاقة جديد يؤدي تلقائياً الى قيادتها لمحور عالمي بامكانه منافسة الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل يتجه العالم نحو انقسام جديد في مصادر القوى لا يعود فيه الأميركيون ممسكين بكلّ شيء تقريباً كما كانوا في المئة سنة الماضية..
وهل ينبثق حلف أوروبي مع الروسي يسمح بخلق صراعات جديدة، وبالتالي يؤسّس لنمو محاور جديدة؟
يقول الخبراء انّ الصراع الأوروبي ــ الروسي الأميركي مستمر للسيطرة على منطقة الخليج بما يحتويه من نقطتين، الغاز والنفط من جهة والقدرة على الاستهلاك من جهة ثانية، لأنّ هذه البلدان لا تنتج شيئاً ولا تجيد فنون الدخول في الصراعات على أي نوع من أنواع الإنتاج.
انّ موقعها في لعبة الصراع العالمي يتحدّد من مدى قدرة المحور الروسي على الإمساك بلعبة الإنتاج والسيطرة على الغاز.. وهذا يعني انّ العالم كله يتجه ليكون ميداناً كبيراً لصراعات حادة على مصادر الطاقة من غاز ونفط، وبمقدار اختراق الدول للعبة حيازة مصادر الطاقة والانخراط في موارد الإنتاج، بمقدار ما تستطيع ان تشكل جزءاً من الأدوار الأساسية في المنطقة.
العالم إذن يتجه للتمحور حول طاقة الغاز بقوة شديدة، وهذا محور من شأنه دعم الالتفاف بين روسيا والصين في لعبة صراع مع روسيا والولايات المتحدة والنقطة الوحيدة التي تؤسس لاستقلالية أميركية، هي نجاح أوروبا في خوض صراع قوي جداً مع الأميركيين لا تسمح فيه للغاز الأميركي بالسيطرة على السوق الأوروبية.
هذه هي الخطوط الكبرى للصراعات العالمية المقبلة، لكن المعتقد انّ أوروبا لديها إمكانات من الغاز تسمح لها بأن تؤدي دوراً عالمياً كبيراً طيلة الستين عاماً المقبلة، هذا يعني ولادة صراعات روسية قطرية أميركية أوروبية قد تستمرّ لمدة مماثلة والمنتصر فيها هو القادر على نسج تحالفات عالمية من القارة الأميركية الى الشرق الأوسط.